نثرات من عطر الغائبين

 


 

 



noradin@msn.com

*هناك نماذج مشرفة للسودانيين الذين إضطرتهم الظروف الطاردة للعيش بعيداً عن السودان، إستطاعوا الإندماج الإيجابي في المجتمعات التي إنتقلوا إليها وأبدعوا في إثراء هذه المجتمعات بعطائهم الثر.

*مؤلف كتاب "نثرات في عطر الغائبين" أحد هؤلاء المبدعين الذين نجحوا في الإندماج الإيجابي في المجتمع الجديد وأثروا المجتمع المحيط بهم والبشرية جمعاء عبر إنتاجهم الثر الذي ترجمت بعض نصوصه الشعرية ومسرحياته إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والأسبانية والسويدية.
• *الكتاب يتناول شخصيات رحلت من هذه الدنيا الفانية لكنها كانت ذات تأثير كبير في حياة المؤلف في السودان وفي أستراليا التي إستقر فيها و أسرته في مدينة بيرث بولاية غرب أستراليا منذ عام 2013م.
• * الشخصية الأولى التي تناولها المؤلف هي شخصية والده "المعلم" الذي إكتسب لقب المعلم من مهنته كبناء محترف يشيد البيوت، وأنه ينتمي لكيان "الأنصار" الذين كانوا ينتظرون "أب سرولاً حديد" في إشارة للإمام الصادق المهدي كي يعطيهم الإشارة على حد تعبير الكاتب، وحسب تراتبية حزب الأمة والأنصار صار "الأحباب" يلقبونه بالأمير.
• *يمضي الكاتب في سرد سيرة المعلم قائلاً : عندما إنتمى إبنه الأكبر عاطف للحزب الشيوعي السوداني بارك الأمر بسماحته المعهودة، وفي موقع اخر يذكر المؤلف أنه في عقد الثمانينات إبتعثه الحزب الشيوعي للدراسة في المانيا الديمقراطية.
• *إضاءة أخرى قال فيها الكاتب : عدت إلى السودان بعد إنهيار جدار برلين الذي تعلمت منه أهم الدروس وهي ان الشعوب لابد ان تعيش حرة ولن تبدل توقها للحرية ب"جنة الإشتراكية".
• *إنتقل إلى محطة أخرى إتصل فيها الكاتب بعد طول غياب عن السودان بوالده فأحس بأن صوته غير طبيعي وعندما ساله ماذا ألم بك إنفجر الأب قائلاً : الكلام ده ماعيب عليك ستاشر سنة ما نشوف الأولاد إلا في الصور!!.
• *جمعهم لقاء أسري مع والده عندما جاء للقاهرة للعلاج كان يحكي فيها لأحفاده تأريخ أهلهم الشكرية "بزبنو وشينو" وكان المؤلف يترجم لهم، إلى ان تخلوا عن خدماته في الترجمة و تعمقت علاقتهم مع جدهم .. وفي فترة لاحقة بدأ المعلم يحس ببعض الإرهاق والتعب و"حيله مهدود " إلى ان إنتقل إلى رحمة الله.
• * عند نقل جثمان المعلم إلى الخرطوم شاءت الإرادة الإلهية تسخير الأتربة التي حجبت الرؤية حتى إضطر كابتن الطائرة للتحليق في أجواء الخرطوم قبل أن يقرر الإتجاه بها إلى بورتسودان .. وهكذا أعطت هذه الجولة الإضطرارية روح المعلم طلة على من يحب قبل أن تعود الطائرة للخرطوم ويرتاح المعلم إسماعيل عبدالرازق إبراهيم بعد رحلة ثلاثين وثمانين عاماً نثر فيها سماحته وتسامحه وسلامه وسط كل من حوله وخرج من الدنيا فقيراً إلا من حب الناس.
• *الكتاب الذي صدر عن دار الريم وألفه الشاعر والمسرحي عفيف إسماعيل تناول كما ذكرت بعض الشخصيات التي أثرت في حياته لن أتمكن من ذكرها هنا، لكنني سأكتفي بما كتبه عن "شيلا" الأسترالية من أصول بريطانية وزوجها"دون" بعد أن عرفه بهما الشاعر الأسترالي بيتر جيفري ليكشف لنا عن عازفة موسيقي مثقفة تعمقت بينهما العلاقة أسرياً ومهنياً حيث أسسوا سوياً دار سمنثا العالمية للنشر تُعنى بنشر مؤلفات لكتاب من ثقافات متعددة.
• *إعتل قلب شيلا وأصبحت نزيلة مستوصف تتلقى فيه العلاج وظل الكاتب يزورها بإنتظام ويقرأ لها بعض الأشعار التي تحبها لكنه في إحدى زيارته لها وهو يحمل بعض الزهور الإنجليزية وفوجئ بعدم وجودها في سرير المرض ليعرف أنها غادرت الدنيا في صمت دون ان تودعه.
• هذه شذرات من كتاب عفيف إسماعيل نثرات من عطر الغائبين وله مؤلفات باللغة العربية والإنجليزية ومسرحيات وإصدارات ومشاركات في كثير من المهرجانات، ونال بعض الجوائز من بينها جائزة ناجي النعمان الأدبية بلبنان عام2015م وجائزة تطوير المسرح بغرب أستراليا عن مسرحيته "أكفان واموات" عام 2009م وجائزة إتحاد الكتاب المسرحيين الأستراليين بغرب أستراليا للتفرغ عام 2008م.

 

آراء