حِينما صوَّب (رجُل الكواليس) سِهامِه التي طاشَت!

 


 

فتحي الضو
13 January, 2019

 

 

تُعتبر الشخصية السيكوباتية Psychopathic في نظر علماء النفس، من أعقد أنماط الشُخوص التي حصروها خُلاصةً في دراستهم سلوك النفس البشرية. وطبقاً لتفسيراتهم نجد أن السيكوباتيين يُحِبُون السلطة حُباً جماً، لأنهم يرون أنفسهم فوق القوانين، بل يتعمدون تجاوزها دون الشعور بالذنب أو مواجهة أي مشاكل نفسية جراء انتهاكاتهم تلك. وهم أنانيون يتصرفون وفقًا لنزواتهم المنبعثة من حالاتهم المزاجية. يفعلون ما يروق لهم في أي وقت يشاؤون، لاعتقادهم أنهم أذكى مما هم عليه في الواقع، أو أن لديهم قوة أكبر من التي يملكونها فعلياً. كما يظنون أنهم موهوبون بصفات مميزة أكثر عن الآخرين. ولأن الشخصيات السيكوباتية بشكل عام ليس لديها أي نوع من التوجهات الأخلاقية، لذا فهم يفعلون أي شيء يرون أنه مفيد لتقدمهم، دون اهتمام بالأذى الذي قد يقع على الآخرين. كما نجد أن الاستجابة العاطفية للسيكوباتيين سطحية في العادة.. لا يتأثرون بشكل طبيعي بأحداث جسام كالموت أو غيره من تراجيديات الحياة، التي تسبب أذىً عميق في نفوس البشر. لهذا فهم يتصرفون بطيش واستعلاء وتكبُر وتطاول على الآخرين، ولا يحسون بأي نوع من الندم أو تأنيب الضمير، لكنهم يستطيعون تظاهر الشعور بالذنب، إذا كان بغرض خداع شخص لكي لا يغضب. على الرغم من أنهم لا يتقبلون النُصح أو الإرشاد أو التوعية أو التوجيه أو الاتعاظ، ولا يستفيدون من التجارب المُحيطة، ويلتفون حول خطاياهم مثل الأفاعي، ويتلاعبون بالناس كما الحواة بهدف تجنب العواقب الوخيمة... ويُعد كل هذا غيض من فيض، وعند النفسانيين المزيد للراغبين!


(2)
سألت مُحدِّثي وهو موسُوعي المعارف، ذرِب اللسان، ذو حنكة سياسية صهرتها السنين وعجمتها المواقف، وقلت له: هل تعتقد أن ما ذهبت إليه في صفات الشخصية السيكوباتية تنطبق على (رجل الكواليس) أي علي عثمان محمد طه؟ سألت وأنا أعلم أن الرجل يعلم بعض صفات المذكور، بالقدر الذي يجعله موضوعياً دون تطفيف. كان ذلك بعد اللقاء الذي أجرته قناة (سودانية 24) يوم الثلاثاء الماضي مع المذكور، والذي أسقط فيه قِناعاً أثار دهشة البعض حتى من مشايعيه، علماً بأن الذين خبروا طرائقه يعلمون عنه ما هو أنكى وأمر. فقال مُحدَّثي: بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي معك في التوصيف، دعني أقول لك ما أعرفه عنه، ولك ما تشاء بعدئذٍ في أن تضعه حيثما شئت. أولاً اتفق معك في أنه يحب الكواليس، بل يُدمن مؤامراتها، ويجد فيها متعة لا يضاهيها شيء. ولكن عندما يحتدم الصراع يحلو له أن ينزوي جانباً ويدَّعي الذُّل والمسكنة. وهو باطش إن نازعه أحد في السلطان، إذ يمكنه أن يضم غريمه بحميمة إلى صدره، بينما يغرس خِنجراً مسموماً في ظهره. يحب الصمت والغموض معاً، لاعتقاده أن الأول يفضي إلى الثاني. كثير الإذعان للوسواس، ولهذا فهو يرتاب من أقرب الناس إليه، ولا يبوح بمكنون صدره إلا على انفراد. يميل للتشاؤم كذريعة ينفذ بها إلى طموحاته. يمكن أن يصرع غريمه وهو يرتدي قفازاً حريرياً، ولا تحرك الدماء في نفسه شيئاً ولو جرت مدراراً. طموحه ليس له حدود، ويعتقد في قرارة نفسه أنه يمكن أن يخرج من غرفة مغلقة دون مفتاح. يعلم أن أكبر خطاياه فصل الجنوب ولكنه لا يأبه لذلك!


