الفاشلون الجدد

 


 

عمر العمر
5 October, 2020

 

 

الأسئلة العالقة فوق رؤوسنا لا تزال أكثرمن الأجوبة بين أيدينا . سحب الإحباط تكتنف الأفق. لا أحد يزعم أننا حاليا أفضل مما كنا عليه عشية ثورة ديسمبر. كلما يمكن تصنيفه في سياق إنجازات يتضعضع تحت وطأة أثقال الحياة اليومية المعيشة. ليس خصوم الثورة وحدهم من يجأر بالشكوى.البؤس سيد الأفق.الثورة عملية تحولات في مجالات الحياة بابعادها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.ذلك إنجاز تصوغ مساراته سلطة الثورة القائدة. صحيح القول بركام الخراب الموروث من عهد الإنقاذ. صحيح القول كذلك استحالة إحداث تغيير فوري على ذلك اليباب. لكن من الأسئلة العالقة ما يشكك في تقدمنا قيد أنملة على أي الأصعدة. بل المحزن وجود إجابات على تقهقرنا على مسارات عديدة.

*** *** ***
الجدل في شأن أي البرامج الإقتصادية يجب تبنيه طوال السنة الأولى من فترتنا الإنتقالية يفضح فقدان قاطرتنا القائدة خارطة طريق.أولوية أداء سلطة الثورة تستند إلى برنامج إصلاح على جبهات السياسة، الإقتصاد، ألإجتماع والثقافة. ما من تقدم يمكن إنجازه على أيٍ من تلك الجبهات بدولة " حكومة" ضعيفة . الدولة ليست مخ النظام فقط بل هي كذلك أهم مؤسسة سياسية داخل المجتمع. فالتقدم المنشود يقاس بمدى فعالية الدولة على تلك الجبهات ليس بأي لافتات مغايرة.المأمول غداة انتصار الثورة تشكيل حكومة مقتدرة ملتزمة بمشروع إصلاح فوري يمس حياة الجماهيرإن لم يبدلها.
*** *** ***
حكومة الثورة جاءت انعكاساً لصورة الحاضنة السياسية وليدة ظروف مخاضها العسير.الرهان على حكومة الثورة ليس فقط من أجل مغالبة ترهل الحاضنة وفقدانها الإنسجام كما الرؤية الفكرية بل من أجل إشباع نهم الجماهير إلى حياة أفضل.واقع الحال في ضوء حصاد السنة الأولى يشير إلى أننا – أخشى القول - استبدلنا فاشلين سابقين بفاشلين جدد. الوزراء يتصرفون وكأنهم موظفون لا رجال دولة.ما أقنعنا أحدهم بأنه جاء إلى منصبه يتأبط مشروعا أو متسلحا برؤية . حتى لا نسقط في التعميم ثمة عدد لا يتجاوز بضعة من أصابع اليد يتسم أداؤه بقدر من التقدير.ما من وزير أشعر الشعب بأداء خلاق مبتكر خارج المألوف. ما من وزارة شهدت عصفا ذهنيا لخبراء يصوغون مخارج من أزماتها المستحكمة.الشعب يدرك حجم المشاكل ونوعيتها. هويعلم عدم وجود حلول جاهزة لكنه يعرف جيدا كيفية حفر مخارج من تلك الأزمات. غير أنه لم يشاهد جهدا يبذل في هذا المضمار أو ذاك.
*** *** ***
لمّا لم نقتلع غير الطبقة العليا من نظام الإنقاذ جاء الرهان على حكومة الثورة بغية اجتثاث كل تضاريس النظام الفاسد.لكن ذلك أمسى رهاناَ خاسراَ. تلك التضاريس أثبتت تمكنها بحيث تعرقل حركة الماكينة الجديدة. هكذا وجدنا أنفسنا في صراع غير متكافئ. متاريس راسخة في الأرض في مواجهة ماكينة هشة .تحالف القبيلة ،رجال المال ، رجال الدين والعسكر قابض على جزع الشجرة.كما افتقدنا الحاضنة الصلبة مالكة خارطة للطريق لم نعثرعلى القيادة ذات الكاريزما والوعي الملهمة. كل آليات ومناهج النظام البائد لا تزال عاملة شاخصة. بينما لم نستطع استرداد المال المنهوب ظلت عمليات النهب متواصلة . التهريب يستعصي على محاولاتنا البائسة.