عالمنا المفقود

 


 

شوقي بدري
22 July, 2020

 

 

shawgibadri@hotmail.com

ابنة اخي هالة كمال ابراهيم بدري عاشت اثناء طفولتها في بريطانيا ودول اخرى . لها قامة طويلة ورشيقة تبدو دائما انيقة تتكلم الانجليزية بطلاقة وتعيش اليوم في امريكا منذ فنرة طويلة . سألها احد المناكفين عن مسكنها في السودان رفضت الاجابة مثل قالت له بلسان رباطابي . انت بتكون ،، البيبي ستر ،، بتاعتك حواء كلاب . مش كده ؟ ضحك الرجل وقال لها . انا كدة اتأكدت من انك من العباسية لانوا مافي زول بيعرف حواء كلاب الا ناس العباسية . منزل اخي كمال ابراهيم بدري يفتح على حواء كلاب ومنزلنا شرق حواء كلاب مباشرة .
البارحة كنت افكر في عالمنا المفقود ، روعة الاخاء ،التلاقي بدون قيود وبكل حب واريحية، لا يفرقنا شئ . وفي الصباح اتصلت باخي نور الدائم عبد الرحمن عثمان ... كابتن ،،كتريا،، مدرب فريق العباسية في عهدها الذهبي . واكملت منه بعض معلوماتي عن فريق عمايا الذي سكنا على اطرافه . ومن هذا الحي استوحيت القصة القصيرة عنوان المجموعة القصصية ،،المشبك ،،. اولاد فريق عمايا كانوا يعاقبون اصحاب الكارو الذين يقفلون الزقاق الضيق بعرباتهم وجيادهم ، عندما يدخلون بيوتا معينة للشرب . ويبدا الحصان في الصهيل والركل الى ان يسقط مشبك الغسيل من خصيته . ويتعلم العربجي ان يترك عربته بعيدا .او في الشارع الواسع .
كما اوردت في حكاوي امدرمان فالحي الصغير شرق ميدان االربيع كان مسكنا للكثير من المكفوفين . واغلبهم قد اتي من اماكن بعيدة احتضنتهم امدرمان واهل امدرمان بعضهم كانوا من الاحباء ورفاق الدرب . من اصفيائي اخي علي على الله له الرحمة . علقت ذكراه بعقلي لايام عديدة وكأنه يخاطبني بادبه الجم . وكنت احن الى رفقته الجميلة ولطفه . كتبت موضوعا عنه وعن صداقتنا . وبعدها بشهور انتقل الى جوار ربه بسبب عملية صغيرة في قدمه ، ولم يستيقظ من البنج . طيب الله ثراه فهو جزء من عالمنا المفقود .
الحي وما حول الحي كان وطنا لوزراء مالية خارجية اعظم الشعراء ، الكتاب الفنانين خيرة لاعبي الكرة الاطباء المهندسين رجال التعليم الدين ومشاهير السودان . كما ضم ،، العمايا ،، . بعضهم اتجه الى التسول لكي يعيش . وكان يمكن مشاهدة ما نسميه بالقطر يقوده طفل يمسك عصا احد المكفوفين الذي يمسك بعصا الكفيف الذي خلفه . وعند عبور الشوارع الكبيرة يتوقف اصحاب السيارات للقطار بدون تأفف ، فهم مثل سائق العربة في طريقهم الى عملهم . يوصلهم الطفل الى مكاتبهم المختارة والتي لا يتعدى عليها الآخرين . الروعة انه في عالمنا المفقود كان الجميع يعيشون بسلام وتقبل للجميع .
