صحيفة التيار 20 مايو 2020
هناك عدة محاور تحركها القوى الكارهة للثورة، تعمل متضافرةً، وغرضها، جميعها، إجهاض الثورة، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. لاحظت في الأشهر القليلة المنصرمة، أن القوى الكارهة للثورة تتحول من المحور المعين حين، يتضح أنه لم يأت بثمر، لتعمل على محور آخر. ولا أعتقد أن القوى المُنكِرة للثورة قد كرهت شيئًا في كل الحراك الذي جسد هذه الثورة العظيمة، مثلما كرهت ما سميت "لجان المقاومة". تميزت هذه الثورة على الثورتين السابقتين بأنها ثورة شارع بأكثر مما هي ثورة نخب سياسية. هذه الطاقة الرهيبة التي تفجَّرت في كل حيٍّ وفي كل قرية هي التي أجبرت نظامًا مدججًا بالسلاح، مرد على استخدام أقصى صور العنف، عبر عقود حكمه الثلاثة، على أن يجثو على ركبتيه ويستسلم. وكما يقول المثل "يُؤتى الحَذِرُ من مأمنه"، أي أن الشخص كثير الحذر يأتيه الخطر من حيث لا يحتسب. فهو بعد أن يسد كل الثغرات يأتيه الخطر الداهم من الثغرة التي ظنها أصلاً آمنة، ولا تحتاج منه إلى تأمين. استثمر الإنقاذيون عبر مناهج تعليمهم وإعلامهم في تجهيل الجيل الأصغر سنا، فكان هذا الجيل هو الأداة التي اقتلعت نظام حكمهم.
يحاول كارهو الثورة حاليًا شيطنة لجان المقاومة، من أجل تفكيكها وإضعافها عن طريق ضرب وحدتها، بمختلف الذرائع والأساليب. السبب هو أن لجان المقاومة أجهضت محاولة تحويل الثورة إلى انقلاب عسكري على يد الفريق عوض ابن عوف، والفريق عمر زين العابدين. كما قلبت الطاولة على القوى المحلية والإقليمية التي خططت لفض الاعتصام، وارتكاب مجزرته البشعة، بغرض إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والآن، فإن كارهي الثورة يعرفون أن لجان المقاومة هي السلاح المُجَّرب، شديد المضاءة، الذي يمكن أن يهزم أي انقلابٍ عسكري قادم. لذلك أصبحت هذه اللجان هدفًا رئيسًا لهم، فشرعوا في تخريب سمعتها بنسبتها إلى تيارات سياسية بعينها. وكذلك، بافتعال أعمال غوغائية وانفلاتات أمنية، ثم نسبتها إليها. بل ذهبت الشيطنة إلى أبعد من ذلك، لتصل درجة ربطها بالجريمة المنظمة.
لقد برهن طيف كارهي الثورة، المرة بعد الأخرى، أنهم قومٌ لا خلاق لهم. فهم لا يتورعون عن فعل أي شيء، مهما كانت خساسته ووضاعته، ما داموا قد توسموا فيه أنه يخدم غرضهم. ويبدو أنهم غافلين تمامًا عن الحقيقة الدينية البسيطة، وهي أن الاستثمار في الشر لا ينتج منه خيرٌ أبدا. لجان المقاومة هي الشعب الذي أذلوه وأذاقوه الأمرين عبر ثلاثين عامًا. هي الضمير الأخلاقي لهذه الأمة الذي رفض الضيم والظلم والعنجهية، ووقف في وجه الطغاة بصدورٍ مكشوفةٍ ماهرًا ثورته بدمٍ عزيزٍ غزير. في هذه اللجان شبان وشابات وُلدوا وترعرعوا في بيوت العز الزائف المشيدة بمال السحت، لكن ذلك لم يمس شيئًا من معدنهم، وهذا من فضل الله عليهم وعلى أهلهم. فقد برهنوا بالفعل، لا بالقول، أنهم أنقياء أتقياء، ملكوا الضمير والوازع الديني الذي جعلهم يقفون مع الضعفاء. إن معركة هذه الثورة مع خصومها معركةٌ أخلاقية، بالدرجة الأولى. ولن تكون لهذه البلاد رفعة إلا إذا تأسس عهدها الجديد على منظومةٍ أخلاقيةٍ جديدةٍ، نقيضةٍ لما ظل جاريًا منذ الاستقلال.