ضائقات الحياة اليومية تزداد تراكامتها وخناقاتها.المؤسسات العسكرية أغنى من الدولة.شركات وأفراد يحتكرون حقول الذهب وهي ملك الشعب. هذا ميدان مشكلته في فائض إنتاجه ليس في نقصه. كما أزمته في سوء توزيع عائداته. ربما أجدر بالدولة تأميم هذا القطاع. الأسوأ من المعاناة الراهنة الكفر بالأمل في قدرة الإدارة الحكومية الحالية على إحداث التغيير المرتجى .كأنما تريد إدارة حمدوك إقناعنا بفرضية الإستمرارية الحالية لا بمنطق التحول المنشود.
*** *** ***
مما يزيد المشهد قتامة بقاء عقلية الإنقاذ مهيمنة . ترهل المؤسسات على قمة السلطة. مجلس السيادة انتزع سلطات تنفيذية. العكسر احتكروا صناعة القرارداخل المجلس. رئيس المجلس يتصرف وكأنه رأس النظام ؛رئيس دولة شمولية. الدولة تتغمصها روح القبيلة في كل سياساتها من تشكيل مجلس الوزراء إلى إدارة مفاوضات إتفاقات السلام. حينما جرى استبعاد عدد من الوزراء تكشّف للجميع غياب روح الفريق داخل الحكومة. المرتجى العمل بنظام الأوركسترا . في ظل الإرتباك ،مراكمة الإحباط والتوغل في الجمود لم نسمع احتجاج وزير على خطوات اتخذتها الحكومة أو تقاعست عن اتخاذها؛ كلاهما كثر. . كذلك لم نشهد استقالة أحدهم من منطلق الرفض أو القبول إنحيازا للثوارأو من أجلهم مع تعدد المواقف والمشاهد المحرضة عليهما معاأو غعتراف القادر بعجزه .
للامانة لوزيرا المالية والصحة المقالين مشروعان؛كل في حقله بغض النظر عن الإتفاق أو الإختلاف معهما.
*** *** ***
رغم ذلك لا تزال الدولة مصرة على الذهاب في درب الإنقاذ نفسه بعقلية القبيلة ذاتها. بناء الدولة على أسس المحاصصة، تسكين االقبيلة والجهوية داخل المؤسسات.توسيع مواعين السلطة حد الترهل، تضمين خوارج الإقتتال تحت مظلة المؤسسة العسكرية ، ضحالة هيبة الدولة أمام العصابات المستقوية بالعصبيات المتباينة ،وهن سيادة القانون. عائدات الثورة ذهبت إلى أغلبية ليست من معسكر الحراك الجماهيري البازخ. الثوار مثل الفقراء لا يزالون ينتظرون أنصبتهم من خيرات الإنتفاضة الجبارة . الشعب لا يزال يترقب ترجمة ثالوثه العظيم ؛الحرية، العدالة والسلام على الواقع.
*** *** ***
ذلك ما يجعل الرهان على اسهام اتفاقات السلام في تحقيق الرخاء ضربا من التمني. تلك الإتفاقات تلقي حمولات إضافية داخل عربة الإقتصاد المعطوبة.في أولوياتها استحقاقات العائدين من اللجوء وتالنزوح .
الموقعون مسلحون بترسانات من الرغائب والطموحات يريدون بلوغها على عجل.هم يهبطون المدائن باسلحة مغايرة لأدوات الحوار المدني ليس أقلها لغة التهديد . هم يأتون من بيئة خالية من الممارسة الليبرالية و الوعي بهما كي يسهموا في مرحلة التحول الديمقراطي. على نقيض ذلك بينهم من يشكل مصدر قلق - إن لم يكن خطرا-على هذه المرحلة.في الإتفاقات نصوص تشكل الغاماً على وحدة الوطن .من ذلك تلك المتعاقة بالحكم الذاتي. كأنما غابت عن الموقعين تجربتنا الماثلة.

aloomar@gmail.com

 

آراء