تلكؤ الجنرالات وتباطؤ قادة الحراك

 


 

عمر العمر
28 April, 2019

 

 

إذا رجمنا المجلس العسكري بالتلكؤ فيجب عدم تبرئة قادة اعلان الحرية والتغيير من التباطؤ. نحن نعبر مرحلة فارقة تتسم بالهشاشة. تلكؤ العسكر يتوافق مع الفهم العميق لبروز المجلس وتداعيات تكوينه بالإضافة إلى استيعاب الظرف السياسي المحيط به وبنا. لكنما الفهم نفسه لأهمية عبور اللحظة التاريخية من منطلق كونه واجب الحراك المقدس يسم إيقاع القيادة بالبطء لا نقول العجز عن استيعاب كل الظروف السياسيلوجية المحيطة بنا وبالمجلس العسكري.

هشاشة اللحظة تتطلب سرعة في الأداء بغية إختزال زمن العبور. في مقالتي الأخيرة وصفتها بوادي الجمر إذ هي لحظة ملتهبة حارقة حد الإشتعال ينذر بحريق لايبقي ولا يذر. عبور الجمر يستلزم سرعة في الخطو بغية تخفيف الوطء أولاً ثم تأمين العبور العجول. ذلك أمر يصبح واجباً أكثر إلحاحاً كلما زاد حجم الحمولة على الكاهل. عبء قادة الحراك عند المنعرج الراهن أشدَ وطءاً من أي وقت مضى.

في المقالة السابقة شددت على أن المعضلة لا تكمن في وجوه بعينها داخل اللجنة السياسية الفرعية للمجلس العسكري بل في اللجنة ذاتها آلية للتشاور بين الجانبين. كما ناديت بازاحة اللجنة برمتها من على طاولة العمل المشترك بين الحراك والعسكر. قناعتي لا تزال ترى في اللجنة المشتركة أداة تتيح التلكؤ أمام المجلس أكثر مما تحرضه على التقدم. كما أنها تعرقل إيقاع قوى الحرية والتغيير أكثر مما تعينه على الإنطلاق.

مما يسم أداء قادة الحراك بالتباطؤ إنغلاقهم داخل الذهنية السياسية العتيقة. المشهد الماثل لا يتطلب فقط العض على المبادرة بأسنان القيادة دون الإرتهان لحركة الجنرالات كما يحدث حالياً. على نقيض ذلك يملك القادة ما يعينهم على دفع العسكر على درب الثورة بخطوات أسرع بغية عبور اللحظة التاريخية على عجل وفي أمان.

الإيقاع المهول المزدوج من جانب الطرفين، عمداً أو إضطراراً، يفسح أمام قوى الثورة المضادة هامشاً مريحاً للتخطيط والتجميع من أجل محاولة الإنقضاض على الثورة أو على الأقل عرقلة قطارها أو إرباك قادتها. هذا جانب حي من توصيف الجنرالات بالتلكؤ. بغض النظر عن الإيمان المطلق في قدرة جماهير الثورة العريضة على التصدي لكل مغامرة تستهدف إجهاض الثورة المجيدة فليس في مصلحة الشعب والوطن الإنزلاق لجهة ولوج معارك جانبية من شأنها استنزاف طاقاتنا المتفجرة أو تبديد وقتها.

مما يدمغ قادة الحرية والثورة بالإنغلاق داخل الذهنية العتيقة هيكلة لجنة التفاوض وآلية عملها. أولاً إستغرق بناء اللجنة أكثر مما ينبغي. الحرص على تمثيل جميع فصائل قوى إعلان الحرية والتغيير على نحو يجعل قوامها يبلغ إثني عشرة عضواً أو يزيد يفضح ألإنغلاق سافراً. هذه اللجنة بكل تضخمها لا تملك تفويضاً بالحسم على الطاولة المشتركة بل على النقيض لابد للمثلين من العودة إلى ما خلف الكواليس حيث مرجعياتهم ثم الإلتام بغية بلورة موقف مشترك يتم طرحه في اللجنة المشتركة. بالطبع هذه الدورة تأخذ منحناها على الضفة الأخرى داخل القيادة العسكرية. ربما تتباين الرؤى مجدداً أو حتى في حالة التوافق يلجأ كل فريق إلى مكونه إياباً. كم من الجهد والوقت تؤرجحنا هذه العقلية العتيقة في مكاننا.

من الممكن بل الأفضل إختزال تشكيل اللجنة المفاوضة بحيث لا يتجاوز قوامها نصف مكونها الحالي. بما أن محاور الخلاف باتت محددة كما تؤكد القيادة والموقف التفاوضي جلي مبلور فلا ضرورة يستدعي تضمين اللجنة كل فصائل إعلان الحرية. إلحاح الجميع على الحضور يجسد روح عقلية ينبغي صهرها حد التلاشي في وهج ساحات الإعتصام الجماهيري الثورية.
أخذ المبادرة بأسنان القيادة يتطلب إبلاغ الجنرالات بالحضور إلى قاعة اتفاوض ليس إيفاد ممثلين عنهم. لا بند سوداني يعلو حالياً على بناء هياكل المرحلة الإنتقالية. حتى في حالة انشغال القادة العسكريين في مهام مغايرة فإن طبيعة المرحلة كما طابع عملهم تفرضان عليهم حالة إستنفار قصوى "ستاند باي". فعند إرسال موفدين عسكريين ينبغي منحهم تفويضاً باتخاذ قرارات. في المقابل يمكن تشكيل مرجعية مختلطة من العناصر مكونة قوى إعلان الحرية تكون بمثابة مرجعية نهائية للجنة المفاوضة تكون هي الأخرى في حالة إنعقاد مستمر. على هذا المنوال يستطيع كل فريق داخل قاعة التفاوض التواصل مع مرجعيته هاتفياً بغية تجاوز العقبات والبنود. هكذا يمكن إختزال الوقت من أجل عبور وادي الجمر.

لا ينتقص من قيادات قوى التغيير الإستعانة بشخصيات موقرة مشهوداً لها بالإستقامة الوطنية والبراعة في إدارة الحوار والتفاوض يفرض حضورها قدراً من الإحترام ورؤاها كثيراً من التقدير. لنا من هذا الطراز قامات في حقول الدبلوماسية والإعلام. لا أتحرج البتة في الإيماء إلى الأستاذ محجوب محمد صالح.

من شأن مثل هذا الدأب إرباك عناصر الثورة المضادة أو ربما شل حركتها. لن يبقى فعل الحراك الثوري صدى لما يصدرعن القيادة العسكرية أو فلول النظام البائد. الأفضل في ذلك تعزيز الثقة بين مكونات إعلان الحرية والتغيير، فتح قنوات العمل المشترك بين الحراك والعسكر. ثمة إجراءات يمكن إتخاذها على طاولة التفاوض في ظل الأجواء الإيجابية السائدة من خارج أجندة الحوار تمليها تطورات فجائية. مثل هذا المناخ لا يفسح أرضاً لإنبات الشائعات السامة المتسلقة جدار الإعتصام بين فينة وأخرى.


aloomar@gmail.com

 

آراء