ضرورة التمييز بين مفهوم الحزب السياسي ومفهوم الحركة السياسية
morizig@hotmail.com
التمييز بين مفهوم الحزب السياسي The Political Partyوالحركة السياسية The Political Movement مهم جداً في هذه المرحلة الحرجة والعصيبة التي يمر بها السودان بعد نجاح ثورته الشباب في أبريل من عام 2019 . فهذه الثورة لم تكن ثورة ضد النظام فحسب وإنَّما ضد كثيرا من المفاهيم التي سادت الساحة السودانية. فالناس في بلادنا وكذلك قوانيننا ودساتيرنا لا تميز بين عمل "الحزب" وأهدافه، وعمل "الحركة السياسية" وأهدافها.
إن ظاهرة الأحزاب والتنظيمات السياسية ظاهرة حديثة وعصرية تعود جذورها الى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف القرن التاسع عشر (1850م) حيث نشأت الأحزاب الليبرالية الغربية المرنة قبل نشوء الأحزاب الاشتراكية ذات التنظيم والآيدلوجية الصارمة، وقد تأسس الحزب الجمهوري الديمقراطي الأمريكي (الحزب الديمقراطي حالياً) عام 1792م وتأسس نظيره الجمهوري عام 1854م. والأحزاب الليبرالية الأمريكية عادة تنشط في زمن الانتخابات الرئاسية والتشريعية وغيرها من الإنتخابات المختلفة عبر لجانها المتنوعة لكسب أصوات الناخبين للوصول بأعضاء الحزب إلى قمة هرم السلطة التنفيذية والتشريعية والمحلية بصورة علنية في حملة إنتخابية منظمة.
وفي فرنسا يعود تاريخ الأحزاب الى انتفاضة عمال باريس لعام 1871 عندما طالب الإشتراكيون الفرنسيون بضرورة تكوين أحزاب وأجسام سياسية منظمة تعبر عن مطالب العمال في فرنسا. وفي الحقيقة قد ساهم الإشتراكيون والماركسيون في تطوير العمل الحزبي في كلٍ من أوربا والإتحاد السوفيتي حتى وصولوا به سدة الحكم في كثير من البلدان في القرن العشرين. وقد أوضح ماركس وانجلز في بيانهم الشيوعي في عام 1848، مفهوم الحزب لديهما وأطلقا عليه اسم «حزب البروليتاريا» أو حزب الطبقة العاملة الذي مثلته الأحزاب الشيوعية في العالم وما تزال.
وعندما جاء لينين بدأ ينادي بتنظيم الحركة العمالية لأن التنظيم في نظره هو الوسيلة الأمثل لتحقيق أهداف الثورة الماركسية فقام إثر ذلك بتقعيد نظرية حزبية متكاملة تستوعب الفكر الماركسي في حزبٍ فعال محترف يتزعم قيادته سياسيون محترفون يديرونه وفقاً لهرمية صارمة تنفذ القرارت بروح عسكرية تتنزل من فوق الهرم ولا تسمح بالجدال والمراجعة، وبهذه الطريقة تمكن الحزب الشيوعي من الوصول إلى الحكم في روسيا العام 1917.
فالحزب إذن هو تنظيم سياسى ينشأ ويتكون من مجموعة من المواطنين الذين لهم أهداف ورؤية سياسية مشتركة مبنية على مصالح مشتركة أو منظومة فكرية آيدلوجية أو عقائدية أو فلسفية محددة، وينتظمون في تنظيمٍ معترف به من قبل الدولة وفقاً لقانون ينظم نشاط الأحزاب ويفسح لها المجال للتعبير عن رؤيتها في طريقة إدارة الدولة ويفسح لها أيضاً مجال التنافس للوصول لسدة الحكم لتطبيق تلك الرؤى وفقاً لثوابت الدستور. وأعضاء الحزب في خاصة أنفسهم يرتبطون ببعضهم بعضاً وفقاً لقواعد وأسس تنظيمية يتعارفون عليها لتحديد مستوى علاقاتهم التنظيمية الداخلية وأسلوبهم ووسائلهم في العمل والنشاط. وبالتالي الحزب يسعى سعياً حثيثاً بوعي تام وقيادات ماهرة للمشاركة في السلطة أو المعارضة وكذلك يسعى في الحياة السياسية عموماً لتطبيق رؤيته والتبشير بأهدافه سلمياً عبر برامج انتخابية وترشيح ممثليه وفقاً للدستور والقانون .
