انتقل الى رحمة مولاه سوداني ضخم قدم الكثير للسودان يكفي انه اصغر وزير منتخب في السودان . طيب الله ثراه .
اسم دريج الذي طغي علي اسم الاستاذ احمد دريج هو تحريف لاسم ديريك البريطاني والذي كان مفتشا وصديقا لوالده . واظن ان دريج قد تأثر كثيرا بذالك البريطاني وبريطاني آخر هو باوستيد الذي عشق زالنجي . وعاش فيها عندما كان المتعلم السوداني ، يهرب الي المدينة عند اول فرصة . لقد اثار دريج اعجابي . ولقد سبق ان كتبت عن ذكائه وترتيب افكاره . وفي المؤتمرات كان يستمع . وبدون ان يسجل كان يقف ويتناول عشرات النقاط بانجليزية سليمة. ويوافق علي بعض النقاط ويفند الآراء . وكأنه محامي يترافع في محكمة عليا . الرائع ان دريج انسان متصالح مع نفسه . فله تواضع جم ، ليس نتاج تصنع . بل تواضع صادق .وله التصاق بالحياة السودانية لم يؤثر فيها تقلده لمناصب رفيعة او رغد عيش وثروة . ولقد عاش في الامارات واوربا لفترة طويلة . وكنت اراه يتواصل مع الجميع وابناء دارفور خاصة ببساطة وسماحة. وهو ليس بمن يطالب بالسكن الرائع . ولا يهتم بالاكل الفاخر . ولا يبني ابدا اسوارا بيته وبين من هم اصغر سنا ، او اقل تجربة . في احدي المحاضرات التي شارك فيها مع الشفيع خضر . اختلفت معه بخصوص ما ذكره عن فترة الحكومة الانتقالية التي سبقت الاستقلال . واتاني بعد المحاضرة بقامته الفارعة . وقال لي متصنعا الجد ... انت مشكلتك شنوا . عاوز شكل ؟؟ اقد كتبت ان المشكلة مع دريج انه لا يترك لك فرصة الا ان تحبه وتحترمه . لسوء الحظ ، ان دريج عاش ليري دارفور التي كانت تفتقر حتي للمدارس المتوسطة مما جعله يذهب الي الوسط لكي يتعلم تتحطم ، ولم يسعد برؤية دارفور التي كان البريطاني باوستيد يتمني لها التطور . الاستاذ شوقي ملاسي طيب الله ثراه ، كان يشيد بدريج ويقول ... ود داخليتي وصاحبي . وكان رائعا في الرياضة . واذكر دريج يشيد بوزير المالية السوداني الاول العم حماد توفيق لانه عمل معه كسكرتير بعد تخرج دريج . وكان يشيد بنقاء العم حماد توفيق لانه اتي بعد سنين يبحث عن وظيفة في احدي شركات دريج . ودريج تأثر بهؤلاء الكبار وتلك الظروف. ارجو لدريج اقامة طيبة في وطنه . وعندما اقول دريج حافية ، فالغرض ليس التقليل من الشأن ولكن تحببا وتقربا . وبعض الاسماء تكون قصيرة ولا تحتاج لالقاب او مؤهلات . لان خلفها بشر كبار . اقتباس ، من موضوع قديم من الانجليز الاستعماريين الذين اضطهدونا و نهبونا كما يحلو لنا ان نقول ،الكولونيل هيو باوستيد قائد سلاح الحدود. خدم بعضهم السودان و احبوه اكثر منا . بوستيد وهب كل حياته للسودان . كان بطلا للملاكمه و مثل بريطانيه في سنه 1920 في الاولمبيات و تخرج من جامعة اوكسفورد، كتب كتابا اسمه رياح الصباح تطرق فيه لحياته في السودان . كان مفتشا لمدينة زالنجي لفتره تقارب العشرين سنه . و احب زالنجي لدرجة انه كان لا يطيق فراقها سوي في فترة الحرب العالميه عندما قاد سلاح الحدود الي اثيوبيا و ذكره الاستاذ محمد خير البدوي في كتابه مواقف و بطولات سودانيه و يقول ( لقد اهتم بالعمل في انشاء المدارس و تحقيق نظام قويم للعداله و كبح جماح الاداره الاهليه و الذين يجنحون الي البطش و ظلم رعاياهم . و عاش في شبه عزله من العالم . و كان يقضي الشهور يجوب المنطقه و يتعرف باحوالها و يساعد اهلها . و كتب باوستد عندما كان مفتشا لزالنجي ( هناك قناعات قليله اكثر ارضاءا للمرء من قيامه بدور في مساعده بلد او شعب للسير قدما الي حياة يسودها الامن و السلام مع ازدهار الزراعه و التجاره في ظل حكومه نزيهه تحقق العداله و توفر العنايه الصحيه للمرضي و التعليم للشباب ) . و كان باوستيد يجد المصاعب في اقناع الشباب النابغين من ابناء منطقة زالنجي بمواصلة الدراسه الي المراحل العليا . فبعد ان اكمل احمد نجل الشرتاي ابراهيم المرحله المتوسطه بتقارير ممتازه تقول بانه اذكي الطلبه علي الاطلاق . اراد باوستيد ان يواصل احمد الدراسه و يصير ابن عمه شرتاي و لكن احمد احتج احتجاجا شديدا و ادعي ان باوستيد يظلمه و يستهين به و كان رده ( سيأتي يوم تصبح وزيرا و تذكرني فيه ) و في شتاء 1966 بعد 19 عام زار باوستيد احمد ابراهيم وزير العمل في مكتبه في الخرطوم الذي كان اصغر وزير و صار زعيم المعارضه البرلمانيه ثم حاكم لاقليم دارفور . انه احمد ابراهيم دريج . و دريج هي تحريف لكلمة قريق المفتش الانجليزي في زالنجي الذي كان صديق والده. باوستيد كان ابن نبلاء و والده يمتلك مزرعه ضخمه للشاي في سريلانكا و خاله كان السير موريس هانكي سكرتير مجلس الوزراء البريطاني . اي سوداني يترك اليوم الخرطوم ليعيش لعشرات السنين في زالنجي؟ . مستر لانق الشخصيه الاسطوريه في السودان الذي كان ناظر مدرسة وادي سيدنا و هو ابن لوردات ، عمه لورد لانك و عمه الاخر اسقف انجلترا . كان متواضعا ياكل مع الطلبه نفس الاكل و في نفس السفره و يسهر الليل و يجتهد مع الطلبه . و عندما تخرج المظاهرات صارخه ( هانق لانق ) اي اشنقوا لانق. كان يقف مبتسما في النافذه . كما كان يعتبر حاكما لمنطقة وادي سيدنا يتعبه البدو بمشاكلهم التي لا تنتهي ، و هو يتدخل في كل صغيره و كبيره . هؤلاء مستعمرون ، اين نحن منهم . في السبعينات كان القنصل الثقافي في السفاره السودانيه في اثينا يونانيا من الذين نشؤوا في السودان . يمتلئ مكتبه بالطلبه و مشاكلهم و يجلسون علي مكتبه و يعرفهم بالاسم و يناديهم بي ( يا ولدي و يا بنتي ) و يذهب معهم الي الجامعات و المعاهد و يزعق و يتشاجر مع المسؤولين و يجد لهم اعمال اضافيه عند معارفه . ثم غيروه في منتصف السبعينات بسوداني . و قفل الباب و صارت المقابله بعد تلفون بين العاشره و الثانيه عشر ثلاثه ايام في الاسبوع . برمبل كان مفتش امرمان . في السادسه و النصف صباحا يجتمع امام منزله المأمور و نائب المفتش و شيوخ الربع و الحاره و يطوف كل امدرمان . حتي الانادي و يتاكد من ان المريسه نضيفه و الجرار نضيفه . و اعطي رخصه لادم المكوجي شمال الجزر حتي يترك كل الجزارين ملابسهم و المرايل و لا يأخذوها معهم الي منازلهم كي لا تنتقل العدوه لاهلهم . و الجزار الذي لا يغطي لحمته بملائه نظيفه كل يوم يعاقب او تسحب رخصته . و انتهت الملاريا في زمنه و الحمي الراجعه . و كانت امدرمان ترش بالماء و تزرع الاشجار لمقاومة مرض التهاب السحايا . و في يوم تأخر نائبه بيلفورفقال له مستاءا ( يا خنزير الجحيم ، هنالك زراره مفتوحه في قميصك ) . فلم يتأخر بعدها ابدا . بيلفور خدم في كل السودان ، شماله و جنوبه و شرقه و غربه و وسطه . و عندما كان مفتشا في غرب السودان كان في صدام مع ناظر الهبانيه الغالي تاج الدين . و كتب في حكايات كانتربري السودانيه ان الغالي كان دائما في خلاف مع قومه لحدة طبعه و ميله لقبول الرشوه الا انه علي وجه العموم كان دافئ القلب . و كان بيلفور معجبا بالناظر ابراهيم موسي مادبو الذي كان يعامل بيلفور كابنه . و صداقته للناظر ابراهيم موسي جعلته يزور الناظر بانتظام عندما حضر للعلاج بلندن في اخر ايامه و كان يناديه عادة ( هاي ! الولد داك الاسمو بيلي فور ) كما كان يناديه الغالي تاج الدين استخفافا . الطريقه التي يكتب بها امثال بيلفور عن حبهم للسودان و تفانيهم في خدمته و تنقلهم في مناطق كان العيش فيها يعتبر جحيما خاصة في العشرينات و الثلاثينات لانعدام الماء و الكهرباء و كل متطلبات الحياة البسيطه . و الان يموت ثلاثه مليون شخص في السودان بسبب الحرب و المجاعه و غبائنا ، فلا بد ان العم الناظر ابراهيم موسي قد اطلق افضل تعليق عند مغادرة البريطانيين السودان ( ركبونا في لوري ، لا نور لا فرامل لا بوري !! ) . عمنا ازرق في امدرمان كان عنده حزب يدعوا الي رجوع الانجليز . انا لا ادعوا الي رجوع الانجليز و لكن الي رجوع العقل . فان ما يحدث الان في دارفور يصعب تصديقه . شوقي