مرافعة ضد المعارضين للتطبيع السوداني!!
أصالة عن نفسي (بصفتي مواطن سوداني أفريقي) ونيابة عن الشعب السوداني الأفريقي (إلا من أبى)، أتقدم نيابة عن جمهورية السودان الإفريقية الديمقراطية بمرافعة دفاعية هجومية ضد رافضي التطبيع السوداني آملاً أن أساعد ولو بقدر يسير في تعبيد الطريق الذي يتوجب أن يسلكه القرار السياسي الصائب الذي ينسجم مع الوزن السليم للوقائع السياسية والتكييف القانوني الصحيح لها ويتوافق مع المصلحة السودانية العليا وذلك على النحو الآتي:
أولاً: ملخص الوقائع
بتاريخ 23 اكتوبر 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إصدار قرار تنفيذي اعتزم بموجبه رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل دفع السودان مبلغ 335 مليون دولار كتعويض لضحايا هجوم تنظيم القاعدة على المدمرة كول وعلى السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا بسبب استضافة نظام الانقاذ البائد لزعيم تنظيم القاعدة في الخرطوم أسامة بن لادن وقيامه بتنفيذ الهجومين الإرهابيين المذكورين أثناء وجوده في السودان، وأبلغ الكونجرس الأمريكي بذلك القرار وطلب منه أن يقوم، خلال المهلة الإجرائية البالغ قدرها 45 يوماً، بتفعيل القرار المذكور بموجب تشريع قانوني وإصدار حصانة سيادية تقضي بحماية السودان من أي دعاوى تعويض مستقبلية بشأن أي هجمات إرهابية قام التنظيم المذكور بشنها بعد طرد بن لادن ومغادرته للسودان، كما أعلن ترامب موافقة السودان على تطبيع العلاقات مع دولة إسرائيل، مع العلم أن قرار التطبيع لن يدخل حيز التنفيذ في إسرائيل والسودان إلا بعد إجازته من قبل الكنيسيت الإسرائيلي وإجازته من قبل البرلمان السوداني الذي سيتم تشكيله لاحقاً حسبما أكدت وزارة الخارجية السودانية.
في التاريخ المذكور أعلاه، انتشر خبر عالمي عاجل في جميع أجهزة التلفزة العالمية وقالت معظم أجهزة التلفزة التابعة للدول العربية إن السودان هو ثالث دولة عربية تقوم بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل بعد دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة البحرين، أما أحد المستشارين الأمريكيين فقد قال إن جهود الولايات المتحدة نجحت سابقاً في إقناع دولتين عربيتين بالتطبيع مع إسرائيل (يقصد الإمارات والبحرين) ونجحت حالياً في إقناع دولة أفريقية بالتطبيع مع إسرائيل (يقصد السودان).
ثانياً: ملخص الأحكام الصادرة
سارعت عدة منظمات فلسطينية إلى إصدار أحكام الشجب والإدانة ضد قرار التطبيع الصادر من حكومة ثورة ديسمبر الانتقالية السودانية واتهمتها بخيانة قرارات جامعة الدول العربية ومعاهدة السلام العربية، وحرض بعضها الشعب العربي السوداني على الثورة في وجه حكومته العربية السودانية والقيام بإسقاطها بسبب خيانتها العظمى للقضية العربية الفلسطينية وتوجيهها لطعنة في ظهر الشعب العربي السوداني وطعنة في ظهر القضية الفلسطينية العربية.
ثالثاً: ملخص التكييف القانوني للوقائع
أولاً: يبدو أن البعض قد أخطأ في حساب عدد الدول المطبعة والعدد الصحيح للدول العربية التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل هي السلطة الفلسطينية (صاحبة القضية الفلسطينية)، مصر، الأردن، الإمارات، والبحرين، ولعل أكبر مفارقة في التاريخ البشري هي أن يطلب المطبع الفلسطيني من حكومة غير المطبع عدم التطبيع ويصر عليه بأن يكون ملكياً أكثر من الملك ويتهمه بالخيانة العظمى بسبب التطبيع ويدعو إلى إسقاطه!! مرة أخرى أخطأ أحد قادة الفلسطينيين في الحساب حينما قال إن قرار التطبيع ضار بمصلحة الشعب السوداني وكان من واجب الحكومة السودانية أن تستخدم مبلغ الـ 335 مليون دولار الذي دفعته للمبتز ترامب في حل الضائقة المعيشية التي يعاني منها الشعب السوداني، فبعد أيام قليلة من دفع المبلغ المذكور وصدور القرار الأمريكي، تسلم السودان منحة أوربية بمبلغ 370 مليون دولار ومنحة أمريكية بمبلغ 81 مليون دولار، فالمبلغ الذي دفعه السودان باليمين لترامب، استلم أكبر منه بالشمال ولا يوجد ابتزاز ولا يحزنون، فأموال الجهة التي يجري ابتزازها لا ترد إليها مطلقاً ناهيك عن ردها وبالزيادة كمان!! أما المكاسب الحسابية التي يجنيها السودان من القرار الأمريكي بشأن شطب السودان من قائمة الإرهاب والتطبيع فهي مكاسب مستمرة ولا تعد ولا تحصى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، فك الحصار الدولي عن السودان، المنح التي حصل عليها السودان حالياً والتي سيحصل عليها لاحقاً، تخفيف وإعفاء الديون السودانية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وللولايات المتحدة الأمريكية، تمكين السودان من تصدير صادراته بدون وسطاء دوليين، تمكين السودان من استيراد التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة المتطورة وقطع الغيار للمصانع ووسائل النقل الخاص والعام، تمكين البنوك السودانية من الاستفادة المباشرة من التحويلات الخارجية بلا وسطاء دوليين، جذب الاستثمارات الخارجية وهلم جرا!! ونقول لهؤلاء الفلسطينيين إن هناك فرق حسابي كبير بين حصار غزة وحصار الخرطوم، فشباب غزة كانت منظمة الأونروا تتكفل بالصرف على احتياجاتهم بأموال غربية أغلبها أموال أمريكية ثم قطع ترامب التمويل الأمريكي عن الأونروا، فتكفل التمويل الخليجي بالصرف على شباب غزة، أما شباب الخرطوم المحاصر فكان بلا وجيع وظل محروماً من أي تمويل خارجي، والسؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه هو: لماذا تطبعون مع إسرائيل مع كامل الاعتزاز ويتعالج قادتكم في المستشفيات الإسرائيلية وليس في مستشفيات القاهرة أو عمان أو الرياض أو دبي؟! وفي ذات الوقت تحاولون إشعار السودانيين بالخجل والعار من التطبيع مع إسرائيل؟! نقول لكم: لن يخجل السودانيون من التطبيع مع إسرائيل وسيطبعون برأس مرفوع، وهناك سؤال آخر نوجهه للإخوة الفلسطينيين وهو: لماذا أجمع القادة الفلسطينيين على إدانة تطبيع السودان واتهموا الحكومة الانتقالية السودانية بالخيانة العظمى بسبب قبولها بقرار التطبيع مع إسرائيل ودعا بعضهم إلى إسقاطها، وعندما قال عضو في إحدى المنظمات الفلسطينية إن السعودية تعرف جيداً بأنه لن يكون هناك حج أو عمرة إذا طبعت مع إسرائيل، لماذا سارع القادة الفلسطينيون إلى القول على سبيل الاعتذار إن هذا الشخص لا يمثل إلا نفسه، لماذا الكيل بمكيالين؟! على أي حال فإن العالم كله سينتظر رد الفعل الفلسطيني الرسمي عندما تطبع السعودية وغيرها من الدول الخليجية التي تقوم منذ أجيال بتمويل المنظمات الفلسطينية، ونؤكد منذ الآن أن الدول العربية سوف تطبع (مثل السودان) لأسباب اقتصادية بحتة يعلمها دهاقنة الاقتصاد الدولي فعصر النفط قد أوشك على الانتهاء ولا مخرج سوى الاندماج في النظام الاقتصادي العالمي والحصول على التقنيات المتقدمة ولا سبيل سوى الاستدانة من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي المسيطر عليهما من قبل أمريكا وإسرائيل!!
ثانياً: يبدو أن البعض يخطئ في تحديد هوية وأصل الشعب السوداني، ونحن نعتقد أن نقطة النزاع الرئيسية تتجسد في السؤال الآتي: هل السودان دولة عربية أم دولة أفريقية؟! علماً بأن معظم القنوات العربية تصف السودان بأنه دولة عربية وتجاريها في ذلك بعض القنوات السودانية مع العلم بأن العديد من السودانيين في معظم البلدان العربية والأوروبية والآسيوية يعانون من التحرش اللفظي بسبب لونهم وانتمائهم العرقي لأفريقيا!
