نحن في السودان نطلق على الحدادين ،، الحداحيد،، . وهم من طور السودان لانهم صنعوا كل ادوات الزراعة الصيد البناء الحفر الاسلحة وبعض معدات المطبخ الخ . بعد اخراج القطعة الحديدية التي يراد تشكيلها من الجمرحتى ينتصب حامل المرزبة لكي يضرب بسرعة وقوة قبل ان يبرد الحديد . وفي بعض اللغات هنالك مثل يدعوا للطرق بينما الحديد لا يزال ساخنا . وحامل المرزبة يتابع شاكوش المعلم الذي يحدد مكان الطرق وعندما يحس المعلم ان المهمة قد انتهت او ان الحديد قد برد ولا داعي للطرق يقوم بالطرق مرتين بعيدا عن قطعة الحديد ، ويتوقف طرق المرزبة . ومن العادة بعد سنوات من العمل سويا يعمل المعلم ومساعده كشخص واحد .
عندما يراقب الانسان الطياني واسطى الجالوص يلاحظ الانسان ان المناول يقذف بالطين من ،،العربية ،، التي هي عبارة عن طبلية ضخمة بدون ارجل لها اربعة ازرع يحملها رجلان . وبدون ان ينظر الاسطى يتلقى قذيقة الطياني وبالكاد ينظر المناول الا انه يعرف ان المعلم قد تراجع وتكون القذيفة في المكان الصحيح يتم القذف والبناء بسرعة معينة وتوافق عظيم والا تأخر العمل اوسقطت القذيفة ...... البنا والبناول الطين ...... الاسطى عادة لا يتقدم وهو يقوم بالبناء فهو يتراجع حتي يستطيع ان يرقب ويصلح مابناه ، واذا ترك العمل وهو متقدم فسيكون الخطأ خلفه ونفس الطريقة يمارسها المزارع الجيد في الحفر الحش الشلخ الرقاعة الخ . كل شئ يجب ان يحدث في الوقت المناسب وبتناغم كامل مع الزمان المكان والمحيط .
الموضوع اليوم والذي افرح الناس هو رفع الاجور بطريقة كانت غير متوقعة . ولكن ما هو رد الفعل . وقد تسقط المرزبة في المكان الغلط والوقت الغلط وتفسد الشغلانة لان شاكوش المعلم لا يقع في المكان الصحيح ولهاذا لا تجدي المرزبة ...... وقد تقع المرزبة على يد او رأس المعلم ، كما كان يحدث في زمن الانقاذ. لقد مر السودان بمشكلة مماثلة ولكن بصورة اقل تعقيدا في نهاية الاربعينات . فبعد الحرب العالمية الثانية تراكمت اموال ضخمة بسبب ارتفاع اسعار القطن . كما تواجد مال التأمين الذي كان يقتطع من المزارعين حتى لا تتكرر مشكلة الثلاثينات عندما صارت الحواشة تاكل ولا تلد وهرب المزارع ،انخفض سعر القطن بسبب الازمة الاقتصادية العالمية وكانت سببا في الحرب العالمية بسب التنافس على الاسواق .
قامت الحكومة السودانية تحت الادارة البريطاني برفع المرتبات بنسبة 55 % وبأثر رجعي ، وتم صرف ما عرف بالبونص . الا ان الحكومة الاشتراكية في لندن والاشتراكيين البريطانيين الذي كانوا في الخرطوم تصرفوا بمعقولية وحدث قدر كبير من التناغم والاتزان . ولسوء الحظ والشئ المخجل ان حكومة الادارة البريطانية التي تعلمنا ان نكرهها وخرجنا ونحن اطفال نهتف بسقوط الاستعمار بهتافان بالعربية والانجليزية لم نفهمها . ونحن لم نكن مستعمرة . كان في الجمعية التشريعية ممثلين للرعاة المزارعين والعمال وكانت للعمال مجلة العامل . هل كان في الحكومات الوطنية ممثلين للرعاة مثلا وهم قطاع ضخم في السودان ؟ ومال اللحم بتلهطوا ده جا من وين ؟ والرعاة يتعرضون لاستغلال من الجميع . فليس لهم نقابات تنظيمات الخ .