فالحزب بهذا المفهوم تنظيم سياسي يتحرك في إطار القانون في معظم الأحوال، ولكن قد تضطره الظروف ليعمل في شكل جماعة سرية منظمة غير قانونية تسعى سراً للسيطرة الكاملة على الحكم بالقوة عن طريق الإنقلابات أو الثورات الآيدلوجية. والحزب الذي يعتمد على الثورية أو السرية أو على تأسيس الحكومة ودعمها له لا محالة ينفرد بالحكم وينشيء حكماً عضوضاً لا يفسح الحريات للآخرين. والأحزاب الآيدلوجية عموماً و كذلك الأحزاب الحكومية التي تنفرد بالحكم تعمل دوماً على إجهاض أي حراك شعبي ثوري يتعارض مع مصالح الحزب وأهدافه وقياداته. أما في الحالات الطبيعية والقانونية التي يعمل فيها الحزب بشكل طبيعي يسعى فيها الحزب للمشاركة الدستورية الديمقراطية في الشئون السياسية العامة.
دور الحزب السياسي:
1- يدعو الحزب الجماهير للالتفاف حول برنامجه ومرشحيه ونداءته ويجتهد في إقناعهم بأهدافه.
2- نشر آيديولوجية الحزب إذا كان ذو صبغة آيدلوجية في صفوف الطبقات المعنية بتلك الآيديولوجية.
3- إعداد برنامج الحزب ورؤيته التي توافق عليها أعضاء الحزب وصياغتها في برنامج سياسي تدعى الجماهير لتبنيه ودعمه والوقوف وراءه .
4- العمل الجاد للوصول للسلطة عبر صناديق الإقتراع إذا كانت المنافسة ديمقراطية.
5- بناء هياكل وآليات ونظريات تمكن الحزب من الاستمرار والمنافسة.
6- غرس وتعزيز الشعور الوطني والقومي في نفوس أبناء الوطن.
7- إعطاء الشرعية للنظام السياسي القائم، من خلال مشاركته في العملية السياسية الشرعية.
8- تعزيز دور المراقبة والمحاسبة للحكومة على أعمالها.
9- رفع مستوى الوعي السياسي لأعضائه بشكلٍ خاص، وكذلك رفع مستوى الوعي السياسي لدى أفراد المجتمع بشكل عام.
10- يوفر الحزب فرصة مناسبة لأعضائه للمساهمة والمشاركة في عملية صنع القرار السياسي والتأثير عليه فيه.
بينما الحركة هى جماهير غير منظمة إنتظمت في لحظة من الزمان سعياً إلى تحقيق إصلاح أو تغيير فى المجتمع عبر الضغط الشعبي على الحكومة للحصول على أهداف إجتماعية أو إقتصادية محددة أو إنتظمت بهدف التوعية الشعبية لنشر مباديء إنسانية محددة تستقطب لها عموم الجماهير، والحركة بهذا المفهوم لا تسعى للسلطة وليست كياناً هرمياً، فهي غطاء ضغط جماهيري جامع وواسع من أجل تحقيق مطالب جماهيرية يحددها ويطالب بها ويناضل من أجلها كل المجتمع، وبالتالي الحركة السياسية الجماهيرية تعمل على إقناع الشعب كله أو غالبيته بأهدافها.
ومن الأمثلة على الحركات السياسية في التاريخ السياسي الحديث الدعوة لليبرالية في الغرب والدعوة للإشتراكية في أوروبا الشرقية والشرق الآسيوي و الدعوة للقومية في العالم العربي وتركيا وبقية العالم الثالث، والدعوة للتحرر من العبودية في القرون السابقة، أو إسقاط النظم الديكتاتورية المعاصرة في السودان وغيره، أو الحركة العالمية من أجل إفساح الحريات وحقوق الإنسان، أو الحركة العالمية الداعمة لتصويت النساء أو الحركات العمالية....الخ وكل هذه تعتبر حركات سياسية ذات أهداف واضحة وليست أحزاب سياسية.
