بيوت الأشباح وضرورة مُحاسبة المُجْرِمين

 


 

 

 

 

في قروباتٍ بمنصّةِ (واتساب) للتواصل الاجتماعي، جرى توزيع مقال خُلاصته انّ "السُلطات السودانيّة تمنع القائمين على برنامج بيوت الأشباح من تصوير بيوت وزنازين التعذيب في عهد الإنقاذ والكيزان".
في واحدٍ من تلك القروبات، كتبت حول المعلومة أعلاه وردّاً على تعليقات مَن شارك في الحوار، ما يلي:
هذا الأمر ليس صحيحاً، ويؤكد مصدر موثوق "انّ ما ورد في ذلك المقال غير صحيح على الإطلاق"، ويضيف المصدر "هناك تصوّر أنّ هذه البيوت أو تلك الزنازين لا تزال كعهدها. لقد تحوّلت كلها لمباني جديدة وحديثة، ويمكِنك أنْ تقول.. كان هنا بيت أشباح، لكن لن تجِدْ الغُرف ولا المباني القديمة. أشهر بيوت الأشباح الذي ورد في عدد من الحكايات هو بيت (سيتي بانك)، تحوّل لعمارة كبيرة الآن. نادي الضباط الإداريين ولجنة الانتخابات تحوّلا لعمارةِ الضمانِ الاجتماعي. مبنى آخر تحوّل لإدارةِ الإعلامِ التابع لجِهازِ الأمنِ. العمارات الحمراء الأربعة في القيادة تم هدمها وبُنيت مكانها أبراج الجِهاز الحاليّة". وأردف المصدر "المؤسِف في هذا الموضوع أنّ الجنود الحقيقيين وراء برنامج (بيوت الأشباح)، والذين عملوا على الإعداد والتجهيز له لأشهر طويلة لا يتحدثون.. وبعض مَن عُهدت إليهم أدوار مُحدّدة في تنفيذ البرنامج، صاروا نجوماً يتحدثون باسمه ويدلون بالتصريحات ويكتبون معلومات مغلوطة في السوشيال ميديا". انتهى.
في مداخلة أخرى واصلت وكتبت:
ومع ذلك، حسناً فتحنا الحديث حول هذا الموضوع.
السؤال الذي يدور في ذهني، وأكيد في ذهنِ العديدِ من الذين يتابعون حلقات أحد ملفّات جرائم النظام البائد، يتعلّق بأسماءِ المجرمين الذين ارتكبوا تلك الفظائِع وقد ورد ذِكرهم وثبت على لسانِ العديد من الضحايا تأكيد ارتكابهم الكثير من جرائمِ تعذيب المُعتقلين والإساءة إليهم وإذلالهم وهدر كرامتهم. فهل ينتظِر النائب العام أنْ يرفع الضحايا شكاوى حتى يفتح ملفّات وتحقيقات حول تلك الجرائم؟
الذي اعرفه أنّ النائب العام يملك حق التحرُك باسم مكتبه وصلاحياته والتحقيق في أيِّ موضوع يرى فيه شُبهة قضيّة جنائيّة جرى تداولها في الإعلامِ أو حتّى وصلت له أيّة معلومات عنها بأيّة طريقة ما، وكذلك النيابات العامة والمُتخصِّصة تملك بذاتِ الحيثيّاتِ حق المبادرة لفتحِ تحقيقاتٍ جنائيّةٍ، إمّا الاستِمرار فيها بحسب ما تؤكِده التحقيقات الأوليّة فتتِم إحالة الملف للقضاء أو يُحفظ التحقيق لأنّه لم تتوفّر بيّنات تَسْتَدْعى رفعه لقضاءٍ.
هذا الأمر شهدته وأتابع مثله هنا في رومانيا في العديدِ من القضايا وحتّى المُتعلقة بالفساد وتجاوز صلاحيات المنصب وتضارُب المصالح.
مثلا، كشفت تحقيقات برنامج تلفزيوني - استمرّ سنة كامِلة في حلقاتٍ أسبوعيّة تُعاد كل حلقة سِتّة مرّات، أي يوميّاً - عن سجنٍ كان يتم فيه تعذيب المعتقلين السياسيين أوّل سنوات حُكم النظام الشيوعي السابق، وأغلب والإفادات لم يتيسّر لها أنْ تكون على لسانِ الضحايا أنفسهم فقد غادر اغلبهم الحياة وإنّما نقلاً عن أبنائهم أو أقرباء لهم أو بالاطلاعِ على ما تركوه مكتوباً ومُسجّلاً، وكأنّهم كانوا ينتظِرون يوم مُحاسبة جلّاديهم.
المهم في الأمرِ أنّ التحقيقات كشفت عن أحد الجلّادين الذين أشرفوا في فترةٍ ما على ذلك السجن واستطاعت صحافيّة استِقصائيّة أنْ تكشفه وعرفت مكان إقامته وكيف يعيش ومبلغ المعاش الذي يصرفه وأملاكه.
فتحت النيابة ملفّاً واستدعت ذلك الضابط وحقّقت معه برغم أنّ عمره كان أكثر من ثمانين سنة وقدّمته أمام القضاء الذي حكم عليه بالسجن 20 سنة وصودِرت ممتلكاته وتوقّف معاشه، وقد توفى ذلك المُجْرِم في السِجن عن 93 سنة.
سؤالي هو.. لماذا لم تتحرّك أيّة جِهة عدليّة بعد بثّ حلقات بيوت الأشباح؟
وهنالك أسئلة أخرى كثيرة لا اشك أنّكم جميعاً تعرفونها وتسألونها.
الذين ارتكبوا جرائم بيوت الأشباح التي أقامها النظام البائد وغيرها من الجرائمِ التي يندي لها الجبين لا يحتاجون أنْ تهاجر لهم لتطاردهم مثلما يفعل الذين امتهنوا صيد مُجْرِمي النازيّة، ومَن قُبِر مِنهم نبشوا سيرَته في نِصوصٍ ورواياتٍ أدبيّة تحولت إلى أفلام سينمائيّة خلّدت الضحايا وجعلت الجