مالا يريد النظام الإعتراف به هو فقدان الجماهير الصبر عليه بعد الثقة فيه لجهة ارتقاب أي تفريج للأزمات المطبقة على خناق الشعب . معاناتنا ليست ناجمة عن أزمة واحدة عابرة. الوطن ظل عرضة للتآكل ، الإضمحلال والانهيار على امتداد عقود الإنقاذ الثلاثة كأنما النظام يركض في حالة إستماتة بغية بلوغ الهاوية .
كذلك ظل خطاب النظام الساسي يتسم باللجاجة ، الخواء ، الديموغاجية الغثة والجهوية البغيضة والعنصرية المقيتة بالإضافة إلى فيض من التعالي و الشتايم على نحو يعري نفسيات تفترسها علل وأمراض ذاتية كما يفضح عقليات خربة صدئة تفتقر الحد الأدنى من الكياسة. الأحكام الجائرة الجماعية في حق الشعب لا تصدر عن رجال دولة يتمتعون بحظ من الإستقامة الأخلاقية والوطنية .ذلك خطاب يرشح عن قاموس فج أقرب إلى ردح الأزقة والأحياء النتنة فوق كونه يقفز دوما على الواقع والحقائق بل يتعمد قلبها في الإتجاه المغاير .
التظاهر العارم عبر المدن يعبر عن غليان شعبي تجاوز مرحلة السخط. في حالات الإنفجار يصبح الإنضباط التام ضربا من المستحيل ،من ثم لابد من حدوث نوبات إنفلات . ذلك يحدث حتى إبان الصوم كماأثناء أداء شعاير الحج لذلك أوصونا بالصبر فيهما .بداهة الدولة أقرب إلى الإنضباط من الشارع المائج.
المتظاهرون المتفلتون لم يستهدفوا الممتلكات العامة إلا بقدر تماهي مقارالحزب الحاكم مع مؤسسات الدولة.المؤتمر الوطني القابض على مفاصل السلطة والثروة هو الواجهة المعلنة المسؤولة عن مظاهر الخراب العام.المندسون ليس هم الخارجون للإحتجاج ضد الأزمات بل أؤلئك هم المختبئون خلف ستائر مخملية تحجبهم عن رؤية الواقع المحبط . المندسون هم الرافلون وراء تسهيلات تحول دن إنكشافهم على لهيب الحياة اليومية .المندسون هم المختبئون في أبراج عاجية لايهبطون منها إلى درك معاناة الصفوف الطوال من أجل رغيف الخبز،لترات من الوقود أو حفنة من النقود.المندسون هم المتمتعون بحصانات تعززهم ضد المساءلة وفوق القانون . المندسون هم من أعمت البيوت الفاخرة والسيارات الفارهة أبصارهم وضمائرهم عن رؤية حال الطبقات الشعبية حيث تضرب جذورهم .ذلك كان حال ستر لطبقات نعمت بيسرفي العيش، التعليم والطبابة ثم أصابها الضنك والصدأعلى أيدي أبنائها من رجال الدولة .المندسون هم من اختطفوا الدولة متنكرين في زي القوات النظامية صباح ذات صيف حالك.هم كذلك من اختطفوا المنصب العام ورأس المال العام فاختبؤوا وراء مؤسسات هجين خارج منظومة الدولة التقليدية وفرت لهم أموالا طائلة ورغدا من العيش بلا مساءلة أو مسؤولية .
أوزار هؤلاء وأؤلئك تقع عالى المندسين خلف ستار الدين إذ افسحوا الأفق أمام كل الخطائين الوالغين في الآثام المتراكمة على صدر الشعب والوطن مما أدى إلى الغليان المتسارع حاليا .خلف هذا القناع المصطنع امسى النظام عاجزا عن استكشاف أخطائه أو الإستماع إلى النصح كي يتفادى مزيدا من الإنزلاق في الدروب المسدودة المفضية إلى السخط الشعبي العارم المتفجر عبر الوطن .كم عدد المرات حيث جأرمشفقون على الشعب في وجه النظام بضرورة معالجة ترهل جهاز الدولة ؟ هيمنة الحزب المتعالي عن الإصغاء للنصح أفقد العمل السياسي جوهره في البناء الوطني .
أكثر من ذلك تعالت أصوات منادية بخفض كلفة ألأمن فذلك أجدى من الحديث الخطر عن رفع الدعم عن سلع أساسية لكن النظام المسكون بالريبة والشك لم يكن ليسمع.الآن هويدرك كما الآخرون كم هوصعب النزول من على ظهر الأسد" الأمن ".غير انه لم يدرك بعد قوة الآمان تكمن في ولاء الشعب ليس في أجهزة القمع .تلك حقيقة أثبتت جدواها السياسي منذ سقوط الشاه قبيل نهاية سبعينيات القرن الأخير .
بغض النظرعن النتائج المباشرة للغليان الشعبي عبر المدائن فان الثابت يبقى في جرأة المواطن على كسر حاجز الرهبة والخوف من هروات الأمن ،غازه ورصاصه .أبعد من ذلك كشف الغليان الشعبي ضعف المندسين خلف خوفهم من شجاعة المتظاهرين إذ يتجلى ذلك في سيل الشتائم وسياط العذاب النهمةعلى أجساد معصوبة مقيدة . التسليم جدلا بحق السلطة في ممارسة الإعتقال من منطلق إحتكار الحريات يبقى السؤال المقلق يدق بعنف في شأن ممارسات الإذلال المرتكبة عنوة في حق الإنسان شتما وضربا وتحقيرا في مواقف ليست متكافئة بين الجلاد والضحية .كيف يجتهد النظام بل يجاهد من أجل تجريد المواطن من كرامته ؟
النظام غير محق في إدعاءاته المكرورة في الإعتراف بحق المواطنين في التظاهر .هذا حق انتزعته الجماهير بأسنانها ،تضحياتها ودمائها مقابل عجز النظام على المواجهة . أمام المد الجماهري الزاحف إضطر النظام إلى التقهقر والإختباء خلف الإعتراف بنصوص قانونية لايكن لها أحتراما.ربما كان جديرا بالاحترام فيما لو اعترف ببلوغ الأزمة حدأ كارثيا يستوجب الإعتراف بالآخر وبالحوار كوة للخروج . حنى هذه الفرصة الأخيرة تم إجهاضها تحت ألإحساس الكاذب بالصلف المكابر وفي سياق الإصرار على الإنهيار أو الإنتحار