ربما يحتاج كبار الجنرالات إلى التذكير بقناعة عامة غالبة أنهم ليسوا سوى بقايا من نظام أسدل الشعب عليه ستارا. من ثم ليس من المجدي للجميع إصرارهم على الالتفات إلى الوراء من حين إلى آخر. من المؤكد الأفضل تذكيرهم بالفرصة الذهبية الراهنة أمامهم من أجل الإطلال من على شُرف التاريخ الزاهية. على الأقل إشعارهم بالامتنان إذ أنقذتهم الثورة من شرور أنفسهم وأعمالهم . عليهم وحدهم إدراك أن عمر البشير قدم لنفسه، عشيرته، رفاقه في السلاح، إخوته في التنظيم والمنتمين لطبقته الاجتماعية ما لن يستطيعوا مجتمعين تقديمه. ذلك أن التاريخ لا يستنسخ ذاته أو يعود إلى الوراء. من ثم اكثر جدوى للجميع سعيهم للانخراط في حراك الثورة وحركة التاريخ .
*** *** *** الوطن عند منحنىً ليس فيه متسع للتأرجح بين الماضي والغد. الشعب في منعطف لا مكان فيه للحياد. الثوار عازمون على فتح جميع الملفات المحرمة. هم يراهنون على بناء مشاريع المستقبل المؤسس على الحرية والعدالة. لقد انتهت إلى غير ردة العهود حيث يقمع الجنرالات الشعب باسم الشعب. كما لم يعد في الإمكان إستدراج الشعب إلى فخاخ الاستسلام تحت أكذوبة التماهي مع النظام الوطني . كل الشعب كفر بكل سلطة فاسقة تخاتل بغية الجمع بين الدين والدنيا. وما أمامكم من معارج مغايرة تحاولون الصعود عليها.
*** *** *** الباب الوحيد المؤدي إلى شرفات التاريخ حراسه شباب الثورة. هم وقودها والأكثر شراسة وضراوة من أجل تأمين تقدمها ، هؤلاء لا يرون المرحلة الإنتقالية غير لحظة مؤقتة مشحونة بكل تناقضات القوى المشاركة في عملية العبور لكنهم لن يساوموا أيا من تلك القوى على أي من غايات الثورة. نعم أنتم تملكون السلاح . هذه ميزة تمنحكم فرصة الحمل على الكتوف حين تساهمون في حماية الثورة والثوار من القوى المناهضة لحركة التاريخ . أنتم غارقون في الوهم إذ ظننتم أن في وسعكم أخذ الثورة أسيرة أو الشعب تحت ظل السلاح.مثل هذا الوهم ليس غير غرور ساذج لا يستوعب أصحابه دروس الماضي ولا يستشرفون آفاق المستقبل.
*** *** *** نعم لا يزال في المشهد كتلة من العهد القديم تطفو على السطح في أشكال متباينة. لكنها في كل الأحوال كتلة بلا معالم تحاول مغالبة وجلها واسترداد تماسكها دون جدوى. أنتم لن تمنحونهم مهما تجاسرتم على الواقع روحا يتجاوزون بها عجزهم المثير للرثاء. ربما من المفيد كذلك تحذيركم من التورط في تحالفات وهمية مع أسماء أمست قيادات بلا جماهير غارقة في ذواتها المضخمة بالغرور الزائف.
*** *** *** بالطبع ليس بينكم مغامر يحسب وسعه قيادة حركة انقلاب، إلا إذ دفعته الغفلة لمحاولة السباحة عكس التيارات. فالوعي اقتحم ثكنات العسكر في خضم التدفق الجماهيري العارم ضد كل قلاع الطغيان ومحابسه كبار الضباط أفاقوا على حقيقة أن الإمتيازات المقبوضة ليست سوى حفنة بخسة مقارنة مع ما اكتنز زبانية النظام وأهله .كل هذه وتلك ضرب من أحلام اليقظة لأناس لا قيمة عندهم للوقت.
*** *** *** ربما كان أفضل للجنرال مفتعل الأزمة مع عدد من شباب المقاومة مساءلة نفسه لم تعرض لما تعرض؟ هؤلاء الفتية يغلب عيهم النقاء الوطني بحيث يشكلون مرآة يمكن للرجل رؤية ذاته فيها.ربما يخطئ بعضهم بحكم عناصر سايكوبولوجية متباينة. مثل هؤلاء يستحقون التقويم لا الترهيب ، الشجب ولا الإدانة عبر بيانات رسمية . عوضا عن بيانات تهديد الفتية ربما كان الأجدر بمجلس رأس الدولة استدعاء الجنرال للمحاسبة . هو لم يهزأ بشخص واحد بل سخر من الدولة كلها بما ذلك رأسها في المكان غير الماسب في المناسبة غير الملائمة. ما قاله الجنرال يستحق الإشادة لو صدر عنه في سياق ممارسة النقد الذاتي داخل أحد مؤسسات السلطة أو متزامنا مع استقالته.
*** *** *** هؤلاء الشباب يدركون ميوعة لحظة التفويض حيث صعدتم إلى سدة سلطة الثورة. ربما لم يغفر بعضهم لكل المتفاوضين. قلوبهم مشحونة بالأنين لاتزال على رفاق لم يكشف المحققون بعد أبعاد التواطؤ في تصفيتهم الجماعية. هم يصبون جام غضبهم على دولة الثورة لكنهم هم أنفسهم حماتها ، حراسها وسياج ممرها إلى غاياتها.