اتفاق جوبا: خطوة نحو سلام قومي مستدام أم بعث لعنصرية مضادة وجهوية بغيضة مقسمة للوطن
في بناء البشر
يخضع أي نص مكتوب لقدر كبير من التفسيرات والتأويلات والفهومات المتباينة والتي قد تحكمها في أغلب الأحيان الأهواء والأغراض والمصالح، لذلك قيل حتى عن القرآن الكريم: ” إن كتاب الله يفضه الرجال” بمعنى أنه لا يفسر نفسه بنفسه ويحتاج لجهد بشري للفهم والتفسير. ومن هنا كان من الطبيعي أن يتعدد فهم اتفاق جوبا وأن يجرح الموقعون على الاتفاق رؤى مختلفة بل قد تكون متناقضة، وقد تقوم عليها مواقف ضارة بالوطن وبمناطق النزاع نفسها. ومن أبرز هذه المواقف، تصريح وزير المالية المركزي “د. جبريل إبراهيم” بأن سبب إصرار الجبهة الثورية على حقيبة المالية الضمان والتأكد في أن الهامش سوف ينال نصيبه من الميزانية حسب اتفاق جوبا. وكأنه لا يثق في الذين وقعوا معه من أبناء “المركز” وعيال البحر وأنهم سوف ينقضون العهود ويواصلون عملية التهميش وحجب أموال التنمية عن الأقاليم المتضررة من الحرب الأهلية والنزاعات.
وتطل علينا الجهوية البغيضة بكل حمولة العنصرية المضادة من خطاب قيادي بالجبهة الثورية يدافع عن احتلال قوات مسلحة لمنشآت عامة داخل العاصمة الخرطوم. حين قال: ” الخرطوم حقت أبو منو؟ حتى يقال لهم اطلعوا منها” وقد تعمد الخلط، فالمواطنون بالعاصمة لم يطالبوا بخروج هذه الفئات لأنهم فور أو زغاوة فقد ظل الفور والزغاوة ينزحون بالعشرات إلى الخرطوم ولم يطالبهم أحد بالعودة إلى مناطقهم، بل سيطر بعضهم أحياناً على الأسواق المحلية ودكاكين البيع بالقطاعي. ولكن ما طالب به المواطنون الآن: هو ضرورة خروج عناصر مدججة بالأسلحة الثقيلة من أماكن سكن مدنية تجنباً لخطر وجود السلاح داخل المدينة، بلا رقابة وسيطرة من قبل الدولة. هذه هي القضية بلا تدليس وخبث وتقليل.
ووجدت هذه الدعوة صداها العنصري المباشر حين خاطب أحدهم حشداً من الجبهة الثورية بخطبة في شكل قصيدة حماسية تنضح بالعنصرية والتحريض على القتل والتخريب صراحاً، ففى شريط مسجل متداول هذه الأيام يتوعد ويهدد الخطيب في لغة فجة وهابطة:
الخرطوم رأس الحية ندمرها ونرميها في غياهب الجب
الخرطوم نخربها لتكبرها ونرميها في غياهب الجب
كرري والمرخيات نكسرها
ومياه النيل نغليها ونبخرها
وتتفاعل عنصرية مضادة ويرد عليه آخر من أقصى الشمال كما يبدو في قصيدة يقول فيها:
تعال مروي
وتعال زور الشمال كلو
بدل تدي البلاد طلقة
ثم يعدد له مظاهر الحضارة هناك ويفتخر بما عنده ولا وجود لأي سودان موحد يضم كل هذا التنوع.
وفي “الفيسبوك” يخاطب هامشي أهله بدارفور ويحرضهم على قتل كل جلابي أو ولد بحر، وذلك من خلال قضية مقتل طالب الجامعة الإسلامية. إذ يقول “بأن قتلة الطالب سيحاكمون ويعدمون لأنهم سود ولكن قتلة فض الاعتصام لن يحاكموا لأنهم عرب، لذلك يطالب أهله أن يقتلوا أي عربي يقابلهم دون تردد للانتقام للسود من بني جلدتهم”. وتعرض لهجوم عنصري شرس ملئ بالسباب والشتم ووصف شكله ولونه وطبعاً كل هذه التصريحات مدانة وخطرة على الوحدة الوطنية.
وفي الختام سؤالي ما هو دور قيادات الجبهة الثورية في تثقيف وتوعية الشباب ضد مظاهر العنصرية والجهوية؟ وماهو دورهم في تحويل اتفاق جوبا لخدمة المشروع القومي السوداني الذي يحقق التنمية الشاملة العادلة وأن يكون دخل الإنتاج السوداني لكل السودانيين بلا أي تمييز. أعول كثيراً على دور قومي حديث لقيادات الجبهة الثورية وأن يتخلوا عن أحقاد الماضي التعيس وأن يغادروا مستنقع الانتقام والتحريض.
ومن أهم واجبات القيادات الثورية أن يهتموا بتكوين الشباب فكرياً على أسس قومية بناءة وأن يعملوا بجدية وإخلاص على قيام السودان الجديد الذي يحلمون به طوالي وأن يتحول إلى واقع معاش وليس مجرد شعار وأغنية.