الذي سيحدث هنا عند رفع الاجور بنسبة 700 % هو ان موظفي القطاع الخاص سيطالبون برفع اجورهم العمال خدم المنازل الطيارون المهندسون العتالة ،،الطلب ،، ماسحي الاحذية سائقي التاكسي سائقي الشاحنات البنائون النجارون . وسيكون التجار في الانتظار لرفع الاسعار لانه ستكون هنالك سيولة ضخمة وبضائع قليلة وهذا هو التضخم الكلاسيكي . هل تم تحديد الاسعار قبل رفع الاجور ؟ فبالرغم من السجن الغرامة لا يزال سعر الخبز خارج سيطرة الدولة التي تدعم الدقيق والمحروقات . ستكون هنالك فوضي عارمة قبل ان تعود الامور الى حالتها العادية . ستنهار كثير من الشركات وحتى الاستثمارات الصغيرة ، وخاصة مع الكرونا سيكون الامر مثل سكب البنزين على النار .
الطبيب المهندس المدرس الصيدلي البراد اللحام الميكانيكي وكل من يعمل في القطاح الخاص لن يقبل بمرتب يقل كثيرا عن زميله في الدولة الذي تخرج معه في نفس السنة . نحن كاشتراكيين نرقص فرحا عندما ترتفع اجور البشر الا اننا نقف ونحن متحيرون اليوم . قديما بسبب استقرار الاسعار وصرف البونص الخ صار الناس تقول الما لحق الميري يتمرمغ في ترابو . اذا لم تتطور كل قطاعات الانتاج بمستوى متقارب فسيخرب الاقتصاد . موظفي مشروع الجزيرة الذي هو اكبر مخدم في السودان هدد عماله وموظفيه بالاضراب اذا لم يتحصلوا على نفس مرتبات موظفي الحكومة وتم اقناعهم بصعوبة ، ان المشروع شركة وان لهم منازل وترحيل وسيارت الخ وكان وضعهم لثلاثة عقود خيرا من موظفي الحكومة .
عندما صار اليورو عملة اوربا كان يساوي ماركين المانيين واكثر قليلا من قلدرين هولنديين. انتهزن الشركات ورفعت اسعارها لان المستهلكين تعاملوا من اليورو مثل القلدر او المارك . ومتاجر الاجانب الصغيرة في الاحياء لم تكلف نفسها بتغيير سعر بعض السلع وقبضوا الثمن باليورو . حدثت ربكة في الاقتصاد وصار اليورو بعد ان فقد 25 % من ثمنه اقل من الدولار . ولكن بعد فترة تعافى اليورو وعاد لمكانه الطبيعي . كان عند المجموعة الاوربية المقدرة الخبراء ، ونحن نفتقد كل شيئ والمتربصون داخل وخارج البلد . زيادة الاجور لا تجدي اذا لم يكن ممكنا كبح جماح التضخم وهذا يحدث بالانتاج . وعلى الحكومة ان تضرب بقوة على الفساد واللصوص . وما صادرته الحكومة من مال عقار يجب ادارته هل ستستورد الحكومة اداريين من الدنمارك المشهورة بعدم وجود فساد ، ام ستوظف اداريين ترعرعوا في زمن الانقاذ ؟
في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات توفر للنرويج كمية ضخمة من المال بسب البترول واقتصاد النرويج القوي . وصارت فطيرة البيتسا تساوي بين 30 الى 40 دولار وعلبة السجاير 9 دولارات . ولا يزال السويديون يتركون وظائف رائعة ويذهبون الى النرويج خاصة الشباب لانهم قد يتحصلون على دخل ضعف ما يتحصلون عليه في السويد الغنية . والدخل للفرد في النرويج هو 111004 دولار في السنة ولا تتفوق عليهم سوى لوكزمبيرق 196000دولار في السنة التي يمكن وضع كل سكانها في فنقر العباسيىة . في التسعينات وجهت الصحف نقدا لازعا لوزير المالية ،،الفاشل ،، لانه تبقى له 6 بليون في الميزانية لم يقدر على التخلصمنها ، ووعد باستيعابها في الاقتصاد ببطئ حتى لا تربك الاقتصاد وتسبب التضخم . وفي نهاية السنة وبالرغم من اجتهاد الوزير الهمام صار المبلع 46 بليون ووقع الوزير المسكين في ورطة .
