تهاون نخبتنا: هل يقود البلاد إلى الفصل السابع؟

 


 

صلاح شعيب
10 August, 2020

 

 

تهاون مكون الحرية والتغيير، وهو الطرف الأساس في الوثيقة الدستورية، ينبئ عن أزمة مستقبلية سندركها ضحى الغد، ثم نبدأ حينذاك في لطم الخدود، وشق الجيوب. فالنار من مستصغر الشرر. إن صراع قوى الحرية والتغيير بعضها بعضها، وصراعها مع المكون العسكري، وتجاذباتها مع الحكومة ووزرائها ضربة قاتلة للتغيير وهدية ثمينة لفلول النظام البائد. 

فهذه القوى السياسية المركزية التي لا يجمع بينها الآن سوى ما صنع الحداد ما تزال تعتقد أن واقع البلاد سيبقى على ما هو عليه في ظل عدم اكتراثها لخطورة تضعضع بنيانها التحالفي، والذي ينعكس سلبًا على حاضر ومستقبل البلاد لا بد. ودونكم ما يجري الآن في شرق السودان، ومقتل أكثر من مئتي مواطن في مستري، وأحداث حلفا، حيث يروح المواطنون هناك ضحايا للانفلات الأمني، وينفلت المجرمون.
الأكثر من ذلك أن هذه القوى الحزبية تصطرع لاهثة حتى هذه اللحظة لتحقيق أجنداتها الحزبية على حساب السواد الأعظم، وبهذا الصنيع تغري كثيرين في الداخل والخارج بالسعي لخلط الأوراق، ومن ثم تفجير الأوضاع لصالح المتربصين السودانيين، والأجانب.
فكلنا نعلم أن أوضاعنا السياسية، والاقتصادية، والأمنية، هشة، وقدرة الثوار معدومة في السيطرة عليها ميدانيا نتيجة لطبيعة الاتفاق الذي حكم الفترة الانتقالية، وأيضا نتيجة للقدرات اللوجستية التي امتلكها الانتهازيون في كل مرفق عام وخاص منذ الاستقلال.
فبالغ ما يستطيع الثوار فعله هو الخروج سلميًا للشارع، ولكن بدا أن الشارع كميكانيزم وحده لم يحجم حتى الآن الفاعلين في السياسة، والاقتصاد، والأمن، لمدى ثلاثة عقود في ظل افتقادنا لرجال دولة وحكومة ملهمين. فالحقيقة المرة أن عامل الضعف الذاتي لحمدوك نفسه - ومعظم وزرائه - مقرونًا بعامل الحاجز الموضوع أمام حكومته للسيطرة على كل موسسات الدولة جعل العائد من التغيير مخجلًا، ولا يرقى لأسطورية الثورة السلمية التي هزمت أربعة جيوش قاتلة للإسلاميين.
بدون أي دغمسة هناك فشل اقتصادي لا يختلف عليه ثوريان، وفشل في رسم خطة ناجزة لجلب السلام إن لم نقل تحقيق السلام نفسه، وفشل في الإمساك بالمناخ الإعلامي الداعم للثورة والمحجم لإعلام الفلول، وفشل لمدى عام كامل في تحقيق العدل ومحاسبة رموز النظام السابق، وبطء في إزالة التمكين، وفشل مريب في تكوين المجلس التشريعي، ومناورات ثعلبية في تحقيق الشفافية الحكومية، وعجز في خلق فلسفة فكرية للثورة تتنزل على كل المستويات المجتمعية.
صحيح أن التغيير الثوري لم يكن راديكاليا فاعلا لاجتثاث دولة الحزب الواحد وإبدالها بدولة الوطن. فقد عرقل عسكر السيادي إعادة هيكلة الجيش، والدعم السريع، والأمن، والداخلية، وأصروا على الاحتفاظ بالمؤسسات الاقتصادية المتنوعة في مصادر دخلها التي تعود لجيوب نفعية طفيلية. وبرغم هذه السطوة العسكرية فإن المكون المدني بحاضنته التحالفية، وأداته التنفيذية، لم يستطع استغلال المساحة المدنية نتيجة لاصطراع مدارس التفكير السياسي، وللحمية الحزبية الحادة التي ظلت منذ فجر الاستقلال ديدن منظماتنا السياسية لحظات نشدان الإجماع القومي.
ونعتقد أنه إذا استمرت هذه الأوضاع برفقة هذا البؤس السياسي فإنها ستقود إلى عودة المظاهرات مجددا في المدن والأرياف في ظل الأزمة الاقتصادية التي تطبق على الفقراء والمساكين بحدة لا مثيل لها. بل إن الانفلاتات الأمنية التي نلحظها مدبرة، وغطت كل أرجاء السودان ستضع الدولة في ظل الصراع بين المكون المدني والعسكري في حافة الانهيار. وهذا هو عنوان الحرب الظاهرة والمستترة الآن بين الوطنيين والانتهازيين تحت سطح المشهد السياسي.
إلى الآن لم نر أي سياسات متفق عليها لكبح جماح التدهور الاقتصادي، والذي هو ملحوظ في التدني المستمر للعملة الوطنية، وتبعًا لذلك انسحقت الطبقات الفقيرة، وبالمقابل نلحظ غياب الرؤى لتأهيل المشاريع الإنتاجية. ولم نر تصورًا عمليًا ناجعا من بقية مكون الحرية والتغيير لمعالجة الانفلاتات الأمنية في ظل العداء الواضح بين المكون المدني والعسكري - قيادة وقاعدة - نتيجة لحادثة فض الاعتصام، واحتفاظ قيادة الجيش بالكوادر الإسلاموية في القوات النظامية.
لقد بح صوتنا في المناداة بضرورة تماسك لحمة مكون الحرية والتغيير بأن يعود قادته جميعهم لصوابهم، ويتجاوزوا خلافاتهم الممضة حتى إذا أتت البعثة الدولية وجدت اتفاقا وسط القوى الوطنية لحل قضايا الانتقال، والتحول إلى مرحلة الانتخاب، وبناء الدولة الوطنية.
ونتصور أن إصرار أحزابنا على مكاسبها الآنية، وتدهور الحالة الاقتصادية، وسيطرة المكون العسكري على البلاد، وعرقلته للتحول الديموقراطي، وعدم وجود حماية للمواطنين في مناطق النزاع، وتطور مغامرات، وأهداف الدعم السريع، كل هذه الوقائع تمثل محفزات، أو مداخل، للتدخل الدولي بالفصل السابع في حال انفراط الحال الأمني، والذي ظللنا نلحظه في كل مناطق البلاد، سواء بفعل الفلول، أو مليشيات الجنجويد، أو ضعف القبضة الأمنية في الأطراف.
إلى الآن ما تزال السانحة كبيرة أمام عقلائنا الوطنيين الثوريين بالضغط على قيادات الأحزاب لإصلاح حاضنة الثورة المتمثلة في مكون قوى الحرية والتغيير، وتقويم اعوجاج وضعف حكومة حمدوك، وحمل الطرف العسكري الموقع على الوثيقة الدستورية باحترامها، وإلا فإن هذا الضجيج السياسي المركزي، والتدهور الاقتصادي المستمر، ونذر الانفراط الأمني في الأطراف، ومؤامرات الفلول النشطة، قد تفرض واقعًا جديدًا قد يغير حقيقة الملعب السياسي.


suanajok@gmail.com

 

آراء