الخرطوم تودع فلذة كبدها الشهيد المغدور بهاء نوري

 


 

محمد فضل علي
30 December, 2020

 

 

لاحصانة لمجرم او قاتل او منتهك لحقوق العالمين بعد اليوم ففي مشهد تكاد تهتز منه الجبال خرج جثمان الشهيد الشاب المغدور وهرعت والدته تتحسس الجسد المسجي واندفع بعض افراد اسرته يقبلون الجثمان الطاهر بينما شقيقة الشاب الشجاع الذي ضرب المثل الاعلي في الشجاعة والثبات وضبط النفس مع الادب الرفيع في كل كلمة من كلماته التي ظل يخاطب بها الناس منذ اللحظات الاولي لتلك الكارثة وهو يطالب امه وباقي افراد الاسرة بالثبات لقد اصبحوا كلهم لسان حال لكل المفجوعين من امهات واباء وذوي الشهداء والضحايا الذين ظلوا يتساقطون دون توقف علي مدي عقود طويلة بكل ناحية وعلي كل شبر من ارض والسودان وحتي يومنا هذا للاسف الشديد.

تحولت مراسم تشييع الشهيد السوداني المغدور بهاء نوري الي ملحمة وطنية كبري في شوارع وطرقات العاصمة السودانية ودشنت لميلاد فجر جديد يبشر بنهاية حقبة طويلة من الانتهاكات السرية اينما كانت علي الارض وفي كل شبر من ارض السودان بطريقة تؤكد ان الامر هذه المرة لن ينتهي بانتهاء مراسم الدفن والتشييع.

لقد شيعت الامة السودانية الشهيد والشاب المغدور الي مثواه الاخير بما يليق به وبحجم التضحية العظيمة التي قدمها في مبادرة وطنية كبري وبكوعليه بعين ودمعة واحدة تعبر عن ضمير هذه الامة وهذا الوطن العظيم في رد حاسم علي فلول الطغيان والاذرع القذرة ومرتزقة بعض مراكز القوي السلطوية الذين ادمنوا الاسراف في مثل هذه الممارسات واستخفوا بالانفس واستباحوا الارواح والحرمات ولكن وبقدرة الله انتهوا دائما الي خذلان عظيم وكلما حاولوا كتم انفاس مناضل وثائر تخرج اليهم شوراع السودان نيرانا وحمم.
لقد تأكد من مشهد تشييع اخر الشهداء المغدورين بمالايدع مجالا للشك ان الاغلبية الصامتة من شعب السودان تسير علي درب الوفاء القديم المتجدد للمواثيق والعهود القديمة وتسير علي نفس الدرب الذي سلكة من قبل كل المناضلين والمجاهدين الوطنيين للدفاع عن هذه الامة وان هذه الاجيال الجديدة المتوثبة المسلحة بالوعي والفكر والوجدان والضمير القومي اصبحت تكتب في كل يوم شهادة ميلاد جديدة لهذا الوطن العظيم وامة المجد التليد وتبقت المهمة الكبري من اجل تطهير و اعادة صياغة واصلاح اجهزة ومؤسسات العدالة القومية والامن والشرطة في البلاد حتي ترتفع الي مستوي التعامل مع مثل ماحدث بالامس وتزيح الغموض عن الجرائم ضد الانسانية التي ارتكبت خلال الثلاثين عام من الليل المظلم الطويل من حكم الاسلاميين ومايحدث اليوم في زمن الغيبوبة الراهنة واستمرار نفس الممارسات وتدهور الاوضاع علي كل المستويات.
من اجل الاصلاح السياسي والقانوني والعدلي الشامل لابد من التسلح بالواقعية وتجنب الاندفاع والشعارات والانفعالات العاطفية والسير بعين مفتوحة نحو الغد المشرق والعودة الي الجذور القديمة لكل ماحدث ومايحدث اليوم وربطها ببعضها البعض من اجل التوصل الي الحقيقة واعادة تقييم كل القضايا واصلاح ودعم الاليات القانونية الراهنة التي تتعامل حتي هذه اللحظة مع واحد بالمائة فقط من انتهاكات الثلاثين عام من حكم النظام السابق مع ضرورة تدريب اجيال جديدة من المحققين الاليكترونيين والطب الشرعي في اجهزة الشرطة ووزارة الداخلية بصورة عاجلة لوجود شبهة التأمر ومشاركة بعض الافراد في الجهات المشار اليها في تسهيل الانتهاكات وتعمد تجاهل مصادر الخطر علي الدولة والمواطنيين.
الامر الاكثر اهمية هو ضرورة فتح مركز للمساعدة القانونية بصورة فورية لتقديم العون القانوني لضحايا جرائم وانتهاكات النظام السابق وميليشياته ومرتزقته داخل وخارج البلاد وتامين طريقة التواصل بين ضحايا النظام وبين اجهزة العدالة المفترضة لانه لاتوجد ضمانات من الاختراق المنظم لكل اجهزة الدولة السودانية الراهنة مجتمعة وحتي العناوين البريدية لكل اجهزة ومؤسسات الدولة قد تكون غير امنة .
العدل اسم من اسماء الله الحسني واذا غاب العدل فسيكون هذا بمثابة اول الطريق لانهيار الدولة وانتشار الفوضي واخذ القانون في اليد وامامي مشهد لم اري له مثيل منذ ظهور الدولة السودانية الي الوجود يتمثل في قيام اهل او بعض المواطنين من المتعاطفين مع ضحية اخري وشاب اخر اخر لقي مصرعة في احد مراكز الشرطة السودانية وقد قاموا بمداهمة مركز الشرطة واختطاف بعض افراده والتحقيق معهم بعد ان تعرضوا للضرب والتنكيل كما هو واضح من ملامح وجوههم واجسادهم المنهكة وملابسهم الممزقة والحوار بين الخاطفين وبين الشرطي المخطوف والعملية كلها تؤكد ان الكيل قد طفح وان المختطفين يعتقدون بطريقة جازمة انهم يدافعون عن الحق الضائع وليس من بينهم بالطبع مجرم او صاحب مصلحة خاصة فيما يفعلون انها البداية فقط ونتمني ان يستيقظ الجميع حكام ومحكومين قبل فوات الاوان ..

 

آراء