النرويج قررت وقف ضخ البترول لان هذا سرقة من ثروة الاجيال القادمة وعندها من الثروات ما يكفيها . في بعض الاحيان تصير الثروة نقمة بدلا عن نعمة . روسيا تمتلك 12 % من الارض و25 % من الاشجار في العالم . ومقاطعة واحدة في سايبيريا قليلة السكان وهي ،،ياكوتيا،، اكبر من كل الهند التي تضم مليار ونصف من البشر . ولكن مراقبة وادارة هذه المنطقة تكلف الكثير ولهذا يتواجد اكثر من ربع مليون صيني يزرعون جنوب سايبيريا كمشاركة لبعض الروس بطرق ملتوية ، وينتشر الفساد بسبب غياب الحكومة وسيطرة الجنرالات وكبار المسؤولين . الرحلة من فلادفستك الى موسكو تمر بسبعة فروقات وقت . يحدث اكبر قطع للاخشاب بطريقة غير قانونية في العالم . ان التناغم والاتزان مهم جدا للاقتصاد . توفر الموارد الثروات لا يكفي بدون الادارة الصحيحة .
على الحكومة ان تنتظر الكثير من الاحتجاجات والاضرابات التي يكفلها القانون اليوم .
اقتباس
محن سودانيه 57 . مشروع الجزيرة والمصريين
مصر والسودان ينتجان القطن طويل التيلة وهنالك جزء صغير من بوليفيا ينتج بعض القطن طويل التيلة. ومصر كانت تسعى كل الوقت وتدعو الله ان ينزل صاعقة تقضي على مشروع الجزيرة حتى ينفردوا بالسوق العالمي. وقديما كان كل الإنتاج يذهب الى انجلترا ومغازل لانكشير التي كانت الاكبر في العاليم وتصنع اقمشة الروبيا التي لا ينتجها الا القطن طويل التيلة. وكانت الروبيا ترجع الينا في شكل ثياب ابو قجيجة وازهري في المطار والمظاهر واسرار.
وبدأت سويسرا تستورد كميات ضخمة من القطن السوداني طويل التيلة عالي الجودة وكانوا يقولون ان الموضة تبدا في مدينة سانتقالان. هنالك تصنع اقمشة الفوال وهو تخصص سويسري وهو الخيط المبروم . وتذهب تلك الاقمشة الى فرنسا وايطاليا وكل العالم. ولهذا افتتح مكتب للأقطان في جنيف كان يديره خيرة ابناء السودان منهم الطيب ميرغني شكاك رحمة الله عليه. وفي نهاية الثمانينات كان يديره الاخ امير عبدالله ميرغني. والثياب التي تأتينا في السودان ليست مصنعة للسودان وهي مصنعة لكل العالم خاصة نيجيريا التي تستهلك كميات ضخمة. 160 مليون نيجيري وخاصة الرجال يلبسون المخرم والمطرز. والتطريز تتخصص فيه النمسا التي تعيد المنسوجات بعد تطريزها لسويسرا. السودان كان يمكن ان يحدد اسعاره ويفرض شروطه. والقطن السوداني كان يدفع ثمن العلاج والتعليم ومرتبات الموظفين والبنى التحتية والجيش والشرطة…..الخ.
