السودان بين الأزمة السياسية وأزمة الوطنية (2)

 


 

 

 

 

أسال الله في هذه الايام المباركة ان يسخر للسودان رجال يمتازون بالوطنية والرشد وأصحاب وجعة.

صبر الشعب السوداني خلال هذه الثلاثين سنة الأخيرة على القتل والتعذيب والاستبداد والفساد الذي مارسه نظام الانقاذ والحركة الاسلامية. وكانت النتيجة أن قدم الشعب الالاف الالاف من الشهداء ومن الضحايا وسالت دماء عزيزة سقت الارض حتى ارتوت وجدبت فما عادت تنبت قمحا ولا قطنا ولا فاكهة.
لقد عمل نظام الانقاذ والحركة الاسلامية لإطالة فترتهم الزمانية وخلودها أبديا كما قال د. نافع علي نافع "لن نسلمها الا للمسيح"!!! نعم عمل نظام الانقاذ والحركة الاسلامية على تقريب كل محبي المصالح الفردية وبائعي الذمم مما أدى لنشر الفساد والمحسوبية بين قطاعات كبيرة بين الشعب إبتدأ من لجان المحليات في الأحياء السكنية وتدرجا في كل الاتحادات والنقابات ومستويات الحكم الاقليمي والاتحادي.
كما قام نظام الانقاذ والحركة الاسلامية بممارسة القمع والاستبداد ضد كل الصادقين و الرافضين للفساد!!!
أشرت في عدة مقالات الى أن مصيبة السودان هي في أبنائه المسؤولين. فما ان يتسنم احدهم مسؤولية او سلطة ألا ويظن انه أؤتيها عن علم عنده وأنه صاحب حق فيها وانه سيخلد فيها. فينسى ويتناسى عظم المسؤولية وثقل الأمانة ولايهمه أؤلئك الالاف من الشهداء والضحايا الذين بذلوا ارواحهم ودماؤهم فداء للوطن.
أشار البعض بأن مشكلة السودان في النخب ولكن أثبتت تلك النخب بأنها بمجرد وجودها خارج السودان تعمل بإخلاص وتفاني وخبرة وتنشر الخير حولها.
إذن المشكلة ليست في النخب او في المسؤولين السودانيين ولكن في عدم صدق إنتمائهم لارض السودلن الطاهرة وعدم وفاؤهم للشعب. بل تعاليهم على الشعب بأنه لا يستحق منهم أن يخدموه و اعتقادهم بانه يجب على الشعب أن يخدمهم!!!
نعم انها مشكلة في الوطنية وحب الوطن. وهي مشكلة لها جزورها منذ عهد الاستعمار فلقد تمت زراعة عدم الوطنية في كثير من الاجيال وتربية عدم الانتماء للارض وعدم الوفاء للشعب. ثم عمدت تلك الاجيال الاولى الى تقديم المؤالين لها و غير الصادقين في كل القطاعات مع التركيز على تنمية الانانية والفردية وحب الذات وحب السلطة فيمن يتوقعون مؤالاته لهم منذ طفولته.
عندما ننظر للواقع السوداني اليوم نرى بوضوح ان المشكل الاساسي هو صراع على السلطة وعدم ولاء للوطن. فغالب النخب والمسؤولين ومن هم في حالة مشروع مسؤولين يريد السلطة في السودان مع ولائهم لخارج السودان!!!
هذا التناقض ادى الى انتاج شخصيات غير وطنية ولا ميزة لها الا قدرتها على التأمر وسهولة التضحية بأقرب الأقربين ناهيك عن التضحية بكل الشعب السوداني ومصالحه مقابل ان تحافظ هي على مصالحها الفردية!!!
لم يخف على دول الجوار ودول المحاور الاقليمية والعالمية حب الكثيرين من السودانيين للسلطة مع رخص ذمتهم حين تواجدهم داخل الوطن!!! فإستغلوا تلك الصفة الذميمة أشد الاستغلال وشروها منهم بثمن بخس.
فلذلك نجد أنع يستعر اليوم التنافس غير الشريف في عملية بيع الذمم وقبض الثمن كوعود بدعم لسلطة مطلقة وأموال كثيرة ومغانم.
يدخل كل اؤليك "البائعون" الراقصون الى حلبة الصراع ليستعرضون إمكانياتهم الفردية والوظيفية والحزبية والقبلية لابداء إستعدادهم لتلبية رغبات المشتري اكثر من غيرهم فيبدو الامر كسوق "للمؤمسات" ولكل من لا شرف لهن!!!
من ناحية أخرى، يظل ذلك الكيد والتامر الخارجي يحمي في مزاد "البيع" و يزايد في الاسعار ويحرك حزم النقود أمام تلك النفوس الشرهة كتحريك قطع اللحم امام كلاب الصيد مما يزيدها إستعارا وحمية لبيع ذمتها!!
دعوتي لكل الشعب السوداني ان يعلم أن كل من باع ذمته او تأمر للمحافظة على مصالحه على حساب الوطن او تامر للوصول للسلطة فهو خائن لشعبه ولوطنه. ويجب عليهم عزله إجتماعيا في الاسرة والحي ومقاطعته سياسيا!!!
أخيرا. لا املك ألا ان استعصم بالاية الكريمة (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )
لك الله يا سودان.
أنشد الشاعر عزالدين ود الماجدي
"وهج ضي الشوارع حق
وسور قلب المدينة رحيب
نسو صف الولا بنشق ..
نكون شعب العدم للعيب
يقوم عصيان تقع طامة
ويصح حلم الحلمنا قريب
وطن زي شافو محجوبو
وطن حدادي مدادي
وطن لا قسوة لا تعذيب
سمح زي حلمو حميدو
وسماهو القريب وحبيب
وطن عافية ..
وعقد منضوم ..
عدالة سماحة حرية
علي جيدك ايا خرطوم".

wadrawda@hotmail.fr

 

آراء