الحاضنة السياسية سوَقت لدى حمدوك عشية استقباله وزير الخارجية الأميركي بضاعة فاسدة ؛انتهت صلاحيتها بنهاية اللقاء. محاججة قيادات الحاضنة تحمل ذرات فنائها العجول داخلها. القيادة السياسية لجأت إلى المراوغة بدلا عن المواجهة. هي لم تعلن موقفا مبدئيا تجاه مسألة التطبيع قبولا أو رفضا حاسما. في المحاججة بعدم تفويض الحكومة الانتقالية سلطة الخوض في التطبيع اعتراف ضمني صريح بترحيل حسم القضية إلى حكومة ما بعدالانتخابات. هذا الجفول ينطوي على عدد من الخطايا والرهانات الخاسرة. على رأي الداعية الأميركي مالكوم إكس "أيما هدف يحتاج بلوغه إلى وسائل غير صحيحة ليس بالهدف النبيل".
*** *** *** طالما ليس ثمة ممانعة في منح الحكومة المنتخبة تفويضا لحسم مسألة التطبيع فتلك خطيئة شنيعة كما هي رهان خاسر. في ضوء المشهد السياسي الراهن لن يحصل أي حزب منفرد أو تحالف انتخابي أو إئتلاف حكومي على غالبية برلمانية تساند تقدمه على هذا المسار. الحاضنة السياسية أجهضت فرصة إستثنائية من أجل تبني موقف جماعي مبدئي يحسم ملف التطبيع على نحو نهائي. ذلك أجدى من تركه مفتوحا على طاولة الأجندة الوطنية. ترك الجدل على هذه الجبهة مفتوحا يستنزف قدرا من الوقت والجهد تحتاج الحكومة المرتقبة ادخارهما لقضايا عديدة على جبهات ساخنة مغايرة.
*** *** *** مراوغة الحاضنة تنطوي كذلك على قبول خجول بالانضمام إلى ركب المطبعين. فقط هي افتقدت الجرأة الكافية لإعلان الموقف.إذاً هي ارتكبت كذلك خطيئة فادحة حينما أجهضت فرصة الإجماع الوطني لاتخاذ قرار الحسم بالقبول. ذلك سيناريو يبرئ الجميع من الإتهامات المعلبة الجاهزة للإستهلاك في سوق المساومات السياسية ؛توزيع الدم القومي على القبائل السياسية. كأنما هناك فصائل داخل الحاضنة لا تود لحكومة حمدوك كل النجاح.بل كأنما هناك فصائل تستقصد تجريدها من فرص النجاح المواتية إن لم تفلح في وضع العراقيل على دربها.
*** *** *** المدافعة بافتقار الحكومة الانتقالية إلى أهلية حسم قضية التطبيع حجة باطلة. فهي مكلفة بدفع الشعب إلى خارج نفق الأزمات، تأمين السلم الاجتماعي , تكريس السلام وتمهيد الطريق إلى التحول الديمقراطي. مع أي من هذه الغايات تتقاطع قضية التطبيع. بل على النقيض من ذلك يمكن الجدل بتحويل تلك القضية لو كسبنا المساومة رافدا يصب في مشروع إنجاز كل تلك الأهداف. ألم يقل لينين: "السياسة فن الممكن"؟ قيادة الحاضنة السياسية أجهضت فرصة استدعاء القوة الكامنة في اعماق الدولة والشعب.
*** *** *** كأنما لم تستوعب قيادات الحاضنة السياسية اللحظة التاريخية لزيارة الوزير الأميركي. رحلة بومبيو في المنطقة حزمة من حملة انتخابات الرئاسة الأميركية. المستهدف منها تسويق ترامب وسط الجالية اليهودية في أميركا. كلنا نعلم قوة تأثير اللوبي الصهيوني في الحقل السياسي الأميركي. السودان حلقة مستهدفة لذاتها حاليا من أجل كسب الحزب الجمهوري. قيادة الحاضنة أجهضت فرصة تاريخية نادرة للمساومة في ساق لعبة أتبادل المصالح. بغض النظر عن مدى استجابة الإدارة الأميركية للمطالب السودانية فقد واتتنا فرصة غالية للتحدث من منطلق القوة وإملاء الشروط. ربما يكفي مقارعة أميركا من موقع الندية على الأقل. ربما ربحنا شيئا من مطالبنا المشروعة. مع أن ناقل الكفر ليس بكافر كما يقال إلا أنه ربما كان جديرا إبلاغ حمدوك قول شكسبير في الملك لير "يجب أن نقول ما نؤمن به لاما يطلب منا قوله."
*** *** *** التطبيع قضية الساعة على الصعيد الإقليمي. هو محور المزاج الرسمي العربي . الدول المطبعة لم تتنازل عن الحقوق المشروعة للفلسطينيين. هي لم تذهب على درب التفريط في سيادتها أو منح اسرائيل مكاسب مجانية. الدولة المصرية استردت أراض عبر كامب ديفيد. الأردن كذلك في وادي عربة. المزاج الشعبي في البلدين لم يتأثر بالخطوات الرسمية. الفلسطينيون هم أول من هتك التلاحم العربي الرسمي والشعبي الداعم لقضيتهم عندما تسلل نفر منهم من وراء كل الصف العربي المصطف متوحدا خلف القضية. عندها ارتضت كل السلطة الفلسطينية التسلل إلى مصالحة العدو عبر أوسلو.