مشروع الجزيرة هو اكبر مزرعة في العالم تحت إدارة واحدة. وهنالك شبكة قنوات تفوق ال 8 الف كيلومتر. والري هو الري الانسيابي الذي لا يحتاج الى مضخات او اي تعب يأتي المطر في شهر 6 وتبذر البذور ولا يبقى سوى الشلخ, والطراد الناشف والطراد بالبقر والحش ثم اللقيط والقلع والحرق, وترحيل القطن الذي كان يتم بسكة حديد داخلية ومحالج. وسكك حديد قومية تأخذ القطن الى بورتسودان. عملية مرتبة ومنظمة وبسيطة. تحتاج لمقدرة وجهد عظيم لكى تخرب هذه المنظومة. ومن المحن السودانية اننا نتمتع بحكومات قادرة على الخراب.
عندما استلم الاشتراكيون السلطة في انجلترا واطاحوا بحكومة وينستون تشرشل, تعاملوا مع المستعمرات وغير المستعمرات مثل السودان بطريقة كريمة . والانجلييز عندهم حب و احترام للسودانيين ليس بمسبوق. يمكن ان نرى هذا في كتب مثل ظلال على الرمال وحكاوي كانتربري وذكريات قوين بل. ولقد مدح الشاعر المميز واللورد البريطاني السودانيين خاصة البجا الذين هزموا الانجليز في معركة التيب في شرق السودان والتي حدث في نفس زمن معركة شيكان. وكسر المربع البريطاني وجرح اللورد كتشنر. وقال كيبلينق لقد حاربنا خلف البحار. حاربنا كثيرا من الشجعان وحاربنا آخرين لم يكونوا من الشجعان. لقد حاربنا الزولو والبتان ولكن البجا يبقون اروع الشجعان ووصفهم كيبلينق ب (فاظي واظي) اشارة الى شعورهم المميز.
ورفع العمل الانجليز شعار ان السودان والمستعمرات قد ضحوا في الحرب العالمية وانه يجب تعويض السودان. وكان اول تعويض عبارة عن 2 مليون جنيه سوداني. وقديما ميزانية حكومة السودان كانت تتراوح بين 4 و 6 مليون جنيه سودان. وانشئ مشروع الزاندي لإنتاج القطن والغزل. وتضاعف انتاج القطن في جبال النوبة وفي طوكر. وكان السودانيون قد تخلصوا من آفات القطن وامراضه. لأن السيقان كانت تحرق بعد كل موسم. وكانت التقاوي تزرع في طوكر حتى يعطي هذا القطن مناعة.
ولفترة عانى القطن السوداني من اللزوجة والتي تسبب مشاكل في الغزل. وحلت تلك المشكلة. ولكن مصر كانت تعاني كل الوقت من امراض فظيعة خاصة الكرمشة واللطع الذي كان يحتاج المزارع المصري ان يحاربه بيده. وعندما كانت مبيعات السودان ترتفع كانت مصر تواجه مشاكل في تسويق القطن. وبسبب التدخل المصري خاصة عندما تأكد لجمال عبدالناصر ان الإتحاد لن يتم, دبرت مصر المؤآمرات للسودان وكانت مشاكل وإضرابات مشروع انزارا. وكان من المحرضين احد المصريين الذي كان عضوا نشطا في النقابة. وانتهى الامر بإضرابات ومذبحة انزارا التي كانت بداية الإنتفاضة الجنوبية. والتي لا نزال نعاني منها الى الآن. وكان للشماليين القدح المعلى. لقد صدرت اوامر من الجيش و البوليس بإطلاق النار على المتظاهرين. وفرحت مصر.
إن اي نشاط بشري له خلفية إقتصادية . المال هو الذي يحرك شيء. عندما اتفقت شركات تصنيع السيارات الاربعة في لوس انجلس قاموا بشراء شركات المواصلات العامة ثم الغوها. وساعد هذا في بيع كميات ضخمة من السيارات ولهذا فإن لوس انجلس لم تعرف المواصلات العامة.
اذا سيطر المصريون على نصف مشروع الجزيرة فسيكونون سعداء جدا ان تنتج فيه حبوب واعلاف حتى لا يجد قطنهم المنافسة, خاصة و ان الاقمشة المصرية قد بدأت تجد رواجا في العالم.
