في رثاء ابراهيم منعم منصور: نودّع فيك العلم والبساطة والأدب !!

 


 

فضيلي جماع
17 July, 2020

 

 

ودعت بلادنا اليوم علماً من أعلام الإقتصاد وحكيماً من حكمائها :"الناظر" إبراهيم منعم منصور كما يحلو لمحبِّيه أن ينادوه. 

لن أكتب في هذه الخاطرة القصيرة - وهي كلمات عزاء أسوقها لأسرته ومحبيه - عن عالم الإقتصاد الذي كلما عدّ الناس على رؤوس الأصابع أنجح وزراء الإقتصاد في تاريخ بلادنا لمع اسمه كما يلمع نجم في السماء. فذاك شأن أتركه لعلماء الإقتصاد ودارسيه. سأكتب في هذه الخاطرة القصيرة عن سوداني أرادت علائق الصداقة والتواد بين الأفراد والأسر أن تجعله بمثابة أخي الأكبر. والأغرب أنّ الراحل المقيم كان من آخر من عرفت من أبناء ناظر عموم عشيرة حمر منعم منصور. ذلك أنّ صداقة أعتز بها حتى اليوم جمعتني بناظر قبيلة حمر الحالي الأستاذ عبد القادر منعم منصور كانت من العراقة وحسن التواصل أن تخطت شخصينا إلى الأسرتين. وعبد القادر منعم منصور أمد الله في عمره - ولمن لا يعرفه- من دفعة شاعرنا الكبير محمد المكي ابراهيم في خورطقت الثانوية. وهو شاعر عامية مطبوع ، ومن تلاميذ شاعر الحقيبة الفذ حدباي، وتلك قصة أخرى ليس هذا المجال الحزين مجالها.
عرفت إبراهيم منعم منصور عبر بوابة صداقتي مع أخيه الناظر عبد القادر منعم . وأعترف بأني كنت متردداً، بل كنت غير متحمس في البداية لمعرفة الرجل- طبعاً لم أقل هذا لصديقي الناظر عبد القادر وإن خلت أنه لمس توجسي. كنت متردداً لأني وضعت صورة للرجل هي في مخيلتي ليس إلا. كنت أحسبني سألتقي شخصاً مسكوناً بعظمة السلطة التي عاشها في بيت زعامة لواحدة من كبريات عشائر كردفان ، قبيلة حمر العريقة. وربما تجذرت فيه بحسبان أن التاريخ السياسي في بلادنا وضع الرجل في مرتبة سامية كواحد من أفضل وزراء الإقتصاد في تاريخ بلادنا المعاصر. حملت كل هذا في داخلي وأنا أقصد بيت الرجل لأول مرة مع أخيه صديقي الناظر عبد القادر منعم منصور. وعبد القادر يعرف ما بيني وبين السلطة وقبيل السلطة من عداء لسبب وبدون سبب!!
كانت أولى المفاجآت أن وجدتني في حضرة شخص هو البساطة تسعى على قدمين. ابتسامة يستقبلك بها ويودعك بها. وروح دعابة وخفة ظل تنسيك أنك في حضرة وزير سابق وعلم من أعلام بلادنا. ثم إنني أحببت في إبراهيم منعم ثقافة ومعرفة بالعلوم الإنسانية ما لم أكن أتخيل. وعلى الرغم من معرفته بسحرية المعادلات في الإقتصاد إلا إن لغة إبراهيم منعم حين يكتب مقالاً في الشأن السياسي تسير على منوال من حذق العربية من ينابيعها الأصل: القرآن الكريم وأوابد ما في ديوان الشعر العربي في عصور ازدهاره ، وما نضح من بديع نثر الجاحظ وابن المقفع. كل هذا والرجل يحدثك بتواضع يخجل تواضعك. كل هذا وفي الرجل خاصة تصوف يعرفها أقرب المقربين منه، لكنها يجهد دائماً أن يخفيها.
كان إبراهيم منعم - له الرحمة - ولسنوات طويلة يعاملني في شخصي لا محسوباً على أخي علي جماع - وبينهما تبادل احترام يصل حد الصداقة القوية. ولا يعطيني هذه الدرجة من المحبة لأني صديق أسرة الناظر منعم منصور.. كنت أحس أنه يكبر في شخصي أشياء أخرى ، لا يقولها أمامي ، لكنه يترك لي فطنة أن أواصل السعي فيها. زرته في عودتي الأخيرة للوطن. وصلني عتابه الجميل عبر أخي علي، فقد وصلت ، وهو بما يعاني من متاعب الشيخوخة لا يقدر أن يصلني. هرعت إلى بيته وكلي اعتذار. صافحتني ابتسامته الصافية الصادقة.. همس قائلاً: يا استاذ نحن اشتقنا ليك يا خي. دا سبب سؤالنا !!
عشت حياً وميتاً أخي " الناظر" وعالم الإقتصاد إبراهيم منعم منصور. والعزاء موصول لأسرة الناظر منعم منصور ممثلة في الصديق الشاعر الناظر عبد القادر منعم منصور ولإبنيك محمد والماحي ولزوجتك الفاضلة ولأهلنا عشيرة حمر ولكل محبيك وأحبابك وما أكثرهم في العدد وما أكير ما حملوه لك من محبة وطيب ذكرى.
اللهم تغمد عبدك إبراهيم منعم منصور بواسع رحمتك، وأنزله أعلى المراتب إلى جوارك.

فضيلي جمّاع
لندن
18/07/2020


fjamma16@yahoo.com

 

آراء