في وسط فريق عمايا كانت هنالك شجرة لالوب ضخمة تتوسط حوشا كبيرا يسكنه عشرات المكفوفين . لم نعرف من هو صاحب الدار واظن ان احد اهل الحي قداستضافهم ففي ذلك العالم المفقود كان الناس كرماء وسباقين لعمل الخير . عرفت اليوم من اخي كابتن كتريا انه بعد اختفاء العمايا صار الابناء والاحفاد من رجال المجتمع ، ان المنزل قد اشتراه المهندس محمد حامد من اسرة ابو جقلو الذين كان لهم منزلا جميلا في الحي بحديقة رائعة في شمال فريق عمايا
من الاعمام العمايا حاج احمد والعم عبد الله والد الاخ تنقو ، وكل هذه السنين لم يعرف في عالمنا المفقود الا بتنقو. اسمه الحقيقي كما عرفت من كابتن كتريا هو على . ما اذكره بوضوح عن تنقو حادثة عندما كنت في الثانية عشر من عمري شاهدته يطالب من الاخ بهاء الدين محمد مصطفى الكمالي الذي صار من كبار ضباط البوليس ونحن في طريقنا لسينما العرضة ان يعود ادراجه ولا يمر بشارعهم ، كالعادة القديمة بين الاطفال والصبية . الاخ محمد بشير هاشم والذي صار ضابطا فيما بعد طيب الله ثراه تدخل لصالح بهاء الدين ولانه من سكان العباسية وصديق تنقو ، تحصل بهاء الدين على تأشيرة دخول . تنقو كان قويا بشكل واضح وصار فيما بعد من فتوات العباسية .
العم حاج احمد هو والد على شلوفة نسبة لشفته السفلى الضخمة . ذكرته كثيرا في كتاباتي كان لطيفا يبعد عن العنف عندما صار صاحب ثروة كان من اكرم البشر كاضافة لعالمنا المفقود . علي كان قريبا من جيرانه آل على الله والاخوة الاربعة الاشداء ووالدهم الرجل الكريم الذي كان في القوات النظامية . كلما اسمع كيف كيف تقسم المجتمع وتنافر الجيران وانقسموا الى طبقات ، قبائل واحزاب . اتحسر على عالمنا المفقود .
كان هنالك منزل اصغر يسكنه بعض المكفوفين ليس بعيدا عن بيت العم احمد ابراهيم والد الايقونة فاطمة ، الشاعر الاديب صلاح والمهندس الاديب مرتضى . لا اعرف صاحبه وربما ان العم مصطفي اقور والد زميل الدراسة وجارنا عزالدين قد اشتراه بعد انتقال العمايا . العم مصطفى اقور كان محاسبا واشترى بضع منازل في الحي . كنا جميعا كأسرة كبيرة ، ما يهم الفرد يهم الجميع . ولا نزال نتسقط اخبار الاخوة وابناء من انتقلوا من عالمنا .

