وسط ظروف معقدة يحاول الدكتور عبد الله حمدوك غزل أقصوصة كريزما وطنية جاذبة. رغم قسوة المناخ ربما يوتيه الحظ في ظل تدني بريق شخصيات إبان المرحلة الإنتقالية تشكل ملامح قيادات كاريزمية. ثمة شخصيات تعرف مهارات استثمار فرص إثبات ذواتها قيادات وطنية لامعة. هناك قيادات تحذق فن صناعة تحولات تاريخية ترفعها إلى مصاف القيادات ذات الكاريزما في الذاكرة الوطنية.
*** *** *** موجة حزن توسانامية ضربت اليابان أخيرا على إثر استقالة رئيس الوزراء شينزو آبي. ذلك شعور لم ينبع فقط من التعاطف مع الرجل المنسحب تحت وطأة المرض بل كذلك إعترافا بإنجازات جعلت منه سياسيا عصيا على النسيان. عندما صعد آبي إلى منصبه في العام 2012 رفع شعار "اليابا ن الجميل". حينما أجبرته تقرحات القولون المزمنة على الإستقالة ترك ضمن أرصدته رقما قياسيا ؛ أطول الرجال بقاءا في رئاسة الوزراء.ذلك يعني خلو سجله من الفضائح. تلك عاهة يابانية .موجة من الأسف تصاعدت من كبرى عواصم العالم ناعية رحيل آبي ؛من البيت الأبيض، الكرملين، الإليزيه و 10 داوننغ استريت. في ذلك إعتراف دولي بدوره على المسرح الدولي.
*** *** *** شينزو آبي صعد إلى رئاسة الحكومة وسط زخم متصاعد من المد القومي في الجزر اليابنية. الرجل تبنى شعار "اليابان الجميلة" بغية إحداث تحولات كبرى في الثقافة اليابانية التقاليدية .المساواة بين الجنسين جسدت احد أبرز محاور اهتماماته. مثل الدكتور حمدوك ظل دفع المرأة إلى واجهة الإدارات الحكومية على أولويات أجندة عمله . لذلك تعددت مقاعدها في تشكيلاته الوزارية. آبي ظل يحاجج حزبه والنخب السياسية بأهمية تعزيز مكانة المرأة في العمل العام من أجل إحداث التقدم المنشود في مجتمع محافظ على الطراز الياباني. هي حجة مماثلة لطروحات حمدوك.ربما يكون الفارق بين المجتمع السوداني والياباني غلبة الطابع ا الذكوري على الأول بينما يغلب التشبث بالتقاليد البياطريكية على الثاني. الفارق بين آبي وحمدوك إمتلاك الأول مشروعه بيده بينما الثاني رهين حاضنته.
*** *** *** على عتبة تسعينيات القرن الأخير كانت الهندعلى حافة كارثة إقتصادية فرسم مانموهان سينغ برنامجا إصلاحيا أعادها إلى سكة البناء عندما كان وزيرا للمالية ثم رئيسا للوزراء مع أن جواهر لال نهرو تمكن من نهج سياسة عند الإستقلال منحت بلاده قاعدة صناعية متنوعة إلا أن ورثته خاصة إبنته أديرا لم يحافظوا على ذلك الأنموذج في التكامل بين القطاعين العام والخاص .لذلك يعترف الهنود لسينغ بمبادرته في إعادة وضع قاعدة لإعادة البناء الوطني . حتى على صعيد السياسة الخارجية أخذت الدولة تتحرر من الإطار الأيديولوجي الموروث من نهرو وسلالته ىفي "المؤتمر" لتجنح نحو نهج براغماتي.
*** *** *** الصين ضربت موعدأً مع تحولات كبرى مع صعود دينغ سياو بنغ إلى قمة هرم السطة في العام 1978.فكما تبنى شينزو آبي شعار "اليابان الجديدة" رفع بنغ شعار " الخيار الجديد" مستهدفا قاعدة إقتصادية تواكب سياسات إنفتاح السوق ومعطيات التكنولوجيا .هذه التحولات لم تفتح فقط أسواقا جديدة أمام المنتجات الصينية بل جذبت إليها إستثمارات أجنبية فأخذت الفوائض المالية في التراكم كما بدأ يتعاظم الدور السياسي على الصعيد الدولي. ذلك النمو حمل السلطات الصينية المعروفة بالتزمت على إبداء نوع من التصالح مع الشعب. من ذلك التراجع عن سياسة الطفل الواحد، فتح نوافذ أمام القطاع الخاص غير ان الحرص على هيمنة الدولة لم يُمس.
*** *** *** ثمة رجال آسيويون آخرون كتبوا حكايات تحولات كبرى في بلادهم . لعل أبرز أؤلئك مهاتير محمد في ماليزيا ولي كوان في سنغافورا. لكن ماكل من أتيحت له فرصة صناعة تحولات تاريخية أو أمجاد ذاتية استطاع تحقيقهما كما فعل أؤلئك العظام . ميخائيل غورباتشوف أراد تجديد الدماء داخل هياكل الإتحاد السوقياتي المترهلة لكنه أجهز على حياة الأمبراطورية برمتها .هكذا جسد الرجل الخيبة الكبرى. كالف هافل قاد " الثورة المخملية ": في تشسلوفاكيا . لكن الرئيس الفيلسوف – كما كان يسمى- لم يفلح في قراءة فوران الشعور القومي داخل الهيكل الفيدرالي فأصبح الشاهد الرسمي الأول على الإنقسام. على النقيض من ذلك ذهب العملاق الألماني هلموت كول في الذاكرة العالية حينما قاد ببراعة عملية إعادة توحيد شطري ألمانيا.
*** *** *** ثمة منحنيات تاريخية مثلما نحن عنده حاليا تتطلب مع وفرة التحشد الجمعي والإستنفار الوطني قادة لهم القدرة على التجرد ، نكران الذات ، التضحية وتكريس الوقت والجهد. لكن الأكثر أهمية إمتلاك مشروع يزينه إكليل من مهارات فن القيادة ؛ من ذلك نفاذ الرؤية ، جماه الرؤى ، البلاغة ،الخطابة والقدرة على الإقناع وهيبة الزعامة. هي جماع شروط وفرة الكاريزما.