تشكيل مجلس شركاء الحكم في السودان -فكرة كيزانية للالتفاف على أهداف الثورة
"لا تولوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكل متعمد، نظراً لشعورهم المستمر بعقدة النقص والدونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش ونهاية الدول." (ابن خلدون)
عزيزي القارئ..
ما قاله العلامة والمفكر ابن خلدون قبل عقود وسنين طويلة من الآن عن عدم اعطاء أبناء السفلة والسفهاء فرصة تولي القيادة والسلطة، ينطبق حرفيا على حكام السودان اليوم الذين سرقوا الثورة الشعبية العظيمة وجلسوا على سدة السلطة والقيادة لإذلال أبناء الشرفاء وظلم الأبرياء.
ادعى ما يسمى بالجيش السوداني وميليشيات الجنجويد، بانحيازهم للثورة، وبناءاً على هذا الزعم الكاذب، سمحوا لهم بالدخول في المجلس العسكري الانتقالي المنصرف ومن ثم في المجلس السيادي الحالي.. والآن ودون أي خجل وحياء يريدون الالتصاق بالكرسي للأبد عبر تكوين وتشكيل ما يسمى بمجلس شركاء الحكم.
في خطوة التفافية على أهداف الثورة.. أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، عن تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية مكوناً من (29) عضواً وهم: الفريق أول عبد الفتاح البرهان والفريق أول شمس الدين كباشي والفريق ياسر العطا والفريق إبراهيم جابر والفريق عبد الرحيم دقلو ودكتور عبد الله حمدوك.
فيما نالت الحرية والتغيير (13) عضواً وهم: عمر الدقير وعلي الريح السنهوري وطه عثمان إسحق ومحمد ناجي الأصم وفضل الله برمة ناصر ومريم الصادق المهدي وبابكر فيصل بابكر وحيدر الصافي شبو وكمال حامد بولاد ويوسف محمد زين وجمال إدريس الكنين ومعاوية حامد شداد ومحمد فريد بيومي.
ونالت الجبهة الثورية تسعة مقاعد ويمثلها مالك عقار اير ومني أركو مناوي والهادي إدريس يحيى والطاهر أبكر حجر وخميس عبد الله أبكر وجبريل إبراهيم والتوم الشيخ هجو. وخصصت مقعدين لمؤتمر سلام شرق السودان.
وبهذه التشكيلة يكون عبد الفتاح البرهان ومجلسه "العسكر جنجويد"، قد استطاعا ليس فقط الالتفاف على الثورة، بل الانقلاب عليها تماما، ذلك أن هذا المجلس:
1/ سيتغول على ما تبقى لمجلس الوزراء من مهام.
2/ سيقوم بمهام "مجلس الشعب" في مخالفة صريحة للوثيقة الدستورية.
3/ يراد من تكوينه، القضاء على لجان المقاومة والثورة الحية في الشارع.
4/ يقول عبد الفتاح البرهان أن مهام المجلس تتمثل في توجيه فترة الانتقال بما يخدم مصالح السودان العليا وحل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية. لكن المشكلة مع هذا الزعم الكاذب، هي ان كل أعضاء هذا المجلس الاستهبالي جميعهم -إما أعضاء في مجلس السيادة او مجلس الوزراء -بمعنى انهم سيكونون الخصم والحكم في الوقت نفسه، وهذا بطبيعة الحال لا يستقيم.
5/ بالإضافة لأعضاء مجلس السيادة والوزراء وتحالف "قحت"، فان هذا المجلس، ضم العاطلين العائدين من جوبا باسم السلام الذي لم ير اهل السودان شيئا منه حتى الآن، وهؤلاء جميعا على استعداد للالتصاق بالكرسي على حساب تحقيق اهداف الثورة.
من كان يصدق -حتى عبد الفتاح البرهان العسكري نفسه- لم يكن يصدق يوما ما ان يجد بين ليلة وضحاها نفسه بلا منازع على قمة السلطة في دولة اسقطت نظاما ديكتاتوريا عنيفا بثورة شعبية كبيرة.. ولأن السلطة لها رونق خاص لا يقاوم في البلدان المتخلفة سياسيا واجتماعيا وثقافيا كالسودان. فقد كان الهم الأكبر للبرهان هو توطيد سيطرته على السلطة، وتشكيله لمجلس الشركاء انما يدخل ضمن هذا الهم.
ان الثوار وكل لجان المقاومة والقوى الثورية الحية في السودان، مطالبة اليوم من أي وقت مضى لتوحيد الجهود من اجل تفويت الفرصة على عبد الفتاح البرهان وجنجويده، وعدم السماح لهم بالمضي قدما بمجلسه، لأن هذه الخطوة تعكس عجزه وعدم كفاءته للممارسات السياسية.
مرة أخرى، نذكركم بقول ابن خلدون.. "لا تولوا أبناء السفلة والسفهاء قيادة الجنود ومناصب القضاء وشؤون العامة، لأنهم إذا أصبحوا من ذوي المناصب اجتهدوا في ظلم الأبرياء وأبناء الشرفاء وإذلالهم بشكل متعمد، نظراً لشعورهم المستمر بعقدة النقص والدونية التي تلازمهم وترفض مغادرة نفوسهم، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى سقوط العروش ونهاية الدول."
bresh2@msn.com