(3)
قلت لمُحدِّثي: إذاً فقد وضعته حيث فعلت أنا، ولعلك أكدت ما ذهبت إليه في صفات الشخصية السيكوباتية. بل أعتقد أن ما ذكرته من صفات يمكن أن يضاف لما عددته في أوصاف الشخصية السيكوباتية، ولربما مثَّل ما ذكرت فتحاً للنفسانيين لمعرفة المزيد. بيد أنني كنت أكثر توقاً لمعرفة رأي محدثي فيما ذكره على عثمان عن كتائب الظل التي في الخفاء، ونعيد كلامه لضرورات التوثيق بالنص (الآن هذا النظام تحميه كتائب ومجموعات هي على استعداد للتضحية، ليس فقط هي تقف وراء مؤسسات الدولة نعم، التي هي مطلوب منها أن تقوم بدورها في الحياة المدنية العادية في تسيير دولاب الحياة، ولكن هناك كتائب ظل كاملة يعرفونها. وأحسن نقول ليهم هي موجودة، تدافع عن هذا النظام إذا ما احتاج الأمر لتسيير دولاب العمل، تدافع عن هذا النظام إذا ما احتاج الأمر إلى أن تقوم بمهام العمل المدني، تدافع عن هذا النظام حتى إن اقتضى الأمر التضحية بالروح) قال محدثي: كون أن للنظام مليشيات ليس في ذلك سر، فهو يقوم باستعراضها من حين لآخر دون أن يخشى لومة لائم. الجديد في الأمر أن بعض أفراد النظام تقوم على حراستهم مليشيا خاصة، منهم على عثمان نفسه، الذي يحرس نفسه بواحدة يقف على رأسها اللواء أمن إبراهيم الخواض، تحت غطاء مُسمى مدير مكتبه. وأضاف: لكنهم يعلمون صعوبة استخدام هذه أو تلك على النمط الليبي أو السوري في بلد كالسودان، فهو مكلف لهم قبل الآخرين!


(4)
بيد أنه ثمة سؤال ثانٍ أرق مضجعي فيما يجري خلف الكواليس، وهو إلى ماذا كان يهدف علي عثمان بحديثه ذاك والذي جاء سافراً للمرة الأولى، وأسقط فيه قناعاً طالما تخفَّى من ورائه سنين عددا. قال مُحدِّثي: في الواقع ليست هذه المرة الأولى طيلة الثلاثة عقود زمنية كما ذكرت. فهذه تعد الثانية لأن الأولى، كانت عندما تحدث من على منصة المجلس الوطني (البرلمان) وقال قولاً صريحاً حفظته الأضابير بالصوت والصورة. وفيه أعطى أوامر صريحة باللغة الإنجليزية لقوات الأمن والقوات النظامية، بضرورة قتل كل من تسوِّل له نفسه عبور الحدود بعد انفصال الجنوب Shoot to kill أي إطلاق الرصاص بهدف القتل. استطرد مُحدِّثي وقال: لعلمك أن اللقاء الذي تتحدث عنه بين طه والطاهر التوم، سبقته حلقه بثها الأخير، وانتقد فيها إثنين من السياسيين (ياسر عرمان والحاج وراق) بغضبة مُضرية مفتعلة وفي غير معترك. كانت تلك الحلقة من بنات أفكار على عثمان نفسه، بغية التمهيد للقاء الذي تمِّ معه وبُث بعد تلك الحلقة. وبمثلما سقط قناع علي عثمان، سقط قناع آخر عن الطاهر التوم وكشف بسفور أيضاً عن ارتباطاته الباطنية بالنظام وأجهزته!


(5)
واصل مُحدِّثي وقال: تفسيري للقاء نفسه لا يخرج من احتمالين، بحسب ما أعرفه عن طرائق على عثمان طه في التعاطي السياسي. فهو قد شاء توجيه رسالتين لا ثالث لهما:
الأولى: خصَّ بها مباشرة المشير عمر البشير، والذين يشايعونه من أقطاب السُلطة، سواء كانوا من الإسلاميين أو الآخرين الذين يشاركونهم الحكم. وفحواها إنه الوحيد القادر على إخراجهم من تلك المحنة قبل أن تطبق على خناقهم. ورسالته تلك تستبطن كذلك ما سبق وذكرته أنت عن صفات الشخصية السيكوباتية، فهو يرضي غروره أولاً، أي كأنه يقول لنفسه إنه صاحب القدرات التي بفضلها تطاولت سنوات حكمهم لثلاثة عقود زمنية!
الثانية: أن على عثمان طه أدرك إن عرش السلطة بدأ يتهاوى تحت أقدام الحركة الإسلامية، وأنه يعلم أن ذهاب ريحها يعني انكشاف ظهره شخصياً، باعتباره أكثر الوالغين في الدماء التي جرت أنهاراً في خلال الثلاثين عاماً الماضية. ليس وحده وإنما الرسالة موجه للآخرين الذين شاركوه تلك الجرائم النكراء أيضاً، ولهذا كان من الطبيعي أن يكون أكثر الناس قلقاً من تصاعد المظاهرات وتمددها، بما يعني له زوال عرش الحركة الإسلامية. أي بمعني أن تحركه مقصود به مصلحته الشخصية، ولربما الآخرين وخصوصاً الذين شاركوه الجرائم. وتبعاً لكل هذا فمن المؤكد أن طه ورهطه يعيشون (فوبيا) حبل المشنقة الذي يتدلى في الفراغ. وسيفعلون ما يظنون أنه يمكن أن ينجيهم من عذاب واقع، حتى لو بدأ ما سيفعلونه كفرفرة مذبوح!