بل يبدو أن كبار الشعراء السودانيين لا يعرفون هويتهم سودانهم أو يتعمدون الانحياز لهوية أجنبية لشيء في نفس يعقوب السوداني والأمثلة كثيرة نورد منها:
يقول الفنان السوداني محمد وردي في نشيده الوطني الجميل:
حين خط المجد في الأرض دروبا عرباً نحن حملناها ونوبة
وهذا النشيد الوطني لا يجيب على السؤال مطلقاً فيستحيل أن يكون الزول السوداني 50% عربي و50% نوبي أفريقي!!
يقول الفنان حسن خليفة العطبراوي في نشيده ذي اللحن الرائع (أنا سوداني أنا)
أيها الناس نحن من نفر عمرو الأرض حيثما قطنوا
ثم يقول
دوحة العرب أصلها كرم وإلى العرب تنسب الفطنُ
ثم يقول
وتغني آذانها فرحاً كعشوق حدا به الشجنُ
إذن نشيد العطبراوي يقول إن السوداني عربي ومسلم وينتسب للعرب الأذكياء!! وهذا التصنيف هو تصنيف عنصري وغير مقبول لكثير من السودانيين ولا شك أن مثل هذا التصنيف العروبي هو الذي أدى لانفصال جنوب السودان وقد يؤدي إلى تقسيم ما تبقى من السودان، مع العلم بأن المادة 18 من وثيقة الدستور الانتقالي لثورة ديسمبر قد نصت على ما يلي: - يكفل القانون المساواة الكاملة بين المواطنين تأسيسا على حق المواطنة واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد والأعراف وعدم التمييز بين المواطنين بسبب الرأي السياسي أو الدين أو العرق أو الجنس او الثقافة، أو اي سبب آخر. السودان هو بلد أفريقي وهو بلد متعدد الديانات فهناك مسيحيون، مسلمون وأصحاب ديانات أفريقية، وحتى العرب أنفسهم قد سموا بلادنا السودان، أي أرض السود أي أرض الأفارقة السود، وهذا إقرار تاريخي من قبل العرب بإفريقية السودان! عليه فإن أغلب العرب يستيقنون في قرارة أنفسهم بإفريقية السودان ثم يجحدونها بألسنتهم في ذات الوقت لشيء في نفس يعقوب العربي!!
صحيفة إسرائيلية قالت إن اتفاقية التطبيع مع الأمة الأفريقية تجعل حكومتها ثالث حكومة عربية تطبع مع إسرائيل! وهذا الوصف يجسد العجب العجاب برأسه وعينيه وأذنيه ولا نعرف هل هذا خطأ عرضي أم خلط مقصود لشيء في نفس يعقوب الإسرائيلي!! فكيف تكون للأمة الأفريقية السودانية حكومة عربية؟! ما هذا يا يهوذا!!! هذا لا يشبه إلا قولنا إن الأمة الآسيوية الصينية ترأسها حكومة أفريقية!! قد يقول قائل هناك أقليات سودانية مجنسة فمثلاً هناك سودانيون مجنسون من أصل فلسطيني، وهناك سودانيون مجنسون من أصل هندي ولهم كامل الحقوق الدستورية التي يتمتع بها السوداني الأفريقي الأصل، هذا صحيح، لكن هل يمكن مثلاً الزعم بأن الشعب السوداني هو شعب هندي؟!!
الفنان الكاشف صدح نشيده الوطني قائلاً:
أنا أفريقي، أنا سوداني
وهو قد نطق صدقاً وقال حقاً
المستشار الأمريكي الذي كان يقف خلف ترامب في لحظة صدور القرار الأمريكي قال إن السودان دولة أفريقية.
علم الأجناس (الأنثروبولوجي)، الذي يحتكم للأمر الواقع ولجينات الأغلبية العظمى من السكان، يقول إن السودانيين هم أمة أفريقية من أمم شرق أفريقيا وهو قول علمي صحيح يطابق الواقع الفعلي فسحنات السودانيين تتشابه مع سحنات الأثيوبيين، الإرتيريين، والصوماليين ويرقص جميع هؤلاء على أنغام السلم الخماسي الأفريقي السريع الطلقات وليس على أنغام السلم السباعي العربي البطيء الإيقاعات!!
