من مفارقات السياسة السودانية إنتظار الخرطوم جهداً جنوبياً يطفئ ناراً في جنبات الوطن .هوحهد يأتي ردً جميل شمالي لمعروف أسدته الخرطوم للجنوب.
لامساس فيما لويندرج الجهد المتبادل في إطار حسن الجوار .لكن ليس في التاريخ مايعزز مثل هذه القرآة. النظامان في الخرطوم وجوبا يتحملان أوزار مثقلة من الإخفاق ساقت الشعب المقسوم تحت ظلالهما القاتمة إلى جحيم المعاناة الحياتية الراهنة .النظامات لا تبادلان هذه الجهود إنطلاقاً من قناعة مشتركة بمبدأ التعايش السلمي .ففي رصيدهما أرواح مزهقة ودم مراق وآبار معطلة وأجيال من النازحين .
المفارقة المضحكة – شرالبلية ما يضحك – هم أنفسهم إنفصاليو الأمس يسعون اليوم إلى تبادل رتق الفتق . ركون كل نظام إلى الآخر يكشف إدخار كل طرف عندما أدار ظهره للثاني أوراقاً للضغط وقت الحاجة .لمًا أعيت الحيلة الواهنة النظامين على تجسير هوة الشقاق الداخلي كشفا أوراقهما المدخرة على الطاولة . القيادتان في الخرطوم يتحملان المسؤولية التاريخية تجاه إنقسام الشعب والوطن .هذه الحصيلة الخرقاء لإتفاق نيفاشا ليست سوى فشلهما الزريع في إدارة المرحلة الإنتقالية .كلاهما كان فريسة عصاب إنفصالي لم يتح لهما فرصة تكريس الإتفاق أو المرحلة الإنتقالية لصالح التساكن السلمي .
آفة النظام الجنوبي استلابه شرور النظام الآحادي في الخرطوم إذ أغرق الدولة الوليدة في أتون الإستبداد والفساد .هكذا تعطلت فرص البناء ، التطور، النمو والتنمية في قيضة هيمنة أحادية ترفض الآخر .لم يكن قادة الجنوب معنيين إبان المرحلة الإنتقالية بتلمس أسباب قعود الدولة أو تآءكل شعبيتها . هم الآخرون كانوا تواقين للإستئثار بالسلطة والثروة معا. بدلاعن تفادي جعل الدولة رهينة في قبضة حزب – نظام – مستبد ذهبت الناشئة الجديدة كذلك أسيرة رجل وحيد .كتوأمها أدارت دولة الجنوب طاحونة العزل القبلي والنخبوي فسقطت الدولة الناشئة في مستنقع الدولة الفاشلة .
بعد إخفاقهما المخزي في التساكن السلمي فشل النظامان في حسن التجاور إذدخلا في حرب عبثية أجهضت فرص علاقة التكامل .ذلك خياريعوض كل الفرص المهدرة .هتابعة لإستنساخ فشل الخرطوم وجد ت المجموعة القابضة على السلطة والثروة في جوبا نفسها معزولة عن النخب ذات القدرات الفكرية .
إذاً مالذي تتوقع الخرطوم من جوبا في سياق محاولات تجاوز سياسات جبهات القتال المتحركة في جنبات الوطن ؟ ليس غير قطع خطوط الإمدادات اللوجستية الإدارة الجنوبية لا تملك إمكانات تخليق مبادرات لتجسير الهوة بين فرقاء الحركة الشعبية .رغم وجود الفرقة بين عقار والحلو إلا أن تأطير طبيعة الفرقة وتلمس جذورها مهمة فوق طاقات الإدارة الجنوبية. إعادة لحمة جناحي الحركة يطلب بالضرورة تجزير ما إذاكان ثمة خلاف فكري بين الطرفين أم هو صراع إرادات جهوي بين الجانبين أو هو نزاع بين رجلين على مركز صناعة القرار وصنبور المال.على الرغم من التركيز على عقار والحلوفي هذا الملف غير أن ياسر عرمان يبقى هو الغائب الماثل إبان المراحل المتباينة .
بما أنالإدارة الجنوبية تدرك قدراتها وتشابك ملف الخلاف داخل حركة المنطقتين فقد عمدت إلى الإستعانة بخبير شمالي بغية بلوغ تسوية تمنح جوبا فرصة رد الجميل إلى الخرطوم.ذلك الخبير المكلف هو – مبلغ علمي – هو الدكتور منصور خالد .المفكر المؤرخ السياسي على مبعدة ثلاثة شوارع من قصر الرئاسة في الخرطوم .أهي الغيرة أو الحسد الموسوم بهما ساسة ونخب الشمال من قبل منصور خالد نفسه جعلت الرجل يعالج مسألة شمالية بمبادرة جنوبية . لمنصور ما يقوله في المسألة الخلافية بين جناحي الحركة كما له ما يحمل عقار والحلو على سماعه .كما لمنصور من رصيد داخل الحركة ما يجعل الجانبين يتجاوبان مع رؤاه .لادري ما ادري ما ذا في وسع دكتور منصور القبض على جذور فكرية أوسياسية بين فرقاء جبال النوبة وجنوب كردفان .
ثم لماذا العودة إلى التجزئة ؟ أما كانت تجربة الحوار الوطني مقنعة – على الأقل لدى أهل انقاذ – من أجل تجميع ما تقى من الحركات المسلحة نقاذ – من أجل تجميع ما تبقى من الحركات المسلحة لى طاولة حوار موحدة .حتما ذلك أفضل من نصب طاولة في الدوحة وثانية في جوبا . كأنما أستمرأت الإنقاذ وضع أوراقها الداخلية في أيد أجانب لديهم شهوة الظهور على حساب الغير.بما أن هؤلاء يجدون في مثل هذه التكليفات فرصة لجذب الإعلام بعيدا عن قضاياهم الحيوية فلا بأس من زج الحوار في مراحل ممرحلة ما استطاعوا في ذلك سبيلا .
مع أن ألجندة على الطاولتين متشابهتان حد التطابق إلا ان الإنقاذ اكتسبت خبرة تذويب القضايا الأساسية في بضع أكواب يمكن للمحاورين حملة قضايا المهمشين تناولها بلذة .قضية إقتسام السطة لم تعد تذهب أبعد من بضع حقائب وزارية هي الأخرى هامشية . ما إقتسام الثروة فتحل ببيت فاخر وسارة فارهة وزوجة ولو بعد حين.
aloomar@gmail.com