⛔ لم يكن انحياز لجنة البشير الأمنية للثورة، معيبا في ذاته، ولم يعيبها سوي انها لم تكن قادرة على المضي بصدق وجدية في طريق الثورة، فقد كانت - وظلت ولا زالت - مكبلة بأثقال سابقة ولاحقة لسقوط الإنقاذ، تحول بينها والولاء للثورة.
لقد كان الأمر أكثر تعقيدا، حيث صاحبت هذا الانحياز ترتيبات - داخلية وخارجية - هدفت إلى الحد من قوة المد الثوري، ومن ذلك ظهور الفريق عوف، ثم ظهور بعض الرموز الصارخة كأعضاء في المجلس العسكري الذي ترأسه الجنرال البرهان، وكانت الدلائل تشير إلى جهة من داخل الإنقاذ وخارج البلاد تدعم الثورة، وفي ذات الوقت تعمل على سرقتها. ⛔ لقد جرت جلسات التفاوض حول المرحلة الانتقالية، في مناخ يسوده التوجس وعدم الثقة، حيث اظهرت القوي المناوئة للثورة دعمها لتمكين العسكر علنا، وتصاعدت في مواجهتها صيحات الثوار المنادية بالمدنية، وانقسمت احزاب قحت بين معسكري الهبوط الناعم وتحالف قوى الإجماع، وعادت لتمارس هواية الإختلاف والكيد فيما بينها، وأصبحت وامست إحدى الدويلات مزارا لقيادات بعض الأحزاب والحركات المسلحة، وبدورهم بدأ العسكر يحجون للخارج بحثا عن المخارج .. ووسط هذا الغبار الكثيف وقعت مجزرة فض الإعتصام.! وظهر الجنرال البرهان بين الجثث والدماء ليعلن إلغاء المفاوضات، فخلق حاجزا نفسيا سميكا بين الشعب والمجلس العسكري الذي أصبح هو المتهم الأول في جريمة فض الاعتصام، فازدادت التعقيدات. ⛔ ثم جاءت مليونية الثلاثين من يونيو لتؤكد أنه لا نكوص عن الثورة مهما كانت التضحيات، ومهما بلغ حجم التآمر، وأن نظام الانقاذ يجب ان يسقط من غير عودة، وأنه لا بد من تصفية ومحاكمة رموزه، وأنه لابد من التحقيق والمحاكمة في قضايا الشهداء والإعتصام. غير أن تجمع المهنيين، كرر خطأه بتأكيد عدم المشاركة في المرحلة الانتقالية وبتفويض الأحزاب للانفراد بالتفاوض، فوضع الشباب الثوار خارج دائرة الفعل، ودخلت الأحزاب المفاوضات وقلوبهم شتى وتم استئناس بعضهم سلفا، وبعضهم لا يعلم حقيقة ما يدور، وفي المقابل دخل المجلس العسكري المفاوضات مسنودا بالمستشارين من الداخل والخارج، فكانت الوثيقة الدستورية (الخنثى مشكل).! ⛔ بموجب الوثيقة تحول المجلس العسكري لمجلس سيادة، وتم تقنين مهام الفترة الانتقالية، ومنها التحقيق في جريمة فض الإعتصام وتفكيك التمكين ومحاكمة الفساد، فجاءت الوثيقة تحمل الفشل في داخلها، فالتنفيذ العملي بالضرورة يتطلب توافر نوايا حسنة للأطراف، وهذه لا وجود لها في واقع الحال، فمن الطبيعي أن يقف العسكر في طريق تحقيق تلك المهام. ⛔ وهكذا سارت الترتيبات الخبيثة للمرحلة الانتقالية، وفق ما يشتهي من يعملون على إجهاض وسرقة الثورة، فإذا بمسرحية تلميع الجنرال البرهان على مسرح الإعتصام تنطلي على الجميع، وإذا بنا نهتف بالسيد حمدوك رئيسا للوزراء، ثم نكتشف لاحقا بعده عن الثورة وشعاراتها ومطلوباتها، فنراه يبدع في التقيد بقواعد اللعبة التي أتت به رئيسا للوزراء، فعمل على تشكيل مجلس وزراء مغيب تماما عن الفعل السياسي والتنفيذي، واتخذ من (حميمية) لا وجود لها منهجا للتعامل مع