(بحث في مصادر التخابر بالسودان)! جذور العمالة التي أدت لارتفاع أصوات التقارب مع اسرائيل
* هل كانت نجوى قدح الدم هي الأولى في التخابر مع دولة أجنبية؟!.
* من هو العميل السوداني الذي قدم خطة المعركة الحربية في كرري للمستعمر في طبق من ذهب؟.
* هكذا تم اجهاض تحرك ثوار 1924 وهزيمة انتفاضتهم!.
* النميري والبشير ،، في حالة كون الواحد منهما حاكماً برتبة عميل!.
حسن الجزولي
(1)
عندما توقف الموكب المرافق ليوري موسيفيني الرئيس اليوغندي أمام منزل آلـ قدح الدم، بحي فنقر في العباسية بمدينة أم درمان، الذي توغلت داخله السيارات الفارهة للسفارة الأوغندية، كان الجيران والمارة بشارع منزل الراحلة نجوى قدح الدم قليلين، وكان جلهم من الذين لا يأبهون أو قل يفطنون للعلاقات التي تربط بعضها ببعض حتى يقيموا وزناً لزيارة رئيس بلد إلى واحدة من بنات "الحلة"، وحتى أن غالبيتهم وهم ينظرون لرئيس يوغندا وهو يترجل من سيارة السفارة ليدلف إلى منزل آلـ قدح الدم لم يتعرفوا عليه، والبعض بالكاد تذكر ملامحه من خلال الصور الفوتوغرافية والحية التي تتناقلها وسائل الاعلام!.
علماً أن هذا المقال لا يملك الأدلة أو الوثوق الكامل ما إن كانت زيارة رئيس أوغندا للراحلة نجوى قد تمت بمنزل أسرتها الحالي بحي العباسية بأم درمان أم بمنزل آخراً كانت تسكنه الراحلة، ولكنه افترض حي العباسية افتراضاً حسب قرائن الأحوال!.
لم يكن أحد لا في حي الراحلة أو في محيط حياتها من الأهل والمعارف أو حتى في دوائر الاعلام والدولة والخدمة (المدنية) يملك أدنى إلمام بوظيفة هذه السيدة، سواء في أروقة مجلس وزراء البشير بالقصر الجمهوري أو لدى طاقم رئيس الوزراء الأوغندي، دعك من التكهن بالعلاقات الوطيدة التي تربطها بالدولة العبرية وبالسيد نتنياهو رئيس وزاء الكيان الصهيوني!، ليس ذلك فحسب، بل أن أكثر اللصيقين بها ما كان يمكنهم أن يصدقوا هذه العلاقات مجتمعة للسيدة نجوى وما يربطها بتلك الدوائر (الوطنية والأجنبية)!.
نتناول الدور الذي كانت تطلع به هذه السيدة من خلال ما ورد بالأجهزة الاعلامية وما تم بثه من قبل تلك الدوائر التي اعترفت بالعلاقات التي تربطها بالرئيس السوداني من جهة، وكل من رئيسي أوغندا وإسرائيل من الجهة الأخرى على المستوى الرسمي، خاصة وظيفتها الأساسية (كمصدر) لدى تلك الدوائر الأجنبية والتي تصف به عادة (عملائها) الذين يتعاملون معها!.