ما عرف بعمى الجور لا يوجد له علاج ولهذا اصاب الكثير من الناس. وفي بعض الاحيان لم يجوا تعاطفا بسبب عدم الفهم .............

اقتباس
داء كلابية الذنب أو " العمى النهري"،، مرض طفيلي تتسبب به الدودة الطفيلية الخيطية المسماة كلابية الذنب المتلوية، [1] ومن أعراضه الحكة الشديدة وكُتَل تحت الجلد والعمى؛[1] حيث أنه يعدّ ثاني أكبر مسبب للعمى بعد التراخوما]
تنتقل الدودة الطفيلية بواسطة اللدغات المتكررة من الذبابة السوداء

اقتباس
قهوة على شلوفة .
__________

الشارع الذى كان يمتد من الملجه فى السوق الكبير الى شارع كنيف الميرى الذى يبتدى من دكان العدنى وطابونه حجوج ينتهى فى شارع الشنقيطى . ولان الملجه تمتلئ ببائعى الخضار والبطيخ والفاكهه فى الصباح . والجزء الشرقى كان سوق الطبالى حيث تباع الخردوات والملابس الجاهزه , والشارع يغص بالجزمجيه والنقلتيه والمصنوعات الجلديه , فلذا كانت القهوه عامره . وهى تواجه مطعم صبير . الذى اشتهر باعظم فول فى امدرمان لانه كان يقدم بالسمن البلدى ذائداً الطيبات الاخرى . وان كان فى المنطقه مطاعم بلديه .
صاحب القهوه كان السمانى . وعمل معه على وكان يساعده جاره وصديقه سيد ود ابونا . والاثنين من العباسيه .على عرف بعلى شلوفه لضخامه شفته السفلى . على كان من فريق عمايا . وهو حى صغير يتكون من بضع ازقه . وهو شرق ميدان الربيع . وكنا نسكن على بعد اقل من مئتين متر شمال فريق عمايا . وغرب فريق عمايا كان يسكن الاستاذ المبارك ابراهيم احد مشاهير الاذاعه ومقدم حقيبه الفن وهو اديب ومغنى له اسطوانات منذ عهد الحقيبه . بدأ حياته ككاتب فى مستشفى الارساليه . وبعد منزله منزل العم احمد ابراهيم والد فاطمه وصلاح والآخرين . وعرف ب فريق عمايا لان كثير من سكانه كانوا من العمايا . ويشاهد المرء عدة مكفوفين كل يقبض على عصا المكفوف الذى امامه ويقودهم صبى لكى يقوم بتوزيعهم على عدة مواقع استراتيجيه . لكى يمارسوا مهنه الشحده .
من اشهر المكفوفين كان يا فراج . لانه كان يردد بصوت عالى يا فراااااااج وهو كسيح مصاب بضمور العضلات . ويتواجد امام الجامع الكبير ومنطقه السوق . وفى المساء يردد يا فرااااج حق العشاء يا رب . وفى احد المرات تضايق منه احد المساطيل وقال له ( لو اديتك فرينى حتقوم تمشى ؟. ) ووقتها كان الفرينى يكفى لعشوه . يا فراج مات فى سنه 63 فىالمساء وكنا فى قعده فى منزل الفنان الزين قبور رحمه الله عليه وشقيقه اللبخ بوجود الفنانه منى الخير والعازف اكرت . واتى من خبط على الشباك قائلاً الحله فيها جنازه وكان ذلك يا فراج . وذهبنا لحمله الى مقابر حمد النيل .
بعد مرض السمانى النفسى . صار على شلوفه معلم وصاحب القهوه . وهذا شئ غير عادى فى امدرمان قديما لانه كان قد تخطى العشرين بسنه او سنتين . وكان سيد ود ابونا ساعده الايمن . وهذه روعه اولاد امدرمان . بدأ بعضهم صفر اليدين وكونوا انفسهم وصاروا رجالاً ونساءً يشار اليهم بالبنان .