لماذ الإستعانة بأعمى لكي يقود اعمى آخر. الدولة المصرية فاشلة. من المؤكد انها اقل فشلا من الدولة السودانية الا انها دولة فشلت في ان تطعم اهلها. مصر الى الآن تستجدي نصف اكلها الذي يأتيها في شكل صدقات مشروطة. ومصر ليست دولة مشهورة بالتطور التقني او الإدارة النزيهة المتطورة. لماذا الإتجاه لمصر؟. ومصر عضو معنا في نادي الفاشلين. اين ذهب صراخ البشير وشعاراته في بورتسودان عندما افرح الناس في السودان, وذكر ان حلايب سودانية. وهذه إشارة صريحة بأن هنالك ارض سودانية مغتصبة والمحنة ان المغتصب يكافأ بأرض جديدة.
مساحة الجزيرة اكبر من هولندا التي هي في اول 10 دول إقتصاديا. والسودان 60 مرة مساحة الدنمارك والدنمارك.
لقد لعب المصريون بالسودانيين كل الوقت. بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة ارتفعت اسعار القطن اضعافا مضاعفا. وكان المزارعون يأخذون الريالات بالشوال. وابتاع المزارعون كل شيء حتى ان بعضهم اشترى ثلاجات ولم تتوفر لديهم الكهرباء. واشتروا الغالي من الثياب والاثاث. زرعت مصر الفتنة ودعت للإضراب وإنساق زعماؤنا خلف تلك المزاعم. ودفعوا موظفي الجزيرة والمزارعين على الإضراب. وكان هنالك الإضراب الشامل. بالرغم من انه كان هنالك إضرابين صغيرين في الجزيرة عام 1942 و 1944 ولكن إضراب ما بعد الحرب كان إضرابا شاملا. وكان المصريون يفركون اياديهم سعداء ويعطوننا الحبل لكي نشنق انفسنا. والسودانيون عادة يسهل إثارتهم. خاصة اذا لعب لهم على وتر الدين والوطنية. يندفعون كثيران هائجة. لقد ذكر الاستاذ الكارب ان المولدين ويقصد بهم السودانيين من اصول مصرية كانوا في ايام الاضراب الكبير يركضون مع الارانب ويصطادون مع الكلاب. وهم الذي نفذوا مخططات المخابرات المصرية.
بعد إستلام الاشتراكيين في انجلترا وكثير من الدول الاوروبية, دعت امريكا بالمفتوح وحذرت من إستمرار الاستعمار وقال الانجليز للسودانيين بالمفتوح سنترك لكم البلد في ظرف 10 الى 15 سنة. وستحكمون انفسكم وكونت الجمعية التشريعية التي ضمت الشماليين والجنوبيين لكي يتعودوا على النظام البرلماني. وكان هنالك سودانيين في مواقع قيادية . ويخدم تحتهم إنجليز يأتمرون بأمرهم. وقد كان عبدالله خليل وزير الزراعة. وكان الدكتور علي بدري وزير الصحة. وكان عبدالرحمن علي طه وزير المعارف.
و انطلقت الزراعة وارتفعت ميزانية التعليم والصحة الى 25 % من ميزانية حكومة السودان. وهذه نسبة خرافية لن نبلغها ابدا. وكان التعليم والعلاج مجانيا. وعندما احتج وكيل وزارة المعارف وهو بريطاني بالصرف الكثير وفتح المدارس في كل مكان. قام الاستاذ عبدالرحمن علي طه بكل بساطة بطرده من الخدمة. وشملت الجمعية التشريعية ممثلي النقابات والمزارعين والرعاة. وكان فضل بشير يمثل نقابة التاكس في الجمعية التشريعية. ولهم مجلة اسمها مجلة العامل تمثلهم. وبالرغم من هذا و بإيعاز من المصريين كان الاتحاديون يقولون سنقاطعها وإن جاءت منزهة من كل عيب. ومن المحن السودانية ان هذا منطق معوج. كما رفعوا شعار بإيعاز من المصريين ايضا تحرير ولا تعمير. وكأنما التعمير رجس من عمل الشيطان. ورفع الحزب الاتحادي الشعارات شبه الفاشية التي رفعتها الثورة المصرية والتي كان قوادها متأثرين بالحزب النازي. والشعار هو الاتحاد والتظام والعمل.
