الثورة وأهمية تصحيح المفاهيم
لقد فشل جيلنا، جيل الشيوخ، لسبب أو لآخر، في إسقاط الإنقاذ فمكثت فينا ثلاثين عاما إلى أن اسقطها الشباب، ويبدو أن ذلك خلق فينا نقاط ضعف، تمثلت في حرصنا على التكتم على اخفاقات الثورة خوفا من الشماتة أو حتى لا يحبط الشباب كما يقول بعضنا، كذلك تمثلت في حرصنا على مسايرة عواطف بعض الشباب، أو ما نتخيل نحن انه يرضي الشباب مهما كان مخالفا للمسلمات، أقلها الحق في إبداء الرأي .
في حوار مع الراكوبة الإليكترونية ومقال كتبته بمناسبة مرور عام على مجزرة الإعتصام، قلت رأيي في بعض مواضيع الساعة، احد الشباب ارسل لي في الخاص "كوز مندس" وأحدهم "خذلتنا" وثالث " لعنة الله عليك إلى يوم الدين" ورابع "تجرح وتداوي" .
أما تعليقات بعض أفراد جيلنا " كلامك بيحبط الشباب" - " كلامك صحيح لكن التوقيت غير مناسب" - "حتعرض نفسك للشتائم" - " كلامك قد يفهم بأنك ضد اللجنة وضد التفكيك" - " اتفق معك في الرأي واهمية اعلانه".
من باب تصحيح المفاهيم، اقول بأني لا اجرح لأداوي، لكن وحتى يدرك كل طرف ما عليه من دور ، قصدت التركيز على جرائم أهل الإنقاذ لأن حجم ونوع الظلم الذي وقع منهم، وعدم الحياء الذي ظل يلازم سلوكهم حتى بعد سقوط دولتهم، يستوجب تذكيرهم بجرائمهم، ثم ركزت على أهمية استقرار الدولة والتعافي المجتمعي، في إطار الحقيقة والمصالحة، وهي بأي حال لا تعني التغاضي عن جرائم الفساد او الإفلات من العقاب.
وسيظل علينا نحن جيل الشيوخ، وفي إطار قناعات كل منا أن نعمل على تعتيق وعي الشباب بالحكمة الناتجة عن التجربة، وان ننظر للاختلاف في وجهات النظر بيننا كشيوخ، كدليل عافية منحتنا لها الثورة، وان النقد والتناصح أمر لا بد منه لتصحيح المسار .
في تقديري أن الثورة تعيش أهم وأخطر مرحلة من مراحل مسيرتها نحو تحقيق غاياتها المرجوة، ولن يكون ذلك إلا بالتمسك بالقيم والمبادئ التي تنادي بها، فإن كان لجيلنا أن يكفر عن اخفاقاته، فليكفر عنها ببث المفاهيم السليمة في أوساط الشباب، دون خوف من أن يتهمنا أحدهم أو يشكك في انتمائنا، والا كان ذلك يعني أن يحمل بعض الشباب صكوك الوطنية.
ونحن نحاول بث المفاهيم، أرى أن لا نتكتم على مسائل تشكل اخفاقات في مسيرة الثورة، بحجة الخوف من الشماتة أو عدم إحباط الشباب، فمهما كانت درجة الحرص فإن مسيرة الثورة ستكتنفها الأخطاء والعقبات، ولا سبيل لعلاجها الا بالاقرار بها ومواجهتها.
كلنا نعلم بأن الحكومة وتنفيذا للوثيقة الدستورية قامت بتشكيل لجنة تحقيق في مجزرة الإعتصام برئاسة الأستاذ نبيل اديب وعضوية مولانا أحمد الطاهر النور وآخرين، مولانا أحمد من القضاة السابقين وقد عرف بالمهنية العالية، كقاضي وكمحامي، وقد تدرب على يديه الكثير من القضاة والمحامين، بالأمس فوجئنا بخبر استقالته من عضوية اللجنة، فحرصنا على التواصل معه، فكانت أسبابه أن اللجنة بكل أهميتها ومهامها الجسيمة لم يجهز لها مقر الا بعد ثلاثة أشهر من تاريخ أداء القسم، حيث قاموا بإعلان المواطنين للإدلاء بما لديهم من معلومات، فتقدم ثلاثة الف شخص تم استجوابهم بواسطة وكلاء نيابة في محضر يفوف الثمانية الآف صفحة، كما تم تجميع عدد كبير من المستندات واشرطة الفيديو، وقامت اللجنة بحصر أسماء 120 شخصا لتستجوبهم بنفسها،
لكن قبل أن تباشر اللجنة عملها بقراءة المحضر والإطلاع على المستندات ومعاينة أشرطة الفيديو واستجواب من رأت استجوابهم، والتخطيط للطواف على ولايات السودان، تم اخلاء اللجنة من المقر، ولم يحدد لها مقرا بديلا الا قبل عيد الفطر بيومين، ولم يتم استلامه بسبب الإجراءات الصحية السارية.
كذلك تحدث مولانا أحمد عن عدم رصد أي ميزانية للجنة أو تقديم المعينات اللوجستية المطلوبة، وأضاف أن مقرر اللجنة المستشار العام عثمان محمد عثمان قد استقال في الأسابيع الأولى من عمر اللجنة.
هذه الإفادات تصطدم وبقوة مع الأخبار التي ظل يصرح بها رئيس اللجنة الأستاذ نبيل، وبصورة تلقي ظلالا كثيفة من الشك حول مصداقية ما كان ستخرج به اللجنة.
ان تصريحات استاذ نبيل التي تكذبها إفادات م أحمد ، بالإضافة إلى التجاوزات الخطيرة للسيد النائب العام، بشأن ملفات الفساد المتعلقة بشركة سين للغلال والتركي اوكتاي وغيرها، لا معنى للتكتم عليها بحجة أنها تشكل انتكاسة للثورة وأنها ستحبط الشباب، فما وقع من المذكورين لا ينسب للثورة ولا يشكل انتكاسة في حقها، لكنه ينسب لشخصيهما، فكل نفس بما كسبت رهينة، فيجب عليهما التنحي.
ويبقى على الدولة وحاضنتها تجاوز ذلك، بالوضوح وعدم التكتم وبالوقوف على مواطن الخلل وعلاجها، وإنه لأمر مؤسف أن يستقيل مقرر اللجنة قبل عدة أشهر ويستقيل مولانا أحمد قبل اسبوع، ولا تقوم الحكومة بإعلان ذلك، ليستمر استاذ نبيل يدلي بتصريحاته وكأن كل شيئ يسير على ما يرام.
ان عدم اهتمام الحكومة بتجهيز المعينات اللازمة للجنة التحقيق في مجزرة الإعتصام، بما يمكنها من أداء مهمتها، أمر يمكن أن يضع علامات الاستفهام حول جدية الحكومة في إنجاز هذا الملف بالشفافية المطلوبة،
على الحكومة أن تدرك الخطورة المترتبة على ما انتهى إليه أمر اللجنة بعد كل هذا الانتظار، بما يمكن أن يعد مدخلا للتدويل، فما وقع في ميدان الإعتصام يدخل في مفهوم الجرائم الدولية، ولذلك لا بد من الإسراع في إعادة تشكيل اللجنة، بما يحقق كفاءتها واستقلالها وان توفر لها كل المعينات المطلوبة.
وعلى الحكومة أن تدرك خطورة ما كشف عنه مولانا أحمد الطاهر وتواجه الشعب بالحقائق، والجهة التي تعمل على التعويق، واعتقد ان مولانا أحمد أسدى خدمة عظيمة لوطنه فلا أحد يتصور ما كان سيحدث لو أعلن استاذ نبيل تقريره.
عبد القادر محمد أحمد
المحامي
aadvoaahmad2019@gmail.com