السودان بين الأزمة السياسية وأزمة الوطنية
في مقالي السابق "نداء للكيزان للمساهمة في تعافي الوطن" أظهرت حسن النية التي يتمتع بها أغلب الشعب السوداني عامة، وكيف أنه ضد كل أنواع الإقصاء من الحياة السياسية لاي مواطن او فصيل او حزب سوداني!!! وعللت ذلك لإيمان الشعب السوداني بأن أي مجموعة سودانية لها الحق في المشاركة في الحياة السياسية في الفترة القادمة، وأنه هو أي الشعب من سيختار ما يراه مناسباً من برنامج سياسي ومن يراه مناسباً لتولي مسؤولية الحكم.
وكذلك فصلت في مقالي الاخر "لحاق تجمع المهنيين بالثورة" كيف أن المقاومة والنضال والتضحيات التي قدمها الشعب السوداني تستحق التقدير والاجلال من كل من يريد ان ينضم اليها بل يريد ان يشارك في نجاح ثورتها.
كنت قد استبشرت في البدء خيرا بانحياز المجلس العسكري الى جانب الشعب وتذكرت وقفة المجلس العسكري في العام 1985م بقيادة المرحوم سوار الذهب ورفقاؤه الذين قاموا بالواجب الوطني حينها. وتمنيت أن يسير المجلس على خطى أسلافه فيعلن بصدق عن عدم رغبته في التمسك بالسلطة وعن عزمه لتسليمها لحكومة كفاءات وطنية في غضون شهر تقديراً مع التوصية لان تقتصر فترة الحكومة المدنية على سنتين فقط ثم تجري الانتخابات.
استبشرت أيضا بوجود تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير وتمنيت ان يجتمعوا في اجتماعات مغلقة مستمرة لمدة أسبوع يتفقون فيها على مجلس سيادي مكون من شخصيات وطنية تمثل الأقاليم الأربعة بالإضافة للعاصمة وعلى ترشيح أسماء لحكومة الكفاءات المدنية التي ستستلم السلطة من المجلس العسكري في نهاية الشهر الذي حدده المجلس العسكري.
نعم ظننت خيرا وتمنيت لو ان النضج السياسي وصل لكل السودانيين واولهم الفئة التي تسلطت وحكمت خلال هذه ال 30 سنة الماضية ولكم تمنيت ان يعترف نظام الإنقاذ بان الشعب قد قال كلمته وثار عليهم ورفضهم وانه بات يتوجب عليهم القيام بالمراجعات الفكرية والسياسية اللازمة واجراء تصحيح داخلي وتنظيمي وطرح برامج جديدة في الانتخابات القادمة، وكنت اظن ان العقلاء منهم سيكفون أيدي وألسنة الجهلاء منهم عن محاولة اجهاض ثورة الشعب ناهيك عن القيام بثورة مضادة!!!وأنّ الأكثر حنكة سياسية منهم سيقومون بتقديم اعتذار للشعب السوداني عن أي اخفاق منهم مثل القتل والتعذيب الوحشي الذي تم في بيوت الأشباح رغم تبرير د.نافع علي نافع الذي أدلى به في لقاء تلفزيوني مع ابتسامه سخرية، والذي لربما كان وقعه على النفوس أشد أيلاما من التعذيب الجسدي الذي اوقعه الكيزان بهم.
ولكن وكما قال الأستاذ محمود محمد طه "كلما أسأت الظن بالأخوان تكتشف أنك كنت تحسن الظن بهم" ومن ذلك قول البشير في فترة المظاهرات في عطبرة "اقسم بالله العظيم لو دقت المزيكا كلو فار يدخل جحرو" اوما أشار اليه الصحفي عثمان واكده حميدتي بان البشير كان ينوي قتل ثلث الشعب كما افتى له بعض علماء الكيزان؟؟؟
الان وبعد مضي شهر كاملاً على الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة تجدني أعود لقناعاتي الحقيقية بأنه يجب استمرار النضال ضد حكومة الظل الكيزانية التي ما زالت تمسك بزمام الأمور مختبئة خلف المجلس العسكري ومتقوية بزعامات الاحزاب التقليدية والأحزاب الكرتونيةومغدقة المال على الباحثين عنه عبر السلطة.
هذه المنظومة الكيزانية الفاسدة المستبدة التي قتلت العباد وخربت البلاد والتي تأمرت على الشعب السوداني وقوضت الدستور عبر انقلابها المشؤوم في 1989. هي منظومة مبنية على التأمر!!!