إذن العرب في قرارة أنفسهم، الأمريكان، علم الأجناس وأنا والكاشف أخوي نقول إن الشعب السوداني هو شعب أفريقي وليس شعباً عربياً بأي حال من الأحوال وإذا كان بعض السودانيين، مسلمين وغير مسلمين، يتحدثون العربية باللهجة العامية السودانية أو بلهجة عربي جوباً فهذا لا يجعلهم عرباً، فمثلاً النيجيريون، مسيحيون ومسلمون، يتحدثون الإنجليزية ولا يمكنهم أبداً أن يدعوا أنهم انجليز، وتظل الحقيقية العرقية الثابتة وهي أن السودانيين ليسوا عرباً وأن النيجيريين ليسوا انجليز!! وإذا كان هناك بعض السودانيين يدعون عروبة سودانية وهمية فهم مجرد أصحاب مصالح مالية مرتبطة ببعض الدول العربية تماماً مثل بعض المصريين الذين يقولون إنهم فراعنة في مصر، وأفارقة في منظمة الوحدة الأفريقية، وعرب في جامعة الدول العربية!!! وللمصريين في وصف أصلهم شؤون وشجون!!!
إن بعض العرب وبعض المستعربين السودانيين من الأحزاب التي تتوهم عروبة سودانية لا وجود لها يعترضون على التطبيع مع إسرائيل ويقولون إنه كان بإمكان الحكومة ثورة ديسمبر الانتقالية أن تفرض شرطها وتقبل بحذف السودان من قائمة الإرهاب مقابل دفع مبلغ التعويضات فقط لا غير بدون تطبيع مع إسرائيل ولا يحزنون، ونقول لهؤلاء إن العالم كله يعرف أن الرئيس الأمريكي ترامب هو أشرس رجل أعمال في العالم وهو قد فرض على أغلب دول أوربا القوية وأغلب دول الخليج الغنية دفع مبالغ كبيرة للحكومة الأمريكية مقابل الحماية العسكرية الأمريكية (رجالة كده وحمرة عين)، فكيف يتمكن السودان، وهو الأفقر اقتصادياً والأضعف عسكرياً، من فرض شروطه على الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة العسكرية العظمى في العالم والتي يسيطر دولارها على كل الأسواق العالمية، من المؤكد أن الحكومة الانتقالية السودانية قد تصرفت بذكاء يحسده عليها معارضوها فهي قد اختارت التطبيع وربطت الموافقة النهائية عليه بصدور قرار البرلمان الذي يمثل الشعب لأن ترامب ربط شطب السودان من قائمة الإرهاب بالتطبيع ودفع التعويضات ولأن رفض التطبيع لا يعني سوى استمرار بقاء السودان في قائمة الإرهاب واستمرار الحصار الدولي على السودان إلى أجل غير مسمى، إن السياسة كما يعلم أغلب البشر، هي فن الممكن، ويستحيل على السودان الذي يعاني من حصار عالمي لمدة 29 عاماً والمصنف في آخر قائمة دول العالم الثالث أن يفرض شروطه على أمريكا وهي الدولة العظمى الأولى في العالم، فما بال هؤلاء القوم لا يفقهون حديثا!!
إن السودانيين هم أكثر شعب ضحى من أجل القضية الفلسطينية بشهادة الإسرائيليين فقد أدلى نتنياهو بتصريح لصحيفة الوول إستريت جورنال، ورد فيه، لقد شارك الجنود السودانيون ببسالة خرافية في حرب 1948، وحرب 1956، وحرب 1967، وحرب 1973، وحرب 1982 ضدنا، وبعكس الجنود الآخرين، قَتَل كل جندي سوداني العشرات من جنودنا رغم بدائية أسلحتهم، وبخلاف الجنود الآخرين، لم يفر الجنود السودانيون امام نيران مدفعيتنا في الحروب، بل صمدوا وقاتلوا وقَتلوا قبل ان يُقتلوا، لقد كانوا ملحمة في الشجاعة والثبات والاقدام وبخلاف الدول الأخرى، لم تكن لنا منذ تأسيس دولة اسرائيل في عام 1948، اي تعاملات سرية مع السودانيين كشعب، كانوا شرفاء في عداوتهم لنا، ويجاهرون بها، نحن ندرس في كلياتنا الحربية موقعة شيكان ... أقصر معركة حربية في التاريخ البشري، حيث اباد جيش الدراويش السودانيين جيش هكس ابادة تامة في ربع ساعة فقط لا غير، رغم الفارق الهائل في التسليح لمصلحة جيش هكس! واختتم نتنياهو تصريحه بقوله: يشرفني ان اعقد سلام مع رجال شجعان، هذه هو إتفاق الشجعان.