وباختصار إنَّ الحركة السياسية هي مجموعة ضغط سياسي شعبي تضغط على من بيده الحكم لتحقيق أهداف محددة، أو ترسيخ مباديء وقيم محددة في المجتمع يتفق عليها انصار الحركة. ويقتصر برنامج الحركة السياسي على مطالب جماهيرية أو فئوية محددة يتم تحقيقها عبر الحراك الديمقراطي والضغط السلمي المشروع على السلطة القائمة، وبالتالي تعبِّر الحركة عن رغبات الجماهير وتتبنى بالضرورة مطالبهم وتمثلهم تمثيلاً حقيقياً.
وهذه المطالب الجماهيرية في حد ذاتها تعتبر الأساس الموضوعي الذي قامت من أجله الحركة السياسية. وبسبب تبني قضايا الجماهير تجد الحركة السياسية نفسها مضطرة لتوحيد الجماهير في مواجهة الحكومة للضغط عليها لتغيير سياساتها التي يتضرر منها الجمهور في مختلف جوانب حياته.
وبهذا تنجح الحركة السياسية في إشراك أوسع قطاع من الجماهير في عملية التغيير الديمقراطي. ولهذا تختلف الحركة السياسية من الحزب بالبرنامج، ففي الوقت الذي يقدم فيه الحزب برنامجاً للتغيير الشامل على الصعيد الوطني يتحقق من خلال العمل للوصول الى الحكم والسلطة السياسية، تقدم فيه الحركة مطالب أو مباديء محددة تحققها عبر الضغط الجماهيري.
أهداف الحركة السياسية (The political movement ) :
1- خلق حراك شعبي يؤمن بالتغيير المستمر وينهض إليه ويتعاون من أجله.
2- خلق حراك ثقافي ووعي بحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المدنية والسياسية وفقاً لمقاصد الأديان والمواثيق الدولية الحديثة.
3- خلق حراك حضاري يوظف ثقافة الأمة ويعلي من شأنها في وجه الثقافة الوافدة التي تعمل مؤسسات الثقافة والإعلام العالمية على إشاعتها ونشرها.
4- خلق حراك تربوي وتعليمي يساعد في تأهيل الأجيال القادمة علمياً وسياسياً وأخلاقياً.
5- خلق حراك شعبي لتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشعب.
6- خلق حراك شعبي يطالب بالقيادة الرشيدة، والحكم الرشيد، والمعارضة الرشيدة، والقيم الفاضلة، وكذلك يعمل على تعظيم دور المواطن الصالح في إسناد وتقوية النظام الحاكم الراشد .
نشأة الحركات الإسلامية وتحولها لأحزاب:
قبل أكثر من قرنين وصل العالم الإسلامي لدرجة الحضيض، وضعفت الخلافة العثمانية، وتزامن ذلك مع نهضة أوربا التي طورت السلاح الناري مما دفعها تهب بشهية وعزيمة لاستعمار العالم الإسلامي فعاثت فيه فساداً وقتلاً وتقسيماً فشجعت العصبيات القومية والقبلية والمذهبية فيه لتضعف وحدته وتهتك نسيجه، ومن ثمَّ تتمكن من السيطرة عليه دولة دولة وشعباً شعبا.
وقد كانت حركات التبشير المسيحي ورجال الكنيسة يقفون وراء النشاط الاستعماري ويباركونه! فبدأ المبشرون يتوسعون ويفتحون المدارس والمستشفيات بهدف نشر ثقافتهم ودينهم وسط المسلمين، كما بدأ السياسيون منهم في تشجيع وتكوين أحزاب سياسية حديثة ذات صبغة آيدلوجية ودعاوى قومية تطالب بتكوين دول قومية وأخرى آيدلوجية من أجل إضعاف وحدة الصف الإسلامي واشعال نار الفتنة فيه فينتفي فيه الإستقرار وتتوقف فيه التنمية فيصير دوماً مرهوناً وتابعاً لهم.
وبالفعل نشأت تلك الأحزاب وبدأت تدعو إلى الأفكار القادمة من أوروبا كالليبرالية والديمقراطية والإشتراكية والشيوعية وغيرها مما تسبب في تغيير هيكلة العالم الإسلامي وهيكلة الدولة من داخلها لتصبح على النمط الأوروبي، ومثال لتلك الأحزاب "حزب تركيا الفتاة" الذي أسسه كمال أتاتورك في تركيا ليقتلع به الثقافة الإسلامية هناك. وبالفعل خلقت هذه الأحزاب نوعاً من الحساسيات القومية بين الشعوب الإسلامية، كما خلقت مشاكل داخل كل دولة من دولها، وهكذا انتشرت الأحزاب السياسية في العالم الإسلامي بعد الحربين العالميتين كما ينتشر الجراد في موسمه.
