استقالة القراي كمدير للمناهج -انتصار لقوى الظلام والرجعية وأصحاب الامتيازات التاريخية

 


 

 

 

 

تقدم مدير عام المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، الدكتور عمر القراي، استقالته من منصبه، اعتراضا على تجميد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك العمل بمقترحات المنهج الدراسي الجديد.

وكان حمدوك قد أصدر قراراً قضى بتجميد العمل بالمقترحات المطروحة حالياً من إدارة المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، حول المنهج الدراسي الجديد والتي أثارت جدلاً كبيرا من قبل جماعات دينية متطرفة إسلامية في البلاد وأصحاب الامتيازات التاريخية وما يسمى بمجمع الفقه الإسلامي الذي حرم تدريس منهج التأريخ للصف السادس ابتدائي، بحجة أن المنهج يسئ للذات الإلهية.
عزيزي القارئ..
ان قرار السيد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك بتجميد المنهج الدراسي الجديد لمجرد ان هناك ضجة إعلامية حوله من قبل الإسلاميين وآخرين من أصحاب الامتيازات التاريخية في السودان، ودون استدعاء مدير المناهج لاستفساره عن سبب هذه الزوبعة والضجة. إنما في اعتقادي ردة سياسية يمكن اعتبارها ثورة مضادة، ذلك ان أحد مطالب ثورة ديسمبر المجيدة، هو تنظيف المناهج الدراسية المختلفة حتى تواكب متطلبات العصر وتُحدث نقلة نوعية للمجتمع وافراده نحو الرفاه والتقدم والرقي الاجتماعي.
نعم، قرار السيد حمدوك بتجميد المنهج الدراسي الجديد الذي عمل الدكتور عمر القراي ولجانه المتخصصة لأكثر من عام دون كلل وملل، يشبه حقا، قرارات الثورة المضادة، وإلا ماذا يعني قراره بتجميد المنهج الدراسي الجديد؟
يقول السيد حمدوك في بيانه الارتدادي، أن هذا الحراك الاجتماعي والنقاش حول قضية المناهج وتطويرها هو إحدى ثمرات ثورة ديسمبر التي فتحت الباب لإمكانية هذا الحوار الاجتماعي الديمقراطي الإيجابي.. لكن حمدوك للأسف لم يسمح لهذا الحراك الاجتماعي والنقاش حول قضية المناهج وتطويرها ان يستمر، بل اغلق هذا الباب بتجميد المناهج الجديدة، استجابة لضغوط قوى الظلام والرجعية المتخلفة التي تتخذ أشكالًا عديدة، منها مثلاً أن تكون على هيئة جماعات دينية، مستغلة سطوة وقدسية الاعتقاد لدى البشر.
وتحرص هذه الجماعات على أن يظل القديم وخطاب الدين، غير قابل للنقد أو للتجديد، لكي تستمر سطوة تلك القوى على الاتباع، وتمكنهم من تنفيذ مآربها، والتي عادة ما تكون مرتبطة بالمال والنفوذ.
لا ازعم معرفة ما في المنهج الدراسي الجديد، لكن ما اعرفه، هو ان ما قدمه الدكتور عمر القراي من شرح حول الموضوع في مؤتمره الصحفي قبل أسبوع من الآن، كان كافيا لإقناع الجميع بتأييد المنهج الجديد، إلا ان ما حدث، هو ان الجماعات الطائفية التقليدية، وجماعات الإسلام السياسي التي تقاوم التطور العلمي والفكري، والانفتاح على الثقافات المختلفة، وتتمسك بالمناهج القديمة ذات النسق المحافظ، زادت من هجومها على المنهج الجديد والدكتور القراي، بإيراد كثير من الأكاذيب والأوهام، حتى انصاع السيد عبدالله حمدوك لهذه الضغوطات وقام بتجميد المنهج الدراسي الجديد دون تقديم المبررات الكافية لهذا القرار.
عزيزي القارئ..
قرار السيد عبد الله حمدوك بتجميد المنهج الدراسي الجديد، قرار جبان، يوضح بجلاء ضعف شخصيته القيادية وهشاشة حكومته. فهذه الحكومة التي يفترض انها حكومة ثورية، جاءت لكنس الإسلاميين وازلامهم، تجاهلت تحقيق اهم أهداف الثورة، ولابد لها ان تدفع ثمنا غاليا لجُبنها ولخضوعها للضغوطات التي مارسها عليها الفلول والإسلاميين، حتى تخلى عن المنهج الدراسي الجديد.
يتحدث السيد حمدوك كثيرا عن التوافق حول أُسس إعادة البناء والتعمير لسودان يسع الجميع. لكن الحديث عن "توافق ما" في السودان، لا يعدو كونه مجرد ضرب من الحلم والخيال، وذلك لاعتبارات عديدة منها، المسافات التي تفصل بين المكونات السياسية، سواء على مستوى التصور، أو الممارسة، بل وحتى على مستوى الأفق السياسي المأمول.
إن القادة الذين نجحوا في وضع بصماتهم على تأريخ شعوبهم وحرصوا على التغيير الإيجابي في مجتمعاتهم، كانوا يصرون على تطبيق رؤيتهم الصحيحة حتى لو فشلوا في الحصول على توافق سياسي مع كل الأحزاب، فليحذو السيد حمدوك حذوهم، بالإصرار على تطبق رؤيته الخاصة، وليس الاعتماد على التوافق السياسي الذي من المستحيل حدوثه في السودان.
ليكن، تغيير المناهج الدراسية ومكوناتها جزءا أساسيا في الاستراتيجية الوطنية، لتحويل التحديات الى فرص للتنمية والتطوير، واحداث تغييرات إيجابية في التعليم والتدريب، كون المنهج هو الأساس في التعليم، وكونه المادة الرئيسية المعنية بقضية التعليم وجوهرها.
وليعلم السيد حمدوك أن المسألة التعليمية لا تحتمل الترقيع ولا التوافقات الظرفية المصلحية، ولا المزايدات السياسية، فتغيير المنهج يجب وضعه في إطاره الصحيح، غايته تكوين وتأهيل الموارد البشرية للاندماج في ديناميكية التنمية الشاملة.
ليترك السيد حمدوك مسألة المنهج الدراسي الجديد، تمضي بشكله الحالي، فالموضوع لا تحتاج لكل هذه الضجة والزوبعة، كما انها لا يحتاج إلى توافق أو إجماع وطني، لطالما المنهج، وضعته لجان متخصصة وخبراء في هذا المجال.


bresh2@msn.com

 

آراء