قلنا مرارا وتكرارا إن سيطرة أقلية الجلابة على البلاد منذ عهد الاستعمار الخارجي، سببها أبناء الهامش أنفسهم ممن يغردون خارج سرب المقتضى العام للسياق المطلوب منهم توحيد الجهود من أجل مناطق الهامش وقضاياها العادلة والمشروعة. هؤلاء "الهوانات" كما يطلق عليهم أهلنا البقارة، من فئة المثقفاتية المحسوبين على السلطة، هم الأداة التنفيذية لسياسات نظام الأقلية الحاكمة في السودان، وهم الذين يقومون على تدمير الحياة الاجتماعية وتشويه صورة أهل الهامش، فهم القائمون على تبرير الممارسات اللاأخلاقية للنظام، وهم المدافعون عن ممارسات الإقصاء للفئات الشريفة الحرة عن ممارسة دورها في المجتمع.
بالله عليكم.. قولوا لي! هل كان بإمكان النظام السابق أو أي نظام آخر، هزيمة الحركات الدارفورية المسلحة دون الاعتماد على أبناء دارفور أنفسهم، وتجنيد أصحاب الأقلام الانتهازية المنافقة وأصحاب الشهادات الكرتونية؟ وهل كان بإمكان النظام السابق ومليشياته، الانتصار على الجيش الشعبي ولو في معركة واحدة في المنطقتين، لولا اعتماد النظام على أبناء المنطقتين أنفسهم الذين مات ضميرهم.. وعندما يموت الضمير، يصبح طعم الدم لذيذ كعصير البرتقال .. تهون الأوطان و يُزيف التاريخ؟ لكن هل استخدام "الجلابة" لأبناء الهامش كأداة لتنفيذ مخططاتهم واجنداتهم الخبيثة ضد المواطنين العزل في مناطق الهامش، يعفيهم عن المسؤولية؟ طبعا الإجابة على السؤال أعلاه، بلا كبير. لأن الجلابة هم سبب كل البلاء.. هم سبب انتشار ثقافة الجبن والكذب.. هم سبب تدني المستوى السياسي والأخلاقي والديني.. هم سبب ووووولخ. هم رأس الأفعى في السودان، وقطع رأس الأفعى حتمي، حتى يتقدم السودان خطوة للأمام نحو دولة المساواة والمواطنة الكاملة. ولطالما الحديث هنا تحديدا يدور عن عبدالفتاح البرهان الذي كان يسمي نفسه "بإله قبيلة الفور"، فالتركيز سيكون عليه وحده، سيما بعد تسليم علي كشيب نفسه للجنائية الدولية، وهو الرجل الذي عمل عن قرب مع البرهان في دارفور لعدة سنوات. عبدالفتاح البرهان قال، أنا "رب الفور". هذه الجملة وردت في سياق حديث الرجل لبعض من أهالي قبيلة الفور بعد أن دمر قراهم وحرق منازلهم وقتل أطفالهم، حيث قال: أنا ربكم الأعلى، وأنا رئيسكم الأعلى، وأنا صاحب القرار الأوحد، وأنا من يقرر مصائركم، وأنا من يجعل حياتكم سعيدة، أو أجعلها كلها مآسي وشقاء وعذاب. رجل يصف نفسه بأنه "إله الفور" عزيزي القارئ، لابد أنه قد ارتكب من الجرائم ضد هذه القبيلة وغيرها من القبائل ما يندي لها جبين البشرية جمعاء. فسؤالنا هو، هل سيسلم عبدالفتاح البرهان نفسه طوعا للجنائية الدولية على خلفية هذه الجرائم كما فعل علي كشيب وأصحابه؟ عبدالفتاح البرهان كان ضمن الضباط الذين أوكل اليهم المخلوع عمر البشير مهمة تدريب مليشيات الجنجويد على كيفية استخدام السلاح. فعلى يده واشرافه، تعلم محمد حمدان دقلو وعلي كشيب والشيخ موسى هلالي ومجرمين آخرين، استخدام كل أنواع السلاح، من صواريخ محمولة على الأكتاف، وأسلحة محرمة دوليا وغيرها من الأسلحة التي كانت تتدفق الى دارفور من كل الإتجاهات. بإشراف مباشر من عبدالفتاح البرهان، قُتل ما لا يقل عن خمسمائة ألف مواطن دارفوري على يد مليشيات الجنجويد ومليشيات الجيش السوداني حسب إحصاءات للأمم المتحدة. وبأوامر مباشر منه لقادة المليشيات، تم احراق الكثير من القرى والزرع والشجر. وبأوامر منه، تم تشريد وتهجير ملايين المواطنين الدارفوريين من قراهم وبيوتهم. وبأوامره المباشرة، تحول معظم إقليم دارفور الى معسكرات مكتظة بالنازحين حتى اليوم. السؤال المهم هو: كيف لشخص بهذا التأريخ الدموي أن يكون حرا طليقا، ليس هذا فحسب، بل على رأس مجلس السيادة السوداني؟ عزيزي القارئ.. إن ضمان مبدأ عدم الإفلات من العقاب يقتضي بالضرورة مساءلة ومحاسبة سائر المسؤولين المباشرين وغير المباشرين عن الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وعليه يتجه الملاحظة بأنه يتعين أن تتسع دائرة المساءلة والمحاسبة لجميع الأشخاص الذين تورطوا في الإنتهاكات، سواء بشكل فعلي ومباشر من حيث الممارسة أو بالتعليمات والتغطية، لتشمل المحاسبة المورطين بصفة مباشرة والمتورّطين بصفة غير مباشرة في طمس حقيقة الإنتهاكات. الهدف الأساسي من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية هو منع إفلات أي مجرم من العقاب مهما كانت حصانته، ومهما كان وضعه السياسي. فبات رؤساء الدول والمسؤولين اليوم في شتى دول العالم، يدركون جيدا أن الهروب من المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبونها، ليس بالأمر السهل.. فهل يدرك (إله الفور) عبدالفتاح البرهان هذا الأمر ويسلم نفسه طوعا للجنائية الدولية كما فعل علي كشيب؟