* بمجرد السقوط المدوي لدولة السفاح نميري ونظام مايو الديكتاتوري العسكري في صبيحة السادس من أبريل 1985، ظلت حناجر الجماهير وهتافاتها الداوية في كل محفل ومناسبة تنادي وتطالب بعلو الصوت بحل جهاز أمن الدولة وضرورة نشر كشوفات كل أسماء عناصر ذاك الجهاز القمعي الذي أذاق الجماهير مر العذاب ونكل بالمناضلين في أقبية أجهزته قبل أن يودعهم المعتقلات والسجون طويلة الأمد.
* ولقد ظل المجاس العسكري الانتقالي برئاسة المشير الراحل عبد الرحمن سوار الدهب - وبعد أن أُجبر على إعلان حله للجهاز - يناور ويحاور ويداور حول نشره لكشوفات عملاء الجهاز والمتعاونين معه، من أولئك الذين راحت مجالس المدن تتناول بشأنهم بعض الشخصيات الشهيرة من مطربين وكتاباً ورجال مجتمع مرموقين بأنهم من ضمن أفراد الجهاز والمتعاونين معه!. * وهكذا ظل أمر المطالبة بنشر تلك الكشوفات يراوح مكانه إلى أن إنقضت فترة السنة الانتقالية وأحيل أمر الدولة السودانية بغضها وغضيضها لحكومة منتخبة، ليفاجئ نائبها العام الجماهير بأنه لا كشوفات ولا يحزنون!، حيث وفي ظل تلك المماطلة من المجلس العسكري السابق وتلكؤه في نشر أسماء عناصر جهاز أمن الدولة البغيض، راحت الكشوفات "شمار في مرقة" وقال سوار الدهب للمطالبين "بباح" ،، فأسقط في أيدي المنتفضين!. * والآن ها هو المجلس العسكري الجديد بقيادة برهان نراه وكأنه يحث الخطى على منوال سابقه فيما يتعلق باعتقال الطاغية البشير وأعوانه من وزراء ومسؤولي الانقاذ وحزب المؤتمر الديكتاتوري وحاشيته من أشقاء وأهل ومقربين!. * فقد ظل صامتاً حيال هذه الاعتقالات بينما هو يتابع الاشاعات التي راحت تنطلق بهذا الشأن في كل اتجاه، ومكث ما تبقى من إعلام الانقاذ المخادع يبث سموم التكهنات قصداً حول أماكن إحتجاز البشير وبطانته، فمنهم من يقول أنهم بسجن كوبر ومنهم من يشير لبيت الضيافة الملحق بالقصر الجمهوري ومنهم من يظن أنهم بقاعدة عسكرية روسية بالبحر الأحمر، وهكذا، بينما رقاب الثوار المحتشدين بساحة الاعتصام وملايين الثوار في كل مدن البلاد تتلفت "كمروحة التربيزة" تارة نحو اليمين وأخرى نحو الشمال بينما أعناقهم تشرئب بحثاً عن حقيقة ما إن تمت تلك الاعتقالات بالفعل أم أن الأمر لا يعدو وأن يكون ضمن خدع " التلاعب بالزمن وإهداره"!. * ورغم التأكيد تارة والنفي أخرى والبلبلة الحادثة حول هذا الأمر، فلم يفتح الله على المجلس العسكري ولو بكلمة تخفف من وطأة البلبال والمحنة التي تلف وضع الناس بشأن هذه الاعتقالات!. * إن هذا الأمر ليس - كما يتصور المجلس العسكري – بأنه يمكن أن يمر مرور الكرام!، حيث أنه يشكل أحد المطالب الأساسية التي من أجلها خرجت الجماهير للشوارع وانتفضت، وعليه أن يعلم بأن مصداقيته ستكون في المحك مستقبلاً، حيث ستقيس الجماهير أي فعل له بمقدار صراحته معها بخصوص الاعتقالات!. * على المجلس العسكري أن يبين أين الحقيقة بشأن إعتقال البشير وبطانته، من تم اعتقاله ومن لم يعتقل بعد ولماذا وأين يتواجد الذين تم اعتقالهم!. * وقبل مبارحتنا هذه النقطة للأخيرة نسأل المجلس العسكري ،، من فوضكم في الأساس لتقرروا بشأن رفضكم أو قبولكم إرسال المجرم البشير لمحكمة الجنايات الدولية؟!. * وعليهم في المجلس العسكري أن يعلموا بأن الشعب السوداني يستند في تعامله معهم على خبرات وتجارب يجعله مفتح الأعين، وقد اكتوى ما فيه الكفاية من تجربة سوار الدهب ومجلسه في انتفاضته السابقة، وأخوف ما يخشاه هو أن يفاجأ بأن البشير وبطانته ليسوا متواجدين في الأساس بالسودان ،، فشنو؟! ،، بطلوا "حركات"!.