لقد طالب الموظفون والعاملون في حكومة السودان بزيادة اجورهم وتحسين اوضاعهم وتقليل ساعات العمل وقامت الحكومة بإعطائهم ما عرف بالبونص وهو عبارة عن مبالغ مالية ضخمة في ذلك الزمان. ولسؤ الحظ ان كثير من من استلموا تلك المبالغ لم يعودوا ابدا للعمل. بعضهم بدأ في التجارة ولم تنجح . والبعض انغمس في الشرب ولم يفيقوا منه الى بقية حياتهم. وعرفوا بضحايا البونص. وارتفعت الاجور بنسبة 55% واشك انه ستأتي حكومة وتزيد المرتبات 55 % . ودفعت بأثر رجعي. وكانت هنالك لجنة للعمال برئاسة ميلز تحدد البونص. وكان للموظفين لجنة برئاسة البريطاني ويكفيلد. ولسؤ الحظ ذهبت اغلب تلك المبالغ في القصف والسكر وانتعشت بيوت الدعارة. وهنالك قصة اشعال 10 جنيه للبحث عن الفتيل. والفتيل هو حلية ذهبية سقطت من جيد احد الغانيات. 10 جنيه كانت مرتب شهرين لبعض الناس.
وتسببت هذه الزيادة في تزمر موظفي الجزيرة. بالرغم من ان الجزيرة هي شركة وليست حكومة وان موظفي وعمال الجزيرة كانوا يتمتعون بمزايا لم تكن متوفرة لعمال الحكومة. فلقد كان عندهم سكن وترحيل مجاني. وكان للمفتشين سيارات وخيل.
احسن من كتب عن الإضراب هو ابن الجزيرة وابن المزارع وموظف الجزيرة الذي بلغ شأنا عاليا وهو عمر محمد عبدالله الكارب. الذي بدأ يعمل في الجزيرة وهو قبل العشرين وواصل الى نهاية حياته. ويقول في كتابه الجزيرة قصة مشروع ورحلة عمر. ويتحدث في الاول عن تنظيمات المزارعين فلقد كانت هنالك هيئة ممثلي المزارعين ويقول الاستاذ الكارب..( وتمت اول انتخابات في المشروع لممثلي المزارعين بطريقة سرية لإنتخاب رئيس الهيئة ونوابه ومساعديه. فوقع الاختيار على الشيخ احمد بابكر الازيرق, المزارع بتفتيش درويش ليكون رئيسا للهيئة ومعه السادة ابوالحسن عبدالمحمود, موسى النعيم ومحمد الطيب عمر والعبيد احمد موسى وطه الشيخ سعيد وابراهيم الشيخ الطيب واحمد حمد النيل وحمد النيل محمد الحسن ويوسف احمد نوابا لمكتب الهيئة. وعقد اول اجتماع للأعضاء المملثيين في مكتب مدير المديرية بود مدني في يوم 8 مايو 1947. والآن لا يستطيع المزارعون ان يعقدوا إجتماع في مكتب باشكاتب).
شيخ اللمين رئيس مزارعي الجزيرة صار وزيرا في حكومة اكتوبر. وكان يتفقد المستشقيات ويحاسب العاملين والدكاترة ويطالب بحقوق اهل الجزيرة. ويقول نحن ناس الجزيرة بندفع ميزانية الدولة ويهز عصاه. شاهدته في براغ وهو محل حفاوة واحترام الدولة والسودانيين. وكان يذهب الى موسكو ويقابل بإحترام بوصفه زعيم نقابي. وضيف دولة..
