الأعداد المهولة من شهداء الشعب في انتفاضته الأخيرة، يختزلها نظام الانقاذ كعادته وعلى لسان وزير إعلامه في بضعة أشخاص، محيلاً أسباب قتلهم بسبب مشاركتهم في تخريب أدعت حكومته وأجهزة أمنه أنه رافق موجة التظاهرات والمواكب الأخيرة. ولقد أضحت محاولات نظام الانقاذ إنكار أعداد الشهداء والجرحى ديدناً يهرع إليه النظام في كل حين، كمحاولة مفضوحة منه لـ "لتصفير" عداد الشهداء والتقليل من أمر فقدانهم لحياتهم، تماماً كما حدث بالنسبة لشهداء هبة سبتمبر والضحايا الذين سقطوا في تخوم دارفور بالآلاف، ضمن تصفيره لعدادات أخرى!.
وما هو أفدح ترديد السيد محمد عثمان صالح رئيس ما يسمى بهيئة علماء السودان ودون أن يطرف له جفن بأن من سقطوا قتلى كان عددهم صغيراً، وذلك عقاباً لهم من أجهزة الأمن على التخريب الذي مارسوه، جاء ذلك في معرض رده على سؤال من مقدمة إحدى القنوات الفضائية الأجنبية، حول ما إن كان مجرد التعبير عن حرية الرأي للمتظاهرين يعرضهم للقتل بالرصاص الحي، ولم يتسن لـ " فضيلته" وهو شيخ شيوخ الاسلام – كما يدعي – ولو مجرد الترحم عليهم في أول أو آخر إفاداته، مما يشي بأن سيادته وكأنه رئيس لهيئة أركان فصيل عسكري ، وليس هيئة لعلماء السودان ومسلميهم كما يدعي!.
لقد إنقلب السحر على الساحر عندما ردد مسؤوليهم نفس الفرية المتعلقة بالتخريب الذي يلجأ إليه المتظاهرون، ففي حين لم تشهد المظاهرات التي تم تسييرها الخميس الماضي بقيادة القوى المهنية وسط الخرطوم أي تخريب ولم تسجل مضابط الشرطة أو الأجهزة العدلية الأخرى ولو حالة تدمير أو حرق واحدة، إلا أن رصاصاً حياً قد إنطلق ووجه لظهور ورؤوس المتظاهرين مما أسقط أكثر من جريح وقتيل، وسؤالنا هو طالما كنتم تدعون أن الرد بالرصاص هو على حالات التخريب والفوضي، فما الذي أدى لأطلاق أجهزة قمعكم للرصاص في مواجهة مواكب سلمية لم تحمل في أياديها سوى قبضاتها المصممة على التغيير وفي أفواهها هتافاتها المعبرة عن هدفها الأسمى المتمثل في رحيل الانقاذ بكل عدته؟!.
وما هو جدير بالدهشة والعجب معاً هو تصريح مسؤولي حزب المؤتمر الوطني ودعوتهم للقوى السياسية الأخرى وللشعب السوداني بضرورة تعزيز ثقافة التسامح والسلام!، وهي دعوة غريبة وعجيبة ومستفزة في آن ،، غريبة وعجيبة أن الجماهير وضمن هتافاتها ظلت وما تزال تهتف بـ "سلمية" مواكبها ضد " الحرامية" وبهتافها العزيز عليها "حرية سلام وعدالة " بينما نظام حزب المؤتمر الوطني ظل يسحق أرواح الناس منذ أن سيطرت جحافله على السلطة بالبلاد، سواء في أقبية بيوت الأشباح أو شوارع البلاد بالرصاص الحي،، إذن دعوته لتعزيز ثقافة التسامح والسلام، غريبة وعجيبة ومستفزة في كونها تشبه مقولة السيد المسيح، حيث ترغب عن حق في أن يدير الطرف الآخر خده الأيسر لها بعد أن انهت صفعها له على خده الأيمن ،، تسحق المواطنين العزل بالرصاص على الشوارع وتنادي الناس بتعزيز ثقافة التسامح والسلام ،، إن لله في خلقه شؤون!.
ــــــــــ
نشرت بصحيفة الميدان
hassanelgizuli@yahoo.com