المكون العسكري، فتعامل معهم (بحميمية) وهم يسيطرون على بنك السودان، وهم يستولون على ملف مفاوضات السلام وهم يحمون التمكين بكل أنواعه وفي مختلف مواقعه، وهم يحتكرون 82% من مقدرات اقتصاد البلاد. فلما بدأت البلاد تزحف نحو الهاوية سياسيا وأمنيا واقتصاديا، بدأ السيد حمدوك بالقاء اللوم على العسكر سرا، وفي العلن يشيد بما يسميه بالشراكة النموذجية بينه والعسكر .!! ولما تيقن العسكر من ضعف الحكومة المدنية وضمور شعبيتها، خرجوا على الناس بأثقالهم يطلبون تفويضا، ورغم الصد والاستنكار، إلا أن آمالهم و ترتيباتهم مستمرة، سرا وعلانية ، تحت رعاية ودعم القوى الأقليمة والدولية. !! ⛔ لقد كانت المرحلة في حاجة ماسة إلى زعيم يخرج من رحم الثورة ومعاناة السنين، ليدير البلاد بمفاهيم وأسس جديدة، وبروح قوامها الثقة ووضوح الرؤية وقوة العزيمة والصدق والأمانة والشفافية والإيمان المطلق بأهداف وشعارات الثورة... غير أن حالة الضعف والسلبية وعدم الهمة وفقدان الرؤية والتحرك البطئ المتثاقل الذي اتسم به أداء حكومة حمدوك وكل قيادات المرحلة، شكل ويشكل تهديدا بالغا وخطيرا لزخم الثورة وروح التفاؤل، ومن مظاهر ذلك الواقع المرير :- ❎ إن أنصار النظام المباد في كل المواقع القيادية الحساسة، يواصلون إدارة البلاد، ويمارسون الكيد ويصنعون الفشل !! وشركات الجيش والأمن والدعم السريع تحتكر اقتصاد البلاد..!! وتلفزيون السودان القومي وكأنه لم يسمع بالثورة وأن البشير قد سقط.! ❎ قيمة العملة في تدهور مستمر والغلاء يطحن الناس، وبعد عام كامل تصحو الحكومة من نومها وتقول بلسان متثاقل يفتقر للمصداقية، أنها قررت خوض المعركة ضد مخربي الاقتصاد، لكنها لم تقل لنا كيف لها أن تخوض معركة ضد نفسها اوبعض مكوناتها.!! ❎ الدولة العميقة تتعمد الاستهانة بالحكومة وبالممتلكات العامة، فسودانير تطير لمسقط لإحضار احد منسوبي الأمن الشعبي ليتقبل العزاء في والده، ثم يعود بذات الطائرة، بالمخالفة لقوانين الطيران والسلامة الجوية، وتحت حماية نائب عام الثورة..!! والثوار الذين يقفون ضد هذا الفساد، يتم ابتزازهم بالكف عن مواجهة الفساد، أو ملاحقتهم بواسطة نيابة وقضاء جرائم المعلوماتية!! ❎ قطاع الطيران بشقيه، المدني وسودانير، من أكبر بؤر التمكين والفساد، فقد كان مرتعا للسيد عبد الله البشير وزمرته، فالأوضاع داخله في حاجة ماسة للمراجعة وإزالة التمكين، فخدمات المطار تنفذ عبر شركات خاصة يملكها متنفذون متمكنون، فإذا بنا نفاجأ بمهمة التفكيك توكل للمتنفذين أصحاب الشركات المطلوب تفكيكها.!!! قام التجمع المهني للطيران، بالإجتماع بالسيد إبراهيم الشيخ المسؤول عن قطاع النقل باللجنة الاقتصادية، وتم اطلاعه على كل ما يدور من فساد وإهدار للمال العام داخل قطاع الطيران، لا أدري ماذا فعل، لكن ظلت لجنة التفكيك كما هي، ولا زال الثوار الشرفاء يلاحقون بتحريك البلاغات ضدهم أو الصمت.!! ❎ الثوار يتشبثون بالأمل ويتخذون من لجنة التفكيك المركزية أملا لاستمرار الثورة ونجاحها، واللجنة تنتشي وتغير قانونها ليشمل قضايا الفساد وتفكيك القضاء