الإضراب الذي حصل كان بسبب زيادة المرتبات ومال الاحتياط. بإيعاز من المصرين اصر المزارعون على تقسيم مال الاحتياط . فلقد كانت تقتطع مبالغ من مشروع الجزيرة لكي تصرف على السنين السيئة. في بداية الثلاثينات كانت الحواشة تأكل ولا تلد وهجر كثير من المزارعين حواشاتهم.
وكان في مصلحة مصر ان يضرب مزارعي الجزيرة. لأن حرب اكتوبر مثلا رفعت اسعار البترول. وحرب العراق الاخيرة قد جعلت سعر البترول يصل الى 150 دولار. واضراب الجزيرة كان سيجعل مصر منفردة في الانتاج. وعندما يجوع مزارع الجزيرة تنعم مصر بالسعر المضاعف.
اذكر ان انتاج القطن وصل في شمال اعالي النيل الى 8 قنطار للفدان. ولم يهتم اصحاب المشاريع مثل بركة العجب وابخدرة بالقطن المتساقط في الارض. بل ان بعض المشاريع قد اوقفت اللقيط وكان لا يزال هنالك بعض القطن في اللوز. ثم تدنى الانتاج في ايام نميري بسبب سياساته الخرقاء وتدخل الحكومة في ما لا تعرف. وصار الانتاج اقل من 2 قنطار للفدان.
من حسن الحظ ان الرجل الذي كان محافظ مشروع الجزيرة كان البريطاني مستر جيتسكل وهذا الرجل كان اشتراكيا وكان انسانا بمعنى الكلمة وكان يحب السودان حبا منقطعا النظير وبدأ حياته العملية في السودان. وعمل الى ان تقاعد في السودان. واورد عنه الاستاذ محمد عبدالله الكارب ان والده كان يعمل في بورما وانجب ولدين اكبرهما آرثر جيتسكل والثاني هيو جيتسكل الذي كان عضوا بارزا في حزب العمال ثم وزيرا للخزانة. وكان من المتوقع ان يكون رئيسا لحزب العمال الا ان عاجلته المنية وهو في عنفوان شبابه وحيويته وتطلعاته.
واما آرثر جيتسكل فهو الأكبر تخرج من الكلية الجديدة في جامعة اوكسوفورد. وكتب عنه استاذه المباشر يقول كان جديرا ان ينال درجة الشرف الاولى لولا الحيز الكبير الذي كان يأخذه انشغاله بالنواحي الانسانية.
ويمكن انا اورد ان شوقي بدري من دراساتي ان بعض الانجليز كان مسكونا بحب السودان والسودانيين وكانوا اصحاب رسالة ويؤمنون بمساعدة السودانيين. وان السودانيين هم من نبلاء البشر, ويستحقون المساعدة والاحترام.
ويقول بابكر بدري في الجزء الثالث من مذكراته عن نيوبولد الذي كان السكرتير الاداري للسودان والحاكم الفعلي. وهذا الرجل خدم السودان بتفان واجهد نفسه في ايام الحرب لدرجة انه مات من الاجهاد والتعب. وفي نهاية اجتماعه مع بابكر بدري, ان تقدم مع بابكر بدري الى نهاية السلالم ثم قبل يدي بابكر بدري مودعا كعادة السودانيين مع كبار القوم. وبابكر بدري كان كثير المشاكسة ومعارضة الانجليز.
عندما وضع اسم بابكر بدري في لجنة اقناع اهل الجزيرة بفائدة مشروع الجزيرة قال بابكر بدري بأنه ليست بمقتنع بالمشروع. ولم يغضب المفتش بل سأله عن سبب اعتراضه. وقال بابكر بدري ما معناه (الارض حقتنا انت عندك شنو؟. فقال المفتش ..انا عندي الموية!!..فقال بابكر بدري مويتك بتكب في البحر الابيض المتوسط..فسأل المفتش سؤال من يريد ان يعرف..طيب رأيك..الموضوع يتم كيف؟. فقال بابكر بدري..يحتفظ الناس بأراضيهم. والشركة تبيع ليهم الموية..وشطب المفتش اسم بابكر بدري وسجل كلامه)..