(6)
إنني على يقين بأنه لو قدر للضحايا الذين قتلهم النظام على مدى سنوات حكمه أن ينطقوا، لأقروا بما لا يدع مجالاً للشك أن علي عثمان طه هو القاسم المشترك بينهم. فلنتأمل هذه الوقائع التي تكشف عن طبيعة شخصيته المحبة لإزهاق الأرواح وإسالة الدماء، وهي الرواية التي وثقنا لها في كتابنا الموسوم (الخندق/ أسرار دولة الفساد والاستبداد في السودان ص 106) والتي حدثت بعد فشل محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا العام 1995 والتي كان عرابها علي عثمان طه نفسه. إذ دعا الآتي أسمائهم لاجتماع يبحث الخروج من تلك الورطة، وهم: حسن عبد الله الترابي (الذي لم يكن يعلم عنها شيئاً) عمر البشير، الزبير محمد صالح، بكري حسن صالح، عبد الرحيم محمد حسين، علي الحاج، غازي صلاح الدين، إبراهيم السنوسي، إبراهيم شمس الدين، عوض الجاز، الطيب إبراهيم (سيخة). وابتدر الحديث شارحاً الغرض من الدعوة فقال: (نحن اشتركنا مع مجموعة الجهاد المصرية في محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس المصري، وقدمنا لهم كل الدعم الذي طلبوه للقيام بهذا العمل، والذي حدث بعد ذلك أن ثلاثة قتلوا في مسرح الحدث، وثلاثة ألقى الأمن الأثيوبي القبض عليهم، وثلاثة هربَّناهم ووصلوا الخرطوم، وقد جمعتكم لأقول لكم إننا سنصفِّي هؤلاء الثلاثة، وأنا أملك كل المبررات الشرعية والسياسية لذلك( ران صمت قصير، كان المتحدث قد جال خلاله ببصره على الحاضرين، ربما ليرى وقع حديثه عليهم. وعلى الفور أخذ الرئيس الفرصة وقال اختصاراً: (نعم نُصفِّيهم)!


(7)
إن الخطايا والجرائم التي ارتكبها علي عثمان محمد طه في حق الوطن ومواطنيه طيلة سنوات القحط والجفاف، لا تحصى ولا تعد. ليس القتل وحده، وإنما علاوة على ذلك إهدار المال العام فيما لا طائل يجنى من ورائه، وبخاصة تكاثر الأجهزة الأمنية والصرف البذخي عليها والعبث بثروات البلاد، متمثلاً في عبور القناطير المقنطرة من الذهب والأموال إلى خارج الحدود. بعضها لشراء الذمم وأخرى يتلقفها شذاذ الآفاق من الحركات الإسلامية التي تشاطرهم التكسب بالعقيدة واستدرار العاطفة الدينية. لهذا لم يكن غريباً أن يسقط القناع عن المذكور، ويظهر كشخص منفعل ومضطرب ومشتت الذهن، شاحب الوجه وباهت العينين، تلاشت عنه حتى تلك الابتسامة الصفراء الزائفة والمصطنعة. ورأي الناس الوجه الحقيقي لشخصية سيكوباتية، كل حرف ذكرناه في صفاتها ينطبق عليه حذوك الكتف بالكتف. ولكنه ليس وحده فثمة آخرون يشاركونه الخطيئة واغترفوا آثامها، يتربصون ببعضهم البعض وعيونهم شاخصة نحو المجهول تنظر ليوم تزوغ فيه الأبصار!
تلك ليلة السكاكين الطويلة التي طالما تحدثنا عنها، وقد باتت أقرب إليهم من حبل الوريد!!
آخر الكلام: لابد من المحاسبة والديمقراطية وإن طال السفر!

faldaw@hotmail.com

 

آراء