لمزيد من التفاصيل حول وصف نتنياهو لشجاعة الجندي السوداني يمكن الاطلاع على تقرير صحيفة الوول استريت جورنال على الرابط ادناه :
https://www.wsj.com/articles/israel-sudan-agree-to-normalize-ties-in-u-s-brokered-deal-11603469178
كل تلك التضحيات التي بذلها السودانيون كانت من منطلق إنساني بحت وليس من منطلق عرقي وهمي، ولا يزال السودان، حكومة وشعباً، يؤمن بحل الدولتين ويعتبر أن الانقسام الفلسطيني هو أكبر عائق في طريق حل القضية الفلسطينية مع العلم بأن المفكر السوداني الشهيد محمود محمد طه كان قد أطلق مبادرة سودانية شجاعة وعادلة في كتابه (مشكلة الشرق الأوسط ) الصادر في عام 1967م والذي طالب العرب بالاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها تحت إشراف الأمم المتحدة ومجلس الأمن على أساس القرار الدولي بشأن التقسيم الصادر في عم 1947م والقرار الدولي بشأن إعادة اللاجئين الفلسطينيين الصادر في عام 1948م ، بغرض الوصول لحل الدولتين، دولة يهودية ودولة فلسطينية لكن تم رفض مبادرته من قبل الفلسطينيين والعرب ونادوا باقتلاع إسرائيل ورميها في البحر وهرول الجميع للخرطوم رافعين شعار اللاءات الثلاثة (لا للسلام، لا للاعتراف ولا للتفاوض)!! جدير بالذكر أن الفلسطينيين والعرب، مازالوا يرفضون الاعتراف بإسرائيل ويرفضون التفاوض معها ويحاولون الوصول إلى حل القضية الفلسطينية حتى تاريخ اليوم لكن دون جدوى، علماً بأنه لا حل لأي مشكلة في الدنيا إلا بالتفاوض ولهذا غنى الفنان السوداني أغنية (ياخي فاوضني بلا زعل)!!
من المؤكد أن القضية الفلسطينية أو أي قضية وطنية أخرى يؤيدها الشعب السوداني لن تستفيد شيئاً من استبقاء السودان محاصراً ومكبلاً بالديون وعاجزاً عن الحصول على أي دعم دولي وأن عدم تقدير المصلحة السودانية العليا للملايين من الشباب السودانيين الذين فجروا ثورة سبتمبر المجيدة وإغلاق كل الأبواب التي تمكنهم من الوصول للحياة الكريمة في بلادهم يمثل قمة الجحود البشري وقمة الانانية السياسية، ونقول لكل من يتجرأ على إدانة تطبيع السودان مع إسرائيل ويحرض على إسقاط حكومة ثورة ديسمبر السودانية، إن السودان ليس ولاية عربية وهو دولة أفريقية مستقلة ذات سيادة وهو حر في اتخاذ أي قرار يحقق المصلحة السودانية العليا، ونؤكد لكل من هبّ ودبّ من رافضي التطبيع داخل وخارج السودان إن راعي الضأن في خلاء السودان يعرف أن أمريكا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة وهما كما تقول إحدى الأغاني السودانية (روح واحدة في جسدين) وأن جميع دول العالم المطبعة مع أمريكا هي مطبعة تلقائياً مع إسرائيل سواء أكانت تدرك ذلك أو لا تدركه ومن ينكر ذلك فهو مكابر ليس إلا وهو مصاب بنوع من الجنون السياسي الدائم أو المتقطع أو العاهة العقلية السياسية التي لا شفاء منها إلا باعتزال العمل السياسي بصورة نهائية والبقاء في الحجر المنزلي الكوروني إلى أجل غير مسمى، فاتخاذ قرار التطبيع أو رفض التطبيع مع إسرائيل هو في واقع الأمر ضجة كبرى حول لا شيء لأن إظهار التطبيع الخفي أو إعلان التطبيع السري يدخل في خانة تحصيل الحاصل وينطبق عليه بيت الشعر العربي العجيب الذي يقول:
كأننا جالسين والماء حولنا قومٌ جلوسٌ حولهم ماءُ!!!
أخيراً نقول إن التطبيع هو العودة لطبيعة الأشياء، وهو إجراء طبيعي، يقوم به الإنسان الطبيعي باعتباره الخيار الإنساني الأفضل والأصل في الأشياء الطبيعية هو الإباحة، والأصل الطبيعي في العلاقات بين الأفراد والجماعات والدول هو السلام والاعتراف المتبادل والتفاوض لحل المشاكل بصورة عادلة، أما الاستثناء الشاذ غير الطبيعي فهو العداء والرفض وركوب الرأس على الرغم من قلة الحيلة، ولهذا نقول لجميع رافضي التطبيع السوداني: قوموا إلى تطبيعكم يرحمكم الله!!
menfaszo1@gmail.com