فلقد تأمرت على شيخها وأودعته السجن، ثم اصبح التأمر داخلي بين مجموعة علي عثمان و مجموعة نافع بصورة سرسة ثم علنية او بواسطة الوكلاء عنهم وخاصة عبر السيطرة على جهاز الامن والمخابرات!!! مما أظهر الصراع بين نافع وقوش الذي أذله عبدالغفار الشريف فهاجر قوش الى الامارات ثم رجع ليسترجع منصبه ويواصل التأمر.
وعندها فهم البشير ضرورة شغلهم ببعضهم حتى لا يتأمروا عليه!!! ولكن وصل التأمر الى محاولة السيطرة على قرار البشير عبر الصراع حول من يدير مكتب او مكاتب البشير وهنا دخل طه عثمان في حلبة التأمر "بالطول والعرض" وباع أسرار الدولة للمملكة السعودية ونال الجنسية السعودية.
عندما تشابكت مصالح المتأمرين مع مصالح المحاور الاقليمية، مما دفع بالمملكة السعودية والامارات لإجبار قوش وطه عثمان للتأمر ضد البشير لإخماد روح المقاومة السودانية ضد نظام الكيزان و التي بدأت تجد تأييد كبير والتفاف حولها من الشعب وتتشكل في ثورة كبرى قد تقضي على كل المنظومة الكيزانية وتعطل مصالح واطماع المحاور الاقليمية في السودان وشعبه.
يلاحظ ان البشير كان قد علل الخراب بأنه بسبب المدنيين ويقصد الكيزان المدنيين شركاؤه في السلطة. وكان قد رمى اخر "كرت" له بحل الحكومتين المدنيتين الاخيرتين وعين ولاة عسكريين!!! ولكنه نسى ان الكيزان المدنيين كانوا قد تأمروا عليه و دفعوا بأنصارهم العسكريين نحو الصفوف الاولى في الجهاز العسكري.
وهاهو التأمر يستمر من قبل المجلس العسكري فهو سيضحي ظاهريا ببعض العساكر وبعض المدنيين وخاصة "الصقور" الذين لم تعد هناك حاجة أليهم توددا للجماهير الثائرة.
الذي يهمني قوله في هذا المقال أن المتآمرين الكيزان يعرفون ان نجاح الثورة يعني افشال الهيمنة الخارجية وإفشال مخططات دول المحاور مما يعني اسقاط مصالحهم المالية أي "قفل البلف" ومحاكمتهم.
كذلك نجد ان هناك أحزاب و جماعات وأفراد انتهازيين يجمعهم الوصف انهم قد تخصصوا في سرقة الثورة السودانية كلما قامت وقد اتفقوا الان على بقاء البرهان اواي فرد من المجلس العسكري على الطريقة المصرية وقيام حكومة مدنية ضعيفة تميل الى المصالحة والهبوط الناعم والإبقاء على كيزان الصف الثاني المدنيين ثم تجهيزهم للانتخابات القادمة في حالة حدوث رفض شعبي لوجود "سيسى" سوداني؟؟؟ وهكذا يتم إرضاء الجميع بما فيهم دول المحاور لان الاتفاقيات التي عقدوها مع نظام البشير لن تلغى.
يبقى ان الحل في أيدي الشباب وذلك بالإعلان الفوري عن فترة انتقالية لمدة 3 سنوات تتكون من مجلس سيادي مدني من 7 شخصيات وطنية قومية وإعلان حكومة تكنوقراط من 10 مهنيين متخصصين وعدد 2 عسكريين للدفاع والداخلية وتشكيل مجلس شيوخ وليس مجلس تشريعي يمثل فيه كل حزب بثلاث افراد فقط.
أخير أتمنى ان ما تبقى من الرجولة والنخوة السودانية لدى أفراد حكومة الظل التي تختبئ خلف المجلس العسكري سيدفعهم للاستقالة الفورية حتى لا تحدث الصوملة بسبب إصرارهم على الحكم غصباً عن الشعب السوداني كافة.
انشد الشاعر د.معز بخيت
"باسم الله يا كيزان
باسم الشعب نتحدّى
وانتو ربيبكم الشيطان
قلوب مسمومة مرتدة
لهيب الثورة والعصيان
ساكن فينا من مدة
طلعنا الليلة متحدين
ومتكاتفين عشان نبدا
نزيل طغيانكم الظالم
ونعلن ثورة ممتدة
لآخر الكون ح نمشيها
جميع اطيافنا نلغيها
ونتجمع على الوحدة
عشان نبني الوطن جنة"
wadrawda@hotmail.fr