الأديب الشاعر فضيلي جمَّاع ومقعد المسيحيين في مجلس السيادة

 


 

 

 

يرجع بعض المؤرخين أحد أسباب نجاح الثورة المهدية إلى التوزيع الجغرافي لقيادات الثورة، الخليفة عبد الله من الغرب، والأمير عثمان دقنة من الشرق، والخليفة محمد شريف من الشمال، والخليفة علي ود حلو من الوسط. وبهذا التوزيع الجغرافي قد وضع الإمام المهدي نواة الدولة الوطنية؛ لكن الدولة انتكست في مرحلة البناء، وتحولت إلى دولة قبيلة؛ فأفسدت الصراعات الداخلية تماسكها العضوي، وأضعفت مقاومتها أمام جحافل الجيش الغازي. نعم أنَّ الأمام المهدي قد نظر إلى أهمية التوزيع الجغرافي بموضوعية، ليعزز روح المشاركة بين قطاعات الثورة الفاعلة؛ لكنه لم يعط اعتباراً لتمثيل المكون المسيحي (المسلماني) في وظائف الدولة العليا؛ وذلك بحكم طبيعة الدعوة المهدية المتشددة التي لا تسمح بقبول الآخر (من لم يؤمن بمهديتي فقد كفر). وعندما أشرق فجر الاستقلال مال مزاج النخبة السياسية إلى نظام الحكم البرلماني؛ لكنهم استبدلوا منصب الحاكم العام ومجلسه، بمؤسسة دستورية أطلق عليها اسم مجلس السيادة، المكون من خمسة أعضاء. وفي ذلك الوقت لم تكن عملية اختيار أعضاء المجلس عملية معقدة؛ لأنه عضوية المجلس كانت مناصفة بين الحزبين الكبيرين (الأمة والاتحادي)، والعضو الخامس من جنوب السودان. ولم يُنظر إلى عضوية جنوب السودان من كوة التعدد الديني، بل باب المحاصصة المطلبية لأهل جنوب السودان. ولم تطرأ في ذلك الوقت المحاصصات الجهوية الأخرى، أو قضية تمثيل المرأة في إدارة الشأن العام.

لكن سوء إدارة الدولة السودانية بتنوعها الثقافي والعرقي والديني بعد الاستقلال، قد أفرز صراع المركز والهامش، وتمثيل الأقاليم في الوظائف السيادية. وبعد قيام دولة جنوب السودان، برزت في السودان الشمالي قضية تمثيل الأقلية المسيحية في إدارة الدولة. وفرضت مشاركة المرأة الواسعة والفاعلة في ثورة ديسمبر 2018م ضرورة تمثيلها في الفترة الانتقالية، التي يجب أن تؤسس لتحول ديمقراطي مستدام. ونجاح أي فترة انتقالية، كما يرى خوان لينز (Juan Linz) وألفرد ستيبان (Alfred Stepan)، يقوم على خمسة شروط، تتمثل في (1) قناعة النخب السياسيَّة بفشل تجارب الحكم السابقة والالتزام بحماية التحول الديمقراطي؛ (2) والتأهيل المؤسسي لكل القوى السياسيَّة الفاعلة خلال الفترة الانتقالية، دون إقصاء أي منها، لإشعار الجميع بأنهم شركاء في عملية التحول الديمقراطي؛ (3) ومنح العسكر محفزات تشعرهم بأن ثمن بقائهم في عملية التحول الديمقراطي أكثر قيمة من ثمن أبعادهم عنها؛ (4) وأن تكون عملية التنافس على الأغلبية الانتخابية مشاعة بالتساوي بين الكينونات السياسيَّة التي أُنشئت في ظل الانتقال الديمقراطي، فضلاً عن تشجيع التسويات السياسيَّة والتعاون بين الجماعات المتخاصمة؛ (5) ويضاف إلى ذلك، وجود تاريخ مشتركة للتفاوض ومد الجسور بين القُوى المتخاصمة، يلزمها بأن العملية الانتقالية أسمى مقاماً من خلافاتها الجانبية التي لا تصب في مصلحة التحول الديمقراطي.

حسناً فعل الأستاذ فضيلي جمَّاع عندما ختم مقاله عن "أين هو التمثيل الرمزي للمسيحي السوداني يا حرية يا تغيير؟" بقوله: "إن تبعات الدولة المدنية قاسية ومرهقة. نعرف أنكم قمتم بالكثير مما هو مطلوب منكم. ولكننا نعرف أنكم قصرتم أيضاً في البعض. ونحن لا ننتظر منكم الكمال، فالكمال لله وحده. بيد أننا ننتظر منكم ما هو متاح. [فالطائفة المسيحية قد] لعبت دورها المقدر في استقلال بلادنا، وفي التنمية، وفي المكون الثقافي السوداني. واليوم يتطلعون مثل كل مواطني السودان بشتى انتماءاتهم وإثنياتهم وعقائدهم إلى الشراكة الحقة في عقد اجتماعي اسمه الوطن. أرجو ولو في الساعة الخامسة والعشرين أن تنتصروا لشريحة من السودانيين من حقهم أن يكون لهم تمثيلهم الرمزي في أركان الحكم الانتقالي: المجلس السيادي ومجلس الوزراء والسلك القضائي. تداركوا هذا الأمر من فضلكم قبل فوات الأوان."

شكراً الأستاذ فضيلي، يبدو أنَّ اقتراحك الصائب كان محل تقديرٍ عند صاغة القرار السياسي، ولذلك خرج المجلس السيادي (المكون المدني) بتركيبة متوازنة جهوياً، وجندرياً، وشبابياً، ودينياً، باختيار الآتية أسماؤهم: محمد حسن عثمان التعايشي، ورجاء نيكولا عيسى عبد المسيح، وعائشة موسى السعيد، ومحمد الفكي سليمان، ومحمد حسن شيخ إدريس، وصديق تاور كافي. تمنياتنا لهم وللسودان بالتوفيق والسداد. ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، لكن التحديات كُثر، فيجب أن ينظر إليها من واقع فلسفة الأستاذ العقاد "إن أجمل ما في الحياة الدنيا هو أسوأ ما فيها، وأسوأ فيها تحدياتها؛ لأن تقدم الشعوب والأفراد يقاس بمدى قدرتهم على فهم التحديات ووضع الحلول المناسبة لها."

 

ahmedabushouk62@hotmail.com

 

آراء