ورغم أن الراحلة نجوى قدح الدم قد برزت في الساحة السياسية الديبلوماسية قبل نحو سبعة سنوات من وفاتها، ولكن لا أحد بالتحديد يعلم عنها الكثير بخصوص ارتباطاتها الاسرائلية سوى أنها ساهمت في هندسة لقاء الفريق أول البرهان برئيس الوزراء الاسرائيلي في مدينة عنتبي بيوغندا، وقد حرصت ألا تدلي بأي تصريحات حول ذلك، ملقية مزيداً من الغموض على دورها ووضعها (الديبلوماسي)، فقد نجحت قبل ذلك في عام 2015 في تحسين العلاقات بين موسيفيني والبشير، كما لعبت دوراً في التنسيق بين الجانب السوداني والأوغندي في تحقيق السلام في جنوب السودان. وقد ارتبطت فوق هذا وذاك بعلاقات ديبلوماسية ـ كما صرحت بنفسها ـ مع العديد من الرؤساء والزعماء الأفارقة، كالراحل روبت موقابي رئيس زيمبابوي والنيجيري أولوسيغون أوباسانجو، وزعماء آخرين في الكونغو ورواندا والأردن وجنوب أفريقيا كما نمت وطورت علاقاتها الديبلوماسية والشخصية مع بعض آخر منهم أثناء عملها بأروقة الأمم المتحدة!.
وهكذا ظلت جملة من الأسئلة الهامة معلقة حول كنه هذه السيدة!، ولم يستطع المحللون الحصول على إيجابات قاطعة ومحكمة حولها، من هي هذه الشابة الأم درمانية والتي لم يتعد عمرها العقد الثالث لكي تجد لها مكاناً (ديبوماسياً) رفيعاً في كثير من البلدان؟ إلى أي الجهات تعمل بالتحديد؟ كيف توصل لها موسيفيني وما هي الظروف التي جعلتها تتقرب من البشير لتصبح سفيرة له في القصر الجمهوري؟ كيف تتحول من ما قيل أنها موظفة عاملة في وكالة ناسا للأبحاث الفضائية إلى أروقة الأمم المتحدة؟ وما يجدر ذكره أنه ليس هناك من كان ملماً بالارتباطات العميقة التي تربطها بدولة إسرائيل تحديداً!، وما كشف هذه الدور ليس موتها في واقع الأمر، بقدرما كانت تلك الرحلة (المريبة والغريبة) للطائرة الإسرائيلية التي بعثت بها إسرائيل لانقاذ حياتها!. وما يزال السؤال المحوري يظل مطروحاً حتى اليوم ،، إلى حساب من كانت تعمل الراحلة ( نجوى عباس أحمد محمد قدح الدم)؟.
(2)
لم تكن الراحلة هي الوحيدة التي ترتبط بمثل هذه المهام، ولن تكون الأخيرة، وربما أن لكثير من الدول حول السودان (أصدقاء سودانيون) من الذين يتولون مثل ذات المهام التي كانت تتولاها الراحلة، ومن الطبيعي أنهم غير معروفين لدى العديد من دوائر الدولة السودانية، سواء في ظل النظام السابق أو الأنظمة الأسبق، وذلك بحكم طبيعة الوظيفة والمهام التي تقع على عاتق هؤلاء وتتطلب التكتم وعدم (كشف أقنعتهم) للغاشي والماشي!.
يشير د. حامد برقو عبد الرحمن في مقال له بموقع سودانايل إلى أن بالأرشيف البريطاني (والذي يخجل منه المؤرخون السودانيون؛ الكثير المذهل عن عائلات سودانية تتصدر اليوم المشهدين السياسي والاجتماعي للسودانيين، في كيف أنها كانت عميلة للمستعمر الغازي، و كيف عمل أسلافها مخبرين للعدو المتربص حتى تم اضعاف الدولة الوطنية و إسقاطها في أم دبيكرات. بالنتيجة تمت مكافئتها من قبل المحتل بالتعليم والوظائف ثم تسليم مقاليد الحكم بإعتبارهم أصدقاء للامبراطورية العظمى على حساب الأغلبية التي قاتلت الإمبراطورية البغيضة). ثم يمضي قائلاً لأن (المناهج التعليمية نفسها بيد خلفاء الاستعمار لم يسمح بكشف ذلك الأرشيف حتى يعرف الناس تاريخهم المشرف من المزيف. فغابت الحقيقة عن السودانيين)!.