الاخ الاستاذ هلال زاهر سرور الساداتي متعه الله بالصحة والذي كان مدير لمعهد التونج ومسؤول تعليمي ذكر انهم عندما كانوا في رحلة الى بورتسودان كان فنان القعدات هو البريطاني هوبسن الذي يجيد الغناء السوداني. وكان هنالك انجليز يجيدون اللهجة السودانية مثل اهلها..احدهم كتشنر. وكان في رفاعة مفتش يؤلف الدوبيت. ولهذا احب جيتسكل وكثيرون غيره السودان بطريقة عقائدية.
ويواصل السيد الكارب..(تقدم السيد جيتسكل للعمل في مشروع الجزيرة وتم اختياره في شهر فبراير 1923 وكان وقتها في الثالث والعشرين من عمره. وكان ذلك حدثا فريدا في ذلك الوقت ان يختار شاب بريطاني تخرج من جامعة اوكسفورد الشهيرة للعمل في مشروع الجزيرة الزراعي الناشئ لتوه. بدلا من ان ينضم الى الصفوة من اصحاب الياقات البيضاء في الخدمة المدنية الممتازة في حكومة السودان المخصصة لخريجي الجامعات البريطانية الشهيرة.( والسودان لم يكن ابدا مستعمرة بريطانية بل كان تابعا لوزارة الخارجية..والبريطانيون كانوا يحترمون السودانيون كثيرا)…كان اول عمله مفتش غيط صغير في عام 1923 في تفتيش عبدالحكم. ولم تكن اهتماماته فقط بالنواحي الزراعية فقد ذهبت به اهتماماته الانسانية التي ذكرها استاذه الى ان يهتم بالناس الذين يعملون معه. فصادق الكثير من المزارعين وغيرهم. اذكر منهم الشيخ المغفور له الشيخ البشير احمد الطريفي خليفة ودالطريفي صاحب القبة المشهورة بقرية طلحة ودالطريفي. والشيخ احمد ابوسنينة. والشيخ مصطفى محمد الحاج ةعبدالله. والذي تعرف بواسطته على المغفور له الشريف بركات احمد طه بقرية الشرفة بشرق النيل الازرق. وكان يداوم على زيارة الشريف بركات طوال فترة عمله في عبدالحكم.
هذا الرجل افسد المؤامرة المصرية عندما كان محافظا للجزيرة التي انساق لها السياسيون والمزارعون واقسموا القسم الذي لا رجوع منه بأنه اذا لم تصرف لهم اموال الاحتياطي مرة واحدة فلن يزرعوا. وعندما طرح موضوع الاضراب على محافظ مشروع الجزيرة جيتسكل..قال لهم ما كان يؤمن به..ان الاضراب من حقهم. وحرف كلامه كنوع من التحدي. اي انه يقصد انتو اضربوا وشوفا انا حا اعمل شنو!!. ولكن بعد الاجتماع الاول ازيل سوء التفاهم. والادارة كانت تقول للمزارعين بأنه اذا صرفت لهم الفلوس فليس هنالك من البضائع ما يكفي في السوق وسيسبب هذا ازمة. ولكن عليهم ان ينتظروا حتى تستورد الدولة البضائع الكافية. لكي تستوعب الفلوس..وحلت القضية.
وتظل مصر دائما متربصة بمشروع الجزيرة..ويجب ان لا ننسى ان الحكومة البريطانية قد اممت مشروع الجزيرة في سنة 1950 وقدم كهدية للسودان. وتكونت لجنة حسب قانون مشروع الجزيرة لسنة 1950 (نمرة 19) ومجلس الادارة الاول متكون من المستر ساندرس مدير مديرية النيل الازرق وابراهيم بدري الذي استقال والمستر ار.ه .مان وعبدالحافظ عبدالمنعم والمستر جيتسكل والمستر بيكن والاستاذ مكي عباس الاشتراكي الذي صار محافظ الجزيرة و المستر شارب سكرتير المجلس (المراقب المالي)
shawgibadri@hotmail.com