وكما هو معروف في عالم الفيزياء أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الإتجاه، وعليه لم يعجب الوضع الإستعماري والتخلف الحضاري دعاة الإسلام ومفكريه وعلماءه الغيورين فقام عدد منهم في التفكير الجاد للنهوض بالأمة من وهدتها ورقدتها التي أشبه برقدة أهل الكهف الذين استيقظوا فوجدوا العالم من حولهم قد تغير تماماً. من هؤلاء المفكرين نذكر العلامة الشيعي جمال الدين الأفغاني ونظيره السُنيّ الشيخ المصري محمد عبده، اللذان عملا بجهدٍ وتفانٍ لاستنهاض الأمة في حركة سياسية جماهيرية بأسلوب حديث وفكرٍ وفقهٍ جديدٍ يأخذ علوم الغرب الحديثة في الإعتبار كسلاح علمي مساعد.
وجدت دعوة الأفغاني وزميله الشيخ محمد عبده تجاوباً في العالم الإسلامي فقام عدد من المصلحين والفقهاء يدعون لتكوين حركات إسلامية تستفيد من فكرة وأسلوب وعمل الأحزاب السياسية الحديثة وطريقة تنظيمها لتعمل جاهدة لاستعادة المجد الإسلامي المفقود. فقام الشيخ حسن البنا في مصر بتأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" في 1928، وأسس أبو الأعلى المودودي في باكستان "الجماعة الإسلامية" في نفس الزمن تقريباً، ثم تأسست حركات أخرى مثل "حزب الدعوة الإسلامية" الشيعي في العراق العام 1958، وهذه الحركات الإسلامية وجدت أنه لا مفر من منافسة الأحزاب اليسارية والعلمانية في العالم الإسلامي ولا يمكن منافستها ومحاربتها إلا بنفس أسلوبها في التنظيم والحداثة، فاعتمدت القوالب التنظيمية الحديثة للأحزاب العلمانية واليسارية وطورتها بمفهومها الخاص وبرعت فيها، ثم صارت هذه الحركات للأسف أحزاباً إسلامية تطلب السلطة وتنافس الأحزاب الأخرى فصارت شوكةً في حلق خصومهم العاملين في المجال السياسي فحاربوها حرباً شعواء لا هوادة فيها أضرت باستقرار وتنمية البلاد الإسلامية. وأنا أعتقد أن تحول الحركات الإسلامية من خانة الحركات السياسية الدعوية الجماهيرية الضاغطة لخانة الأحزاب السياسية الضيقة التي تستهدف مباشرة الحُكم كان خطأ قاتلاً أضر بالأهداف السامية لهذه الحركات ومنتسبيها وبحركة الإسلام عموماً لأنَّ الحكم ألقى عليها بأوزاره وأخطائه وفساده.
وهذا التحول الكبير في المفهوم والخانات هو سر تلك الحرب العنيفة والموجة الإستئصالية التي تجابهها الحركات الإسلامية في كل دول العالم الإسلامي بعد أن صارت أحزاباً دينية تنافس الأحزاب العلمانية والوطنية والطائفية، منذ تاريخ ذلك التحول وحتى هذه اللحظة. والجدير بالذكر، أنَّ الأحزاب السياسية عموماً بشتى توجهاتها اصطدمت بكراهية متجذرة في مجتمعاتنا الاسلامية المتخلفة التي تقف بقوة ضد فكرة الاحزاب عموماً وزادهم منها نفوراً سؤ الممارسة الحزبية المدمرة منذ الأستقلال وحتى الآن في جميع الدول الإسلامية.