وقد حدثتنا دوائر الرصد والتوثيق ومراجع القراءات التاريخية عن ما تيسر من ما تم الكشف عنه بخصوص هذا النفر (النادر) من السودانيين وغير السودانيين الذين تولوا مثل هذه المهام في عهود سابقة.
نشير إلى مصطلح ( مصدر خاص لنا) في غالبية التقارير التي تبعثها السفارات الأجنبية إلى بلدانها وتحمل فيها معلومات (نادرة وجمة) عن موضوعات بعينها في السودان، من التي تم تغذيتهم بها من قبل (تلك المصادر الخاصة) والتي بلا أدنى شك هي مصادر سودانية تتعامل (كعميلة) لتلك الدول الأجنبية عبر سفاراتها بتكتم بالغ وحذر شديد بعيداً عن الأعين التي يمكن أن ترصد أو الأذن التي تسمع!.
ويتوقف هذا المقال لابراز بعض نماذج هذه القلة التي توفرت معلومات عنها خلال بعض الكتابات والوقائع وسرد التاريخ والسير الذاتية للأفراد والحقب.
(3)
فقد أشارت تقارير المخابرات البريطانية من التي تم (تحريرها) عن المضابط السرية حسب النظم والقوانين المعمول بها في الدولة، بأن التقارير التي كان يشرف عليها كل من ونجت وسلاطين باشا، تحدثت عن شخصية سودانية غامضة داخل المجلس الحربي للخليفة عبد الله التعايشي والذي كان دائم الانعقاد للنظر في أمر ترتيب الخطة العسكرية التي من المفترض وضعها لمواجهة الغازي البريطاني بقيادة كتشنر والاستعداد للمعركة التي أصبح وقوعها وشيكاً، وقد تمت تسمية ذلك (العميل ) بإسم (الجاسوس الذهبي) دون الاشارة لإسمه الحقيقي، مشيرة إلى أنه في الأصل مقرب للخليفة عبد الله كعضو عامل داخل مجلسه، وأنه هو من وفر للعدو الغاشم ،العدد الحقيقي لقوات الدولة المهدية التي شاركت في معركة كرري بأن قوامها كان 40 الف مقاتل، وتشير الوقائع إلى أن قلم المخابرات قد رفع عدد المشاركين في المعركة بنحو 50 الف مقاتل عندما وصل عدد القتلى في تلك المعركة إلى 14 الف قتيل وذلك (لتقليل نسبة الاصابات تفادياً لانتقادات الصحافة البريطانية)!.
ثم تمضي المعلومات التي تم رفع الغطاء عنها بخصوص (المصادر) المتعاونة مع الجيش الغازي في الحملة على السودان، لتتحدث هذه المرة عن شخصية بإسمها حملت رسائل موجهة إلى سردار الجيش المصري (اللواء كتشنر) من داخل السودان تستحثه فيها الاسراع لانقاذ (حياة المسلمين)، حيث حمل المواطن السوداني أحمد الحاج محمد عجيل المفوض من قبل تلك الجهات معه إلى جانب تلك الرسالة، جدولاً يوضح قوات المهدية من أول يناير إلى 30 أبريل 1892م. وذلك حسب مقال بموقع سودانايل لعبد الرحيم محمد صالح تناول تقاريراً للمخابرات البريطانية، مشيراً فيها إلى أن تقريراً من الأميرلاي فرانسيس ريقنالد وينجيت مدير الاستخبارات العسكرية في القاهرة يوم ٣٠ أبريل ١٨٩٢م وقد ورد التقرير بإسم ( أـ مقتطفات من يوميات القاهرة ، من ١ـــ٣٠ أبريل عام ١٨٩٢م). أشار فيه إلى اسم (متعاون سوداني) مع مخابرات جيش كتشنر الغازي للسودان وهو (الشيخ أحمد محمد العجيل) الذي وصل إلي أسوان يوم ٣٠ مارس قادما من بربر وهو (واحد من أبرز تجار السودان ورجل ذو ذكاء استثنائي)!.
