حرب البقاء

 


 

عمر العمر
20 August, 2020

 

 

لا شأن يخوض فيه السودانيون هذه الأيام غير الإقتصاد. حينما يدور الحديث مكثفاَ حول محور واحد فمن المؤكد وجود خلل في ذلك المحور.الإقتصاد ليس مسألة سودانية عارضة بل قاطرة الحياة أينما يممت وجهك. هو العنصر الأكثر تأثيرا في ميكانزيم إنجاز مرحلة التحول السوداني الراهنة. لا يمكن الحديث عن نشر الحريات أو بناء المؤسسات الديمقراطية دون الكلام الناجز في المسألة الإقتصادية. الأزمة الإقتصادية الطاحنة شكلت أكثر من نصف وقود الثورة الجماهيرية المجيدة ضد نظام الإنقاذ. هي بوابة الخروج الأوسع من المأزق الحياتي الحالي.

*** *** ***
مائدة الحديث السوداني على كل المستويات الإجتماعية تعج بكافة أطباق الأزمة الإقتصادية.بدءاً من شح اساسيات الحياة ،ندرة مقوماتها ،إرتفاع أسعارها مروراً بتدني مستوى الغذاء ،إنخفاض مستوى المعيشة عبورا إلى اللهاث وراء مصادر إضافية للدخل المحدود فانسحاقا تحت الأعباء المتلاحقة بفعل التضخم المتصاعد فالموت خارج مظلة الخدمات الصحية المهترئة.

*** *** ***
بالطبع في مثل هذا المناخ الجاف البائس القاسي يكون الحديث عن الحقوق الديمقراطية ضربا من الترف المنمق لا تستوعبه العقول المنهكة او تهضمه البطون الجائعة.من هنا يشكل التقدم على الجبهة الإقتصادية المؤشر الوحيد لنجاح السلطة الإنتقالية. المعضلة الجوهرية في دأب حكومة حمدوك الأولى أو الثانية أنها تتعامل مع شعب خارج لتوه من نظام شمولي متخم بالفساد. ذلك يعني أنه استنفد كل مخزونه من الصبر والقدرة على الإحتمال أو الإنتظار. في مثل هذه الأحوال لا تجدي نداءت الترجي أو تعليق الأمنيات على غد مجهول الأمد. كما لن تشفي الجرعات المتقطعة في بث روح الأمل.

*** *** ***
الكل يعترف بثقل الإرث وتعقيدات المشهد الإقتصادي لكن ذلك الإعتراف لا يمنح مبررا عند الجماهير لتلكؤ السلطة دع عنك الفشل في تفكيك الأزمة.مصيبة الحكومة الإنتقالية أن هذه الرؤية تتمكن من أنصارها و خصومها، فهي تعايش مأزقا مزدوجا. من المعروف للجميع ان الحكومة تسند ظهرها إلى جدار غير متماسك. لا أحد يبدو واثقا من مدى صبرها وقناعتها بمواجهة قدرها منفردة وهي تواجه حمولات ثقال.

*** *** ***
مرد الإحباط العام إلى زمن االمراوحة في المكان نفسه طوال السنة الأولى من عمر السلطة الإنتقالية .في الواقع ثمة مؤشرات شاخصة على التراجع أكثر من المراوحة في المكان.ربما يرى البعض في لجنة تفكيك التمكين أكثر آليات السلطة الإنتقالية فعالية .اللجنة تستهدف ضرب الطبقة الطفيلية المتمكنة من خيوط وعصب شبكة الإقتصاد.لكن جهد اللجنة لن يؤدي منفردا إلى تفكيك عصابات لاتزال تتحكم في قنوات اقتصادية حيوية .فهي لم تعد في الواقع طفيلية إذ تستأثر بنفوذ واسع في إدارة جبهات الحياة اليومية.

*** *** ***
رغم بروز هذه الطبقة خارج التطور الإجتماعي التلقائي إلا انها تمكنت من القفز تحت مظلة الإنقاذ إلى قمة الهرم الإجتماعي كانما هي ظاهرة شيطانية. استنبات هذه الطبقة الطفيلية وتمكنها يشكل ردة على مسار حركة التقدم الوطنية.مع انها بدأت خلف الكواليس العتمة إلا أنها وجدت لها ملاذات آمنة تحت أضواء النظام فترعرعت حتى اشتدت سواعدها في كنفه.هكذا نجحت هذه الطبقة في الإنتشار والإنصهار في مؤسسات الدولة مواصلة التسلق بل التوثب إلى الدرجات العلى من الهرم الإجتماعي معززة بثروات ضخمة.أسوأ من ذلك أنها نجحت في شرعنة نشاطاتها في السرقة، النهب والإستغلال في حماية سلطة الدولة وصمت المجتمع

*** *** ***
أخطر إفرازات هذه الطبقة الطفيلية يتمثل في نجاحها إلى حد بعيد في نشر ثقافتها واخلاقياتها حتى امست رذائلها أعرافا اجتماعية فاستشرى الفساد وكافة أشكال الإنحراف مع تهشيم جميع المثل والقيم الوطنية.هكذا يتضح تمكن الطبقة الطفيلية من تشكيل " ترس" مضاد للنهج الديمقراطي من منطلق حرصه المستميت على مكاسبه . أي عملية فرز لأعدء الثورة تكشف حتما معسكر اللصوص سارقي حقوق الشعب كما تعري إصرارهم غير الحيي على مواصلة منهجهم التدميري.

*** *** ***
الحكومة مطالبة بشد سواعدها بغية كنس هذه الطبقة الطفيلية ليس مجرد تفكيكها . لجنة تفكيك التمكين لن تنجح في إنجاز هذه الغاية الملح تنفيذها. هذه الطبقة تظل تبني عقبات أمام كل خطوات السلطة الإنتقالية طالما استهدفت مصالحها. كنسها لايتم فقط بملاحقتها الخجولة الحالية إنما بضربات تقصم ظهرها، مظلاتها القانونية وتجفيف جيوبها و قنواتها . تجار العملة وعصابات التهريب تمثل أبرز هذه الجيوب ليس فقط لاكتناز مزيد من الثروة بل هي تستهدف ضرب مقاصد الثورة وتحطيم جدية وقدرة السلطة الإنتقالية على تحقيق تلك الغايات. لهذا فان السلطة مطالبة بالخروج عن وقارها الخجول إلى معركة شرسة عاجلة إذا ارادت البقاء .

aloomar@gmail.com

 

آراء