كتب البعض في وسائط التواصل الاجتماعي يتساءلون في استغراب عن السبب الذي جعل ولاية كالبحر الأحمر بها حاميات عسكرية للقوات الجوية والبحرية والبرية، وقوة شرطة بمختلف فصائلها تستنجد بالخرطوم، بل وبدارفور لتعيد الأمن إلى نصابه في مدينة لا يصل عدد سكانها المليون. فبورتسودان هي الميناء الرئيسي للقطر، وبها وجود أمني مكثف وهو ما يجعل التساؤل عن سبب الاستنجاد بقوات من المركز أو من دارفور، أو من أي مكان آخر، تساؤلٌ في محله تماما. كيف لا تكون القوى الأمنية المحلية قادرة على فرض هيبة الدولة في حوادث استخدم فيها الأهالي الأسلحة النارية وتنتظر لتأتيها النجدة من مكان كالفاشر يبعد ألفي كيلومتر؟ لقد استمرت الاشتباكات بين الأهالي في بورتسودان على مدى ثلاثة أيام سقط فيها العشرات من القتلى والمئات من الجرحى ولم يظهر في مدى هذه الأيام الثلاثة أي رد فعل حاسم من جانب القوى الأمنية الموجودة في المدينة وما حولها.
السؤال الثاني الذي يطرح نفسه: أين جهاز الأمن والمخابرات الوطني؟ لقد تكررت هذه الصدامات الأهلية في المدينة عدة مرات، فأي دور قام به هذا الجهاز هذه المرة في التنبيه إلى أن صدامًا وشيكًا سوف يقع وعلى السلطات أخذ الحيطة والحذر والقيام بالإجراءات التي تمنع حدوثه؟ هل يعقل أن تكون هذه الأحداث قد تفجرت فجأة بلا أي مقدمات؟ ألم تسبقها اجتماعات أو على الأقل سبقها تهامسٌ هنا وهناك؟ هل يعقل ألا يوجد بعض أصحاب "الخشوم الخفيفة" الذين سربوا ما هو معد؟ فإذا لم يقم جهاز الأمن والمخابرات في الولاية بالتغلغل وسط الأهالي فيجمع المعلومات ويقدم تقارير يومية إلى السلطات الحاكمة، لتكون على أهبة الاستعداد، فما هو دوره إذن، بل، ما الداعي لوجوده أصلا؟ خاصة أن هذه الحوادث تكررت عدة مرات في ذات المدينة في عام واحد.
الشاهد أن كل ما جرى في العام المنصرم يشير إلى أن وراء الأكمة ما وراءها. واضح جدًا أن هناك اتجارًا مقصودًا بأمن الناس وبأرواحهم من أجل قلب المعادلة السياسية الراهنة لصالح قوى عاملة ضمن الشراكة القائمة، لا تزال تربطها أواصر شديد القوة بالنظام المدحور. دعونا فقط نحصي عدد الاضطرابات العنيفة والاقتتال بين الأهالي في المدن وبين القبائل في الريف، الذي جرى في العام المنصرم. فقد جرت حوادث مميتة في كل من بورتسودان، وكسلا، وحلفا الجديدة، وكنابي الجزيرة، وكادقلي، ونيرتتي والجنينة. يضاف إلى ذلك المواجهات بين القبائل المختلفة والاعتداءات على الأفراد في مزارعهم. هل يمكن لأي شخص مدرك أن يقول إن كل هذا الذي جرى وبهذه الكثافة وبهذا الانتشار الواسع في عام واحد أمر طبيعي؟ ما هو الشيء الذي استجد فجعل كل هذا العنف واسع النطاق يجري في هذا العام بالذات إن لم يكن هناك مخططٌ يجري تنفيذه بدقة وفق توقيتات بعينها تهدف إلى انهيار الأمن في القطر كله؟
ما جرى من فرض لحظر التجول ومن إرسال لجنود القوات المسلحة والدعم السريع إلى بورتسودان ليس سوى حملة علاقات عامة لا تعدو مهمتها التربيت على الأكتاف. فما كان مخططًا له أن يجري في المدينة كان قد جرى بالفعل وأدى الرسالة المطلوبة منه، وهي إسقاط هيبة السلطة وإيغار صدور أهل الضحايا التي لن تبرأ بسهولة. لقد حدث الاحتقان المطلوب وسط الأهالي ولسوف ينفجر مرة أخرى لحظة ارتخاء القبضة الأمنية، في بورتسودان، ولسوف ترتخي، أو ينتقل إلى مكان جديد.