سيظل النداء أو الشعار الذي أطلقه (تروتسكي) أثناء وبعد الثورة البلشفية هادياً لكل الثورات في العالم، فالثورة ليست ضربة واحدة حاسمة، بل هي عملية وسيرورة مستمرة ، وليست فعلاً موسمياً أو لحظة تاريخية فريدة، فالثورة لكي تحقق غاياتها هي ثورة دائمة ومستمرة لا تتوقف، تدفع التاريخ وهي يقظة وحذرة إلى الأمام منعاً لمؤامرات ومكائد الثورة المضادة المتربصة. لا يكفي أن نمجد الثورة الشعبية السودانية ونصفها بأنها عظيمة فهذا تحصيل حاصل ولكن لابد أن نؤكد على استمراريتها واشتعال جذوتها بلا تعب أو راحة أو توقف . لذلك رأى (ريجي روبريه) أن الثورة حين تبدو وكأنها قد توقفت فهي تحتاج إلى ثورة داخل الثورة وهذا هو الوضع الذي تعيشه الثورة السودانية الآن. فهناك حاجة ملحة جداً للإسراع في إنجاز مهام الثورة ومن أولوياتها : تحقيق السلام وتجاوز الأزمة الاقتصادية وتهيئة المناخ لإجراء انتخابات نزيهة من خلال إصدار قانون جديد للانتخابات يعتمد التمثيل النسبي ونظام القوائم، وإصدار قانون جديد لتسجيل الأحزاب يضمن ديمقراطية أحزاب المرحلة المقبلة وشعبيتها وبرنامجها المقنع للناخبين وحيويتها السياسية والفكرية من خلال صحيفة للحزب ومركز للدراسات وألا تقوم على أسس دينية ولكن هذه المهام العاجلة تشهد كثيراً من البطء والارتباك. ومن أخطر مظاهر الفترة الحالية هي أن الحكومة الانتقالية والقوى الثورية تقف في حالة دفاع عن النفس تجاه هجوم وشائعات الثورة المضادة ولم تبادر باجتثاث النظام البائد ورموزه من الجذور ويكفي تفعيل قانون من أين لك هذا؟ لابد أن تعمد قوى الثورة استراتيجية الهجوم المستمر على الإسلامويين وعدم الخضوع للابتزاز الديني بتهمة العلمانية والليبرالية والشيوعية بينما على الثوار أن يصفوا عناصر الثورة المضادة من الإسلامويين بالفساد والإرهاب والسرقة والتعذيب والتطهير العرقي. يجب وقف وقاحة الإسلامويين وقوة عينهم حين يتجرأون على الآخرين رغم إنهم يحملون كل عيوب البشر ومفاسدهم! علينا أن نؤكد هزيمتهم وسقوط مشروعهم الحضاري الزائف في كل نشاطاتنا وسلوكنا وأقوالنا في الفضاء العام. المطلوب ألا يرتاح الإسلامويون والإنقاذيون عموماً وألا يجدوا الوقت والإمكانية للحراك، فمهم الآن بلا حياء أو درع يخرجون في مظاهرة في 14 ديسمبر عبر الثورة التي انتفضت ضدهم وكنستهم! يقتضي هذا الوضع ضرورة وحدة قوى الثورة لمواجهة الإسلامويين وهذه الوحدة تعني ضرورة التركيز على الأولويات باعتبار النظام البائد وعناصره هم العدو الأساسي والاستراتيجي الأول وعلى القوى الثورية عدم الغرق في الخلافات التافهة بين عناصرها والاهتمام بالصغائر وشخصنة الصراع. الفصائل المختلفة من قوى الثورة عليها خلق قنوات إيجابية تستطيع من خلالها نقد وتوجيه الحكومة الانتقالية والنأي بنفسها عن التصريحات الإعلامية الصارخة والتي تصب في صالح القوى المعادية والتي تستغل الخلافات في الهجوم على الثوار بأجمعهم دون فرز. تعيش البلاد فترة حرجة ودقيقة تحتاج لقدر كبير من العقلانية وحسن تقدير الأمور وعدم التسرع والتهور.