وخلال حالة الفوضى والاضطراب التي سادت في أعقاب استباحة مدينة أم درمان ونهب بيت الخليفة قالت التقارير أن (متعاونين) مع الجيش الغازي من السودانيين أمدوا القيادة الانجليزية للاحتلال بمعلومات مهمة كشفت عن العثور على مفقودات المهدية وثروة الدولة وما يسمى بكنز الخليفة، فضلاً عن تعاونهم اللا محدود في تمهيدهم الطريق لانتصار الجيش الغازي، وذلك حسب الصحفي الصادق الرزيقي في مقال له باسم (كنز الخليفة) والمنشور بالشبكة العنكبوتية، إضافة لتقارير مخابرات الحملة البريطانية العسكرية على السودان.
كما أن الكاتب شوقي بدري وحسب ما أدلى له به عصمت حسن زلفو يشير في مقال له بسودانايل إلى شخصية أم درمانية شهيرة كانت قد لعبت دوراً في (عمالتها) للبريطانيين ، حيث كانت على اتصال بهم في فترة تجهيز جيش كتشنر الغازي للسودان!.
هذا فضلاً عن ما أشيع بأن قبيلة سودانية معينة ولها شهرتها بالبلاد هي التي كانت متعاونة مع الجيش الغازي، ونجحت في تهريب سلاطين باشا وآخرين من أسرى الخليفة إلى خارج السودان!.
(4)
وحفلت حقبة ثورة عام 1924 بالعديد من الأخبار التي تحدثت عن ( عملاء) كانوا متعاونين مع السلطات البريطانية وساهموا في هزيمة الثورة.
ففي بحثها الذي قامت به الدكتورة ألينا فيزاديني عنوانه: " جواسيس وأسرار وقصة تنتظر أن تعاد روايتها: ذكريات ثورة 1924م وعنصرة التاريخ السوداني"، وقام بترجمته د. بدر الدين حامد الهاشمي ونشر مقتطفات منه بموقع سودانايل، تشير الباحثة الألمانية إلى (خاصيتين مركزيتين بالنسبة لجغرافية ذكرى ثورة 1924م بالسودان: الأولى هي فكرة أنه، على الرغم من كثرة الروايات عن تلك الثورة، فأحداثها ليست معروفة بصورة كاملة، بل هي محاطة بكثير من السرية والغموض، ومليئة بالحقائق المسكوت عن ذكرها. والثانية هي الاعتقاد بأن أناسا بعينهم من ثوار 1924م تكلموا "بأكثر مما يجب قوله"، وتحولوا إلى جواسيس، وأن ذلك كان واحدا من أهم أسباب فشل الثورة). وحول الخيانة في صفوف أفراد الحركة، فإن الباحثة تمضي مشيرة إلى ما ذكره زين العابدين عبد التام، (فقد أدان أولئك "الخونة" الجمعية للبريطانيين)!. وبحسب ما جاء في كتاب حسن نجيلة (ملامح من المجتمع السوداني)، فقد كان هناك "خونة" قبل عام 1924م. حيث أورد ما يفيد بأن (من بدأ الخداع واللعب على الحبلين كان أحد قادة جمعية الاتِّحاد السوداني، ثم جر معه شخص آخر من أصدقائه. وسرعان ما انتشرت أخبار تلك الخيانة في أوساط رفاقهما، وتم الكشف عن اتصالات "الجاسوسين" بصمويل عطية مدير المخابرات).
كما أن المؤرخ محمد عبد الرحيم أصدر في عام 1948م كتابا عن ثورة 1924م عنوانه "الصراع المسلح على الوحدة في السودان". متناولاً (بداية الحركة الوطنية في السودان ومساوئ الاستعمار). مشيراً إلى بعض تلك القصص والأخبار التي تتحدث عن (الجواسيس وخياناتهم في تلك الثورة)!. بل تراه يمضي أكثر وضوحاً عندما يشير في كتابة بفقرات مطولة إلى (أشهر عيون البريطانيين وهو "علي أحمد صالح" أو "علي الحاج"،. وقد تحدث عنه ك (عميل) مثل شاهد الاتهام الرئيس في محاكمات 1924م، والذي صار - بعد تلك المحاكمات - يتجول في شوارع الخرطوم حاملاً مسدساً منحه له البريطانيون حماية له بعد أن تم استهدافه فيما بعد! . وتحدث عن غيره من المخبرين الذين لم يسمهم.