والنيابة، وتواصل قراراتها بالعزف على العواطف على حساب قيم العدالة وشعارات الثورة، ويظل الفساد هو الفساد والقضاء هو القضاء، بل أسوأ حالا وتمكينا ... والأمر يستحق أن نفرد له مقالا. ❎ َ يفاجأ الثوار بأن الثورة تسير في غير مسارها، ويواجهون بضغوطات الحياة، و لا تملك حكومة الثورة أي رؤية لمستقبلهم، ورغم وجود الوظائف الشاغرة في المواقع العامة، لكن لا أحد يريد أو يهتم بتوظيفهم،. ⛔ للأسف، لقد تخطى فشل حكومة السيد حمدوك مرحلة التخبط في السياسات والإدارة والضعف في إتخاذ القرار، إلى مرحلة فقدان المصداقية والشفافية بما يشكل مطعنا للثورة في قيمها ومبادئها وشعاراتها، ولينعكس ذلك على كل مكونات الدولة، بما فيها الأجهزة العدلية، ومن ذلك : ❎ السيد الشيخ خضر كبير مستشاري رئيس الوزراء، يتهم من قبل وزراء وغيرهم، بالفساد المالي والإداري والسياسي، مستغلا موقعه، ورئيس الوزراء يلوذ بالصمت ! ومستشاره يمتن علينا مدافعا، بأنه من حملة صكوك الغفران، فهو من المناضلين ومن ضحايا بيوت الأشباح !! ❎ قام تضامن قوى المجتمع السوداني، ومن بعده وكلاء نيابة، بتقديم مذكرة لمجلسي السيادة والوزراء ولقحت، يطالبون فيها باستقالة أو إقالة النائب العام، لعدة أسباب، يشكل ايا منها جريمة الخيانة العظمى في حق المهنة والثورة، مرت ثلاثة أشهر و لم يتخذ أي إجراء بواسطة اي من الجهات المذكورة.!! والأمثلة تطول وكأنها تقول إن كل مكونات الحكم الانتقالي بحاضنتها السياسية، قررت التصالح والتعايش مع الفساد والافساد.!!
ثم ماذا بعد،،، ☑️ لا يهدف هذا الرصد المؤلم إلى زرع الإحباط أو النيل من أحد في شخصه، فالدكتاتور البشير سقط إلى غير رجعه, لكن نظامه باشخاصه وأدواته وسلوكياته ومفاهيمه لا زال سائدا، ولذلك يجب علينا مواجهة الحقائق مهما كانت مرارتها، ولا بد من قرع الأجراس في مواجهة من يرفعون راية الثورة لكنهم يتامرون ضدها ويعملون على إجهاضها بشتى السبل، بعلم أو بغير علم، ضعفا أو فسادا أو افسادا أو بقرارات ظاهرها يختلف عن باطنها، ☑️ لا بد من إعادة هيكلة قوى الحرية والتغيير، لتمثل كل الكيانات الحزبية وغيرها لكي تكون ممثلا حقيقيا لصوت الثورة، ولا بد من تمثيل واسع للشباب الثوار، ☑️ علينا التخلي عن الصراعات الفكرية والسياسية والشعارات التي لا تخدم المرحلة في شيء، وعلى الأحزاب أن تعي أن سقوط الإنقاذ لا يعني تلقائيا أن يسود فكرهم أو مشروعهم، وعلى كل حزب أن يعمل على مواجهة ومحاسبة نفسه لتلافي أخطاء الماضى، ☑️ علينا تركيز التفكير في كيفية الخروج من الورطة التي تعيشها البلاد الآن، ومواجهة حقيقة أن المكون العسكري هو الذي يضع المتاريس في طريق الثورة، وهو أمر متوقع، فلا أحد يوافق بأن يضع الحبل حول عنقه !! لذلك لا بد من واقعية وحكمة وصراحة وشجاعة وعصف ذهني يضع الحلول للخروج بمعادلة تحفظ الحقوق وفي ذات الوقت تطمئن المكون العسكري، بما يشجعه على الانحياز للثورة لتواصل مسيرتها ويجنب البلاد من الانزلاق للهاوية. ☑️ لا بد من أجهزة عدلية حقيقية ومستقلة، قادرة على تحقيق شعار العدالة ومنع الظلم عن كل الناس، والقيام بدورها في تحقيق التحول الديمقراطي. ☑️ ولكي تواصل الثورة مسيرتها بما يحفظ وحده وسلامة وأمن البلاد وتماسك كيانها المجتمعي : * لا بد من إنشاء المفوضيات التي نصت عليها الوثيقة، كآليات معنية بتحقيق الأهداف، وأهمها مفوضية محاربة الفساد ومفوضية العدالة الانتقالية، * لا بد من رد المال العام وإزالة التمكين، * لا بد من التحقيق العادل في قضايا الشهداء وكل جرائم الإنقاذ، والمحاكمة في إطار عدالة إنتقالية تحرص على التماسك والتعافي المجتمعي، بعيدا عن الظلم والتشفي والتشهير، بما يمهد للصلح الشامل الذي يحفظ البلاد من الفوضى والانهيار، ويمكنها من الانطلاق للأمام. ? غير أن ذلك يصبح حديثا بلا معنى، مالم يعترف الطرف الآخر بجرائمه في حق الوطن والمواطن، وان يكف عن المزيد من التآمر، وان يعمل على تخفيف أثار جرائمه وفي مقدمتها رد المال العام، وان يقف أمام حقيقة أنه مهما حدث من تدهور سيظل هو المسؤول الأول، وأنه لن يكون خيارا متاحا مهما كان وسيكون. ? مهاتفة للسادة الفريق أول البرهان والفريق أول حميدتي وبقية أعضاء المكون العسكري بمجلس السيادة، لقد قاد الرئيس البشير انقلابا عسكريا على نظام دستوري منتخب، ومع ذلك أعطاه الشعب الفرصة وناشده عشرات المرات بأن ينتصر للإرادة الوطنية ويدخل التاريخ، لكنه تابع هوى النفس، فكان من أمره ما يعلم الجميع،
أما أنتم فلم تأتوا بانقلاب، ومن باب أولى أن ينتظر منكم الشعب الانتصار لارادته بالعمل وبنية خالصة لتحقيق أهداف الفترة الانتقالية، فتهدمون الجدار بينكم والشعب، وهو مطلب مشروع ومقدور عليه، خاصة انكم تعلمون بأن هذه الثورة العظيمة قد وضعت نهاية للحكم الشمولي، و تعلمون أن الخارج لا يؤمن بسياسة المصالح المتبادلة، وانما يهدف ويعمل علي الابتزاز واستغلال نقاط الضعف، واستثمار الفجوات بين الحكام وشعوبهم، فيجب عليكم الاستقواء بشعبكم وليس بالخارج، وهذا هو السبيل الوحيد لازالة الجدار النفسي الذي يقف بينكم والشعب. ? ثم مهاتفة خاصة للسيد عبد الفتاح البرهان، مهما جلبتم من مساعدات خارجية، لن يرضى عنكم الشعب وشركات الأمن والجيش تستولى على الاقتصاد، اطلقوا سراح الاقتصاد وارفعوا أيديكم عن التمكين وعن أجهزة العدالة، تزيلون ما بينكم والشعب من جدار وتسجلون موقفا وطنيا. ☑️ لقد قدم الشعب بكافة مكوناته، تضحيات جسام في سبيل إنجاز أعظم ثورة في التاريخ، وسيمضي قدما وبذات القوة والعزيمة لإستكمال مهمته مهما كانت التحديات وعقوق بعض الأبناء في حق الوطن، ☑️ ويظل الأمل والرجاء في الشباب، فهم أصحاب الكلمة ومن يقررون مستقبل البلاد، وهي في حاجة ماسة لوحدتهم والنظر للأمام دون التفات للخلف. ☑️ يا أيها الشباب، لا تبحثوا عن أيقونة من خارجكم فكل ثائر منكم يمثل أيقونة بذاتها، التقوا ببعضكم لتتعارفوا عن قرب وتختاروا قيادات من بينكم وتكونوا ممثلين في كل كيانات الحكم الانتقالي، فأنتم صوت الثورة وألقادرون على الانتصار لقضايا الوطن والمواطن العاجلة والاجلة ، فلا تقصروا دوركم في تسيير المواكب بل تقدموا الصفوف في كل المواقع واصنعوا تاريخ بلادكم.