لا تصنعوا من حمدوك ديكتاتوراً آخرا

 


 

 

 

 

يقال إن الشعوب الكسولة المتخلفة والجاهلة، هى التى تصنع طغاتها وديكتاتورياتها ومستبديها، وتحوّل حكامها وملوكها وسلاطينها وأمراءها ورؤسائها الى آلهة، لا يخطئون أبداً، ولا يسيئون التصرف. ويقولون لا طاغية قوي، ولا ديكتاتور قاهر، ولا حاكم أعلى من محكوميه ولا وجود للطاغية إلآ فى مخيلة مرؤوسيه.

ثورة ديسمبر 2018م السودانية عزيزي القارئ، كان يفترض أنها ثورة وعي كما رُوج لها في البداية -أي يفترض أنها سترفض أساليب صناعة الديكتاتور مجددا في السودان.. ويفترض أنها ستبِعد الناس عن تقديس الأشخاص الذي يعتبر مصنعا لإنتاج وتوزيع الجهل والتخلف وتعطيل مسيرة الحياة الطبيعية.. ويفترض أنها ستنزع هالات القداسة عن من يعتبرون رموزاً وطنية، سواء كانوا من شخصيات دينية أو سياسية أو اجتماعية أو غيرها. لكن للأسف الشديد، تغييراً من هذا القبيل لم يحدث اطلاقا، بل ما شهدناه هو استمر اسلوب التمجيد والتهليل والتعظيم لبعض الشخصيات، والشكر والدعاء لهم بالعمر المديد والصحة الوافرة والتوفيق الدائم ومن بعدهم الطوفان والحرائق.
الشخص الذي اقصده في مقالي هذا، هو الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السوداني الحالي الذي يريد بعض الحمقى الجبناء رغم الثورة العظيمة في تقديري، أن يصنعوا منه ديكتاتورا جديدا، يصلون لله شكرا لأنه هداهم إليه، فلا أحد من السودانيين خير منه، ولا أحد يفهم ويعرف ما يعرفه هذا الخبير الدولي الذي طاف كل قارات العالم وزار معظم مدن العلم والنور. ينظرون إليه على أنه هو الإله المنقذ، وأن أي نقد ما يقوله أو يفعله، يعتبر من موبقات الإثم التي تستوجب خوض حرب ضروس إن لم تكن بالأيدي وبالسلاح، فبالقلم واللسان، فهو أضعف القتال.
قبل أيام عزيزي القارئ وبينما كنت اتصفح على صفحات بعض المواقع الإلكترونية السودانية، وقعت عيني على خبر تحت عنوان: (شباب وفتيات يرقصون على أنغام أغنية جديدة تعظم وتمجد رئيس الوزراء حمدوك).. ويقول الخبر:
طرح المطرب السوداني الشاب سمؤال نمر أغنية جديدة يمدح من خلالها رئيس وزراء بلاده, الدكتور عبد الله حمدوك.
وبحسب متابعات محررة موقع النيلين فقد تم تصوير أغنية “حمدوك” على طريقة الفيديو كليب, حيث اصطحب نمر خلال الفيديو كليب الذي وجد رواجاً واسعاً عدد من الشباب وبعض الفتيات الذين قاموا بالرقص مع إيقاع الأغنية والتي لحنت على أيقاع السيرة المشهور في السودان.
ويقول مطلع الأغنية التي صاغها الشاعر “الدولي” وقام بتلحينها المطرب الشاب (يا حمدوك انت يا حمدوك.. انت ريسنا وكية للأبوك).
إذن وبالنظر للخبر أعلاه يا جماعة، فإن الحمقى والجبناء والجوقة والمصفقون والمهللون والمتقوسون، لا يتخوفون اطلاقا من أن يصنعوا من الشخص الذي أتت به الثورة الشعبية، ديكتاتورا وشخصا مقدسا لا يجوز نقده في أفعاله وأعماله، وهم بهذا إنما يجهلون أن أولى علامات النضوج السياسي هي التخلي عن تقديس الأشخاص مهما علا مقامهم، والسيد حمدوك بالطبع ليس استثناءا.
عزيزي القارئ..
إن سودان الثورة -إذا كانت هناك ثورة حقيقة، بحاجة ملحة إلى إشاعة مبدأ التخلي عن تقديس الأشخاص الذي يقدم الصنمية البشرية وإعطال الفكر وإبطال العقل الشيء الذي يحدث الخلل في المسيرة الطبيعية لحياة الناس. لقد آن الأوان، للتأكيد الجاد على أن الجميع يقع تحت مظلة النقد الذي هو عمل تصحيحي يمكن من خلاله تقويم الرأي والفكر والتوجه، لأن النقائص متلازمة انسانية ولا يجوز حصر الحقيقة في أشخاص معينين. وبلاش تصوير أغاني بإسم حمدوك.. وبلاش تسمية شارع أو مدرسة أو مستشفى أو غيرها بإسمه، لأنكم بقيامكم بتلك الخطوات والحركات، سيصبح لديكم نظام ديكتاتوري متكامل، مُرسخ القواعد، وثابت الأسس، وسيكون ممثل هذه السلطة المطلقة قادر على ممارسة سلطاته التعسفية، الاستبدادية بأريحية مطلقة.. وهل هذا ما تريدون؟

bresh2@msn.com

 

آراء