وفي تقديري الخاص إذا أرادت الحركات السياسية الإسلامية أن تخرج من دائرة الإستهداف والملامة الذي نتيجته الحتمية التقتيل والسجن والتضييق في المعيشة وفراق الأوطان والأهل واللعن والسباب، عليها الخروج من دائرة العمل الحزبي الذي يطلب الحكم والسلطة الى دائرة الحركة التي تضغط السلطة لتحقيق مطالب الشعب بالإضافة للعمل من خلال منظمات المجتمع المدني لخدمة المجتمع في شتى النواحي التي يحتاج إليها. وهذ الطريق في نظري سيكون أنفع للإسلاميين ولأهدافهم وأنفع للإسلام عموماً، لأنَّهم بهذه الطريقة سيكونون أقرب لروح الشارع ومطالبه وحقوقه واحتياجاته من السلطة القائمة وأبعد من أخطاء السلطة وفسادها وتقصيرها وأزماتها اللامتناهية. فلو عادت الحركات الإسلامية لخانتها الأولى (خانة مفهوم الحركة) ستمتلك ناصية الشارع السياسية حتماً وستترك الوظائف التنفيذية وأورزارها لغيرها.
الخلاصة:
إنَّ مسألة الانتماء الى الحركات السياسية الجماهيرية ليس هو نفس فكرة الإنتماء للأحزاب االسياسية، والخلط بين الأمرين في أذهان الثوار الشباب والجماهير السودانية عامة يجب أن يزول بالتمييز العلمي بين مفهوم الحزب ومفهوم الحركة السياسية على أسس ودراسات بحثية تساعد الشباب وبقية الشعب على التفريق الدقيق بين المصطلحين، وهو تفريق مُهم من أجل تقدم العمل السياسي في السودان.
وفي الحقيقة ضرورة مرحلة ما بعد الثورة تقتضي ذلك لدفع الشباب والجماهير للارتباط بالحركة السياسية من أجل الحفاظ على مكتسبات الثورة التي تهم الجميع، كما يجب العمل سوياً على تفعيل مفهوم الحركات السياسية لكي تلعب دورها المطلوب في مختلف المجالات التي تتعلق بمصالح الناس الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والتربوية.
وهذه الفوارق العديدة بين طبيعة الحركات السياسية الجماهيرية الواسعة وبين العمل الحزبي الضيق، لا ينفي وجود علاقة وتنسيق بينهما. فالعلاقة بين الحركة والحزب تكون أحياناً مبنية على المبادئ المشتركة، وفي أحيانٍ اخرى تكون مبنية على الإستراتيجيات الآنية. وقد تكون علاقة تنافر أو تجاذب وفقاً للظروف السياسية والمعيشية، وفي الغالب الأعم يحدث التنافر عندما يسعى الحزب -وخاصة إذا كان حاكماً- الى تكريس السلطة في يده فتقابله مقاومة شديدة دفاعاً عن الديمقراطية والمشاركة الواسعة المتنوعة في السلطة وهي مطالب أساسية للحركة السياسية الجماهيرية في كل مكان.
وأيُّ سعي لاحتواء الحركة السياسية من قبل الأحزاب مجتمعة أو حزبٍ بعينه يعتبر ممارسة خاطئة ونقل للخلافات الحزبية لوسط الحركة الجماهيرية الموحدة مما يؤدي بالضرورة الى إضعاف الحراك الشعبي الثوري و يوهم الإنسان العادي بأن الحركة السياسية الجماهيرية هي حراك حزبي وهو توهم خاطيء مضر.
ورسم الأهداف الوطنية الجماهيرية لا يمكن ان يكون إلا في إطار جبهة وطنية جامعة تعمل من اجل الديمقراطية والسلام وتهيء المناخ لاجراء انتخابات حزبية نزيهة يتنافس فيها مرشحو الأحزاب لتحسين أوضاع الجماهير وتغيير واقعها للأفضل في نطاق دستور البلاد الدائم.
والعمل الجماهيري السياسي الصحيح والمثمر هو العمل المتحرر من النظرة الحزبية الضيقة، والمنفتح على الوطن كله، والجماهير كلها، والجوار كله من أجل تحسين الأوضاع المادية والسياسية والمعنوية لأهل السودان، وبهذا يعتبر إطار للأحزاب السياسية تتنافس في نطاقه وفقاً لرؤيتها الخاصة و نزولا على رغبة الجماهير.
وفي المقابل إنّ العمل الحزبي الصحيح هو العمل الذي يساند ويدعم الدور الذي تلعبه الحركات السياسية لأنَّها هي التي تعبر عن رأي الشارع حقيقة، فلهذا وجب على الأحزاب التنسيق مع الحراك الجماهيري وأن تكون سنداً له من أجل بناء دولة القانون والعدالة والتنمية والسلام التي تطالب بها الحركة السياسية الجماهيرية السودانية.