اذكر فى طفولتنا ان على لم يكن يميل الى الشجار . بل كان يتجنب الشجار وكان نحيف العود . ويحب الدعابه , ويحفظ الكثير من فلم عنتر ابن شداد . وكانت ملابسه بسيطه جداً عباره عن سروال وعراقى بلدى لا تتغير . وبينما كنا جلوساً فى الحدائق التى كانت تواجه مركز حزب الامه الحالى فى شارع المورده . كان على يمسك على جوز كتشينه فى يده ويرمق صديقى الشيخ اسماعيل ابو القاسم . وهو يقبض على سندوتش ضخم ينز دهناً . والدكتور احمد عز الدين (معنى) الذى كان يمتاز بالخلق والادب . يقبض على سندوتش آخر . وابن خالته بهاء الدين محمد مصطفى الكمالى الذى صار ضابط بوليس , و يميل الى البدانه يقبض على سندوتش مشابه . والثلاثه من اولاد الهاشماب .وبهدوء وضع علي الكتشينه فى جيبه وعض على طرف العراقى . وبعدة خطوات . كان قد قفز من فوق السلك الشائك الذى يحيط بالحديقه . وجزء كبير من سندوتش الشيخ قد وجد طريقه الى فم على . والبقيه تنتظر . واراد صديقى الشيخ ان يلحق به الا انه احس بعدم جدوى الامر . فضحكنا جميعاً . وقال على ( تنقرد فى السندوتش جننتنا ياخى , انحنا الواحد فينا فطور ما لاقى . )
فى سنه 1964 . عندما كان صديقى سائق التاكسى والملاكم محجوب عجيب يخوض ماتشيات ملاكمه كان على شلوفه يتبعه وهو يرتدى بدله انيقه وكرفته جميله وكان يبدو شخصا مختلفاً . من الصبى الذى اختطف سندوتش الشيخ اسماعيل قبل سبعه او ثمانيه سنوات . على كان يتنقل كل الوقت بسياره تاكسى . اولاد عجيب سكنوا بالقرب من ميدان الربيع . شقيقى محجوب الاكبر . حضر فى الليل . ولكى لا يزعج اهله قفز فوق الحائط , ناسياً ان اهله كانوا يحفرون ادبخانه فوقع فى الحفره . وكل الذى حدث له انه فك صباعه . فاستحق لقب ود عجيب مثل قصه الحرامى الذى قفز من الحائط ووقع فى الادبخانه فقال سنه يا الحيطه
وكان المال يتدفق بين يديه . وكان يصرف صرف من لا يخشى الفقر . ولم يكن يبخل على اصدقائه . وقابلته فى احد الايام وكان عائداً من احد الدجالين . واشتهر بانه فكى كارب . الذى اقنع على شلوفه بان عنده ريحانى وان الفكى سيخلصه من الريحانى . فقلت له الفكى ده حيكون ليك اكعب من الريحانى . حيفلسك .
رجل البوليس (ع ) . كان مشهورا بعمامته القلووز التى يلفها وكأنها حبل حول رأسه . كان يأتى لقهوة على شلوفه . وشاهدت سيد ود ابونا يعصر له . وفى احد المرات سألنى مولانا محمد صالح عبد اللطيف قاضى جنايات امدرمان ونحن فى افطار يوم الجمعه , اذا كنت اعرف رجل البوليس المذكور . لانه كان يعرف صلتى بعالم امدرمان . وسألنى اذا كان بيلبع . لانه قد رفع قضيه اشانه سمعه على من وصفه بالمرتشى فقلت له انه يلبع . فقام محمد صالح بشطب القضيه .
قهوة على شلوفه كانت قهوه ملعوب ومشروب . على وسيد لم يكونا ميالين الى العنف . ولكن خالد شقيق سيد كان مهاباً فى امدرمان . لم يكن ضخم الجسم الا انه كان شرساً مع من لا يعرف او من يتحداه . وكان ملاكماً . اذكر اننى دخلت قهوة مكى وهى على بعد امتار فى الزقاق شمال قهوة جوج مشرقى . وكان على ود برى يجلس خلف النوامه ( الدواره ) . وهو يضع عكاز مضبب بين رجليه , بالرغم من البنطلون والقميص . وكان وجهه يحمل كدمات مخيفه . وما ان شاهدنى وصديقى كيكس حتى قال لائماً . الواحد بعد ده حيجيب ليكم سكين اى ملاكم يقل ادبه الواحد يطعنه . وصب جام غضبه على الملاكم خالد .
وبعد الخروج من القهوه سألت كيكس كيف قابل على ود برى خالد ارنب الملاكم . الذى كان سائق تاكسى ويسكن فى المورده ولا يختلط باولاد السوق . فضحك كيكس وقال لى لو كان انشبك مع خالد ارنب كان حيكون ميت . فخالد كان قوياً شاهدته يصرع احد اشداء المورده بلكمه واحده فى حفل عرس اراد الشخص ان يفرتق الحفله . وحاول خالد ان يهدئ الشخص قائلاً وحياة شاديه لو ما تمشى انا اخليك تمشى . وشاديه كانت ابنه خالد الصغيره التى كان يحلف بحياتها . ولم يهتم الشخص فقال خالد اقول ليك شاديه ما تصدقنى . وانتهى الامر بالشخص منطرحاً على السباته .

 

آراء