وكانت ملاحظة الباحثة الألمانية أن تهم الجاسوسية كانت تُكال بناءً على شائعات وشكوك. (غير أنها كانت لا تخلو من استنتاجات مبنية على استدلالات منطقية من معلومات جزئية كانوا يملكونها عمن يتهمونه بالخيانة والتجسس) مشيرة ك مثال عن ضابط شهير وسياسي نافذ فيما بعد، كان قد نُقل إلى ود مدني في عام 1924م، وأدى قسم جمعية اللواء الأبيض، وعُهد إليه بالاحتفاظ بقائمة تضم كل أعضاء الجمعية. وبعد سنوات تمت ترقيته إلى رتبة الأميرلاي، بينما نُقل جميع الضباط الآخرين!. (وهنالك قصة أخرى أكثر وضوحا تتعلق بضابط من عائلة معروفة) كان واحدا من أربعة ضباط اشتركوا في العصيان العسكري وحكم عليه بالإعدام. وبينما كانت فرقة الإعدام تستعد لتنفيذ الحكم، أتى رسول برسالة، وتم إيقاف تنفيذ الحكم، وبذا نجا من الموت)! وقالت أن الشكوك منذ ذلك الوقت وحتى اليوم الماثل ظلت تحوم حول (خيانته) لرفاقه في ذلك العصيان، (على الرغم من أنه قضى 12 سنة مسجونا في ملكال، عانى خلالها ما عانى من العذاب)!.
الجدير بالذكر أن وصم العمالة قد لحق حتى بسليمان كشه أحد مؤسسي وقادة جمعيتي الاتحاد السوداني واللواء الأبيض. والذي لم يبادر لا بنفي التهمة أو تأكيدها!.
(5)
وتمضي سيرة (العمالة والعملاء السودانيين) لتروي عنهم الحكايات والأخبار حتى في العهود الحديثة نسبياً.
فها هي برقية بتاريخ التاسع من يناير عام 1975 من السفير البريطاني بالخرطوم إلى وزارة الخارجية الأمريكية تتحدث عن (تقييم نظام نميري) ـ حسب المقال الذي نشره الصحفي محمد علي صالح ضمن مقالاته المنشوره عن (السودان في الوثائق الأمريكية) ـ يشير فيه إلى (معلومات) عن الأوضاع الداخلية للدولة المايوية والاتحاد الاشتراكي كتنظيم سياسي أوحد بالبلاد وعدم قدرته على التأثير الجماهيري، وحالة النميري الذي يحاول تخفيف المعارضة السياسية لنظامه. مشيراً لمن وفر له هذه المعلومات من أوساط السودانيين قائلاً (وكما قال لي مصدر هام): جربنا السياسيين، وخيبوا آمالنا. وجربنا العسكريين مرتين. ولم نعد نعرف من اين سيأتي أي شئ جديد.!.
(6)
عودة لإبنة آلـ قدح الدم، فيبدو أن الراحلة ليست الوحيدة التي كانت تضطلع بدور (المستشار فوق العادة) لرئيس دولة أجنبية في مقام يوري موسيفيني، سنستعرض نماذج لأثنين من قصص تتطابق حذو الحافر على الحافر مع سيرة الراحلة نجوى والدور الذي كانت تقوم به.
