ما بين أنانية نظام الإنقاذ والخيانة الوطنية خيط رفيع!

 


 

 



أشركني صديقي عبدالمنعم محمود بكري في خاطرة، وأردت أن أشرك جميع الشعب السوداني فيها. من منا لم يردد في صباه سراَ أو جهرا أو "يا ربنا يا ربنا يا قادر...يا واهب كل الشيء النادر"، دون أن يطلق لخياله العنان ليحدد ما هو الشيء النادر! ودون أن يتسأل لماذا يقصر خياله عن تصور ذلك الشيء النادر! ثم تمر الأيام حبلى بالأحداث والذكريات، بينما يردد أخر "لو زرت مرة، جبل مره...يعاودك حنين طول السنين"؛ أو "جبل التاكا القلبي حباكا"؛ " حبيت عشانك كسلا...."؛ "يا مسافر جوبا..يلا لي جوبا"؛
لعل معظم السودانيين لم يتمتعوا برؤية هذه الأماكن الخلابة ولا برؤية منظر مقرن النيلين، ناهيك عن عرائس البحر الأحمر أركويت، ومحمد قول في الشرق؛ أو عروس الرمال أي مدينة الأبيض وبارا وصولا إلى الجنينة وأبوجبيهة في الغرب، أو القرير وحلفا دغيم في الشمال.
يظل السؤال لماذا لم تتاح لكل منا زيارة تلك الأماكن، في حين أن الحلم هو أن تتحقق لكل مواطن حرية التنقل والتملك والعمل في أي منطقة في السودان. ويظل الحلم الأكبر أن تزول تلك الموانع المتمثلة في الصراعات السياسية والإدارية والقبلية التي تحرم الجميع من كثير من المناظر الخلابة. فيتمتع الجميع بمحمية الدندر و جزيرة سنجانيب وسواكن وغيرها من جنات الله في السودان.
هذه الصراعات تحرم الكثيرين من الشعب السوداني من الاستفادة من كل الإمكانيات الطبيعية ومن البترول والذهب وبقية المعادن النفيسة. نعم، إن أنانية نظام الإنقاذ تسببت في حروب قبلية وصراعات جهوية منعت الاستفادة من مئات الملايين من المساحات الصالحة للزراعة ومصادر مياه المتنوعة من الأمطار ومياه النيل والأنهار والروافد والخيران الموسمية، ومنعت الاستفادة من الثروة الحيوانية التي تقدر بمئات الملايين من الرؤوس.
يا له من غباء أو عمالة أنغلق فيها ساسة وعسكر نظام الإنقاذ "الكيزان" فتسببوا في إهدار كل خيرات السودان حتى انه يتم حلب الألبان و دلقها على الأرض لعدم وجود تقنيات لحفظها واستثمارها. وتترك الفواكه بلا جني فتنضج و تسقط على الأرض وتتعفن وتسبب في أمراض مثل الدسنتاريا والكوليرا!.
نعم أنها لمصيبة حلت بالسودان خلال الثلاثين عاما الماضية بوجود نظام الإنقاذ الاستبدادي الفاسد الذي لم يكن يهمه سوى البقاء في السلطة فأغمض عينيه عن الصراع الاقتصادي العالمي حول موارد السودان!.
ما يدعو إلى الاستغراب أن قادة نظام الإنقاذ رضخوا لكل شروط أمريكا بما فيها السماح لها بتشييد أكبر سفارة أمريكية في إفريقيا بالخرطوم،. بل ورضوا بتسليم الأمريكان كل المعلومات عن الحركات والجماعات الإسلامية في الدول العربية والإسلامية مقابل أن يبقوا هم في كرسي الحكم! وسمحوا بدخول قوات الأمم المتحدة المسلحة بعشرات الآلاف للسودان، ولم يستنكر أي عالم أو شيخ أو إمام مسجد ذلك الوجود الإستيطاني!!!، ثم يأتي الشيخ هاشم جلاب وبنفس الابتسامة الصفراء لزميله د. الجزولي ونفس الأدائية الهزيلة لزميله د. مهران ، ليحض القوات المسلحة السودانية على الانقلاب على حكومة حمدوك الانتقالية فيقول (حمدوك ولّى الخونة لدين الله لقران الله لشريعة الله، ولى علينا المتردية والنطيحة وما أكل السبع، لذلك انهارت البلاد،.....هذه خيانة والعجب أنه لم يسأل ولم يحاسب ولم يقال.... متى اشتريتنا لتبيعنا... هذه هي العمالة... حمدوك يعرف أن قواتنا المسلحة لا تعينه على" أجندته الكفرية..لا تعينه على حماية بيوت الدعارة، لا تعينه على حماية بيوت الخمارات.. لذلك يريد قوات كافرة لتحمي الكفر في بلادنا...رسالة إلى قواتنا المسلحة المسلمة.. أينقص الدين وانتم على قيد الحياة...أن أول واجب على القوات المسلحة حماية الدين...... أقول لقواتنا المسلحة على مختلف الرتب والدرجات أقول لهم قوموا بواجبكم .... نحن أخوانكم والله إذا نادى منادي الجهاد لن نتردد في حمل السلاح وتطهير البلاد من الشيوعيين والجمهوريين والعلمانيين .. فيا معشر جنودنا قوموا بواجبكم )!!! يظل السؤال أين كان هؤلاء الشيوخ عندما دخلت القوات الأممية بعشرات الآلاف للسودان ولا تزال هناك منذ عشرات السنين؟؟؟
أن الرفض الشعبي لنظام الإنقاذ وللاستبداد "الكيزاني" الوحشي هو الذي أدى لثورة الشعب و أتى بالحكومة الانتقالية برئاسة د. حمدوك وهي حكومة انتقالية لا تملك لا المال ولا السلاح للتسلط أو الاستبداد بأي قرار.
إن استمرار يقظة الشعب أفرادا وجماعات لخطط نظام الإنقاذ "الكيزان" الارتدادية ورفضها مع المحافظة على السلمية و المساعدة في استقرار الأوضاع حتى قيام انتخابات نزيهة تأتي بمن يختاره الشعب، ثم ابتدأ المرحلة الأولى من التداول السلمي للسلطة هو بلا شك الضامن الوحيد لوحدة السودان وتقدمه ونموه وأعماره ونهضته .فينعم السودانيون بالمناظر الخلابة في ربوع السودان المختلفة التي حرموا منها طيلة سنين الإنقاذ العجاف.
ويعرف العسكر والساسة والشيوخ في نظام الإنقاذ أن ما اقترفوه في حق الشعب السوداني وإهدار موارده يعتبر خيانة وطنية لن يقبل الشعب السوداني تكرارها في المستقبل.
أنشد الشاعر هاشم صديق

"يا شوارع يا مُدَرِسّة
زيدي درسك وعَلِّمينا
وأبقِي ديمة المعنى فينا
خير يدفق
ونور بيشرِق
في البوادي وفي المدينة
وقولي لي تاريخنا سجِّل:
لو غلطنا
تاني صَحَحْنا وصحينا
ولو زمان سوونا مُتنَا
حصة من درسِك حيينا
بس يا شوارع فتّحي
واتكلمي و إتفجري
وهُزي المدينة".


wadrawda@hotmail.fr

 

آراء