الأولى وحسب الصحفي محمد علي صالح في مقالاته عن (السودان في تقارير المخابرات الأمريكية) فإن للرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري مستشاراً أجنبياً على (المستوى الخاص) كان يقوم بمهام فوق العادة للرئيس السوداني، فبتاريخ الرابع من أبريل 1975 تصل برقية من السفير الأمريكي بالخرطوم إلى وزير خارجيته بواشنطن يشير فيها إلى زيارة المواطن اللبناني سليم عيسى كمبعوث من رئيس الجمهورية السوداني إلى واشنطن، وتمضي البرقية قائلة ( امس، أعطينا تأشيرة دخول دبلوماسية إلى سليم جبران عيسى، المستشار الخاص للرئيس نميري، حسب طلب وزارة الخارجية السودانية بأنه يريد إجراء اتصالات مع مسئولين في الحكومة الامريكية) مشيرة إلى نفوذ هذا الرجل القوي في الخرطوم وأنه (شخصية مريبة). وأنه لبناني يحمل جواز سفر سوداني. (ويقال أنه كان سكرتيراً خاصاً للأمير سلطان بن عبد العزيز، وزير الدفاع السعودي. ولعب دوراً كبيراً في صفقة محطة الاتصالات الفضائية، ومشاريع رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي، وتسليح القوات السودانية المسلحة)!.
وقالت برقية السفير لوزير خارجيته ( ربما يريد في واشنطن الاتصال بالبنك الدولي وصندوق النقد العالمي، وربما استكشاف الأجواء لزيادة التعاون الأمريكي السوداني. نحن نعرف أنه مقرب من نميري. ونطلب منكم أن ترسلوا لنا معلومات عن زيارته)!.
ومن الواضح أن هذه الشخصية ـ تماماً كوضع الراحلة قدح الدم ـ لا يعرف عنه الكثير حتى لدى الدوائر الأجنبية ذات النفوذ بالسودان في تلك الفترة!.
الثانية هي سيرة الفريق طه عثمان الحسين والذي كشفت الوقائع بعد إقالته من منصبه كوزير دولة بالقصر الجمهوري ومدير لمكتب المخلوع البشير، أن له وضعاً ديبلوماسياً (فوق العادة) لدى المملكة العربية السعودية وأنه مستمتع بالتابعية للمملكة وحامل لجوازها حتى!.
وما هو ملفت في سيرة هذا الرجل، هو التدرج السريع في مدى زمني محدود استطاع خلاله أن يتبوأ منصباً في الدولة يوازي منصب كاتم أسرار رئيس البلد والساعد الأيمن له، درجة أن البشير قد وثق فيه ثقة عمياء جعلته (يسرح ويمرح) ويفعل الأفاعيل في الدولة (الهايصة ونايصة)!.
فقد تمدد دوره درجة أنه وخلال نفوذه وتغلغلة في بنية الدولة السودانية، قيل أنه قد عمل على التخطيط لانقلاب ضد دولة خليجية بواسطة كل من السعودية والأمارات، وهو ما كشفت عنه تركيا بواسطة أشرطة تسجيل، جعلت الرجل يتدحرج من أعلى سنام السلطة السودانية التي تُرك له فيها السنام على غاربها، إلى الدرك الأسفل، وهو الذي كان قد أناب البشير في القمة العربية الاسلامية الأمريكية الشهيرة بالرياض وصافحت يده يد ترمب ذات نفسه!. ورغم أن أمره قد أُفتضح، إلا أن المملكة السعودية مدت له في اللحظة المناسبة أيادي العون وانتشلته وأسرته من براثن النظام القمعي في السودان ورحلته إلى الرياض ليفاجأ البشير والنظام في السودان، بأن الرجل قد أُلحق بأعلى الجهاز الملكي لحكام السعودية وقد كان في واقع الأمر الأمر يدين للمملكة بالولاء والعمل لصالحها بأكثر من ولائه للسودان الذي قيل أنه قد تبوأ فيه أعلى المناصب دون أن يملك جنسية سودانية حتى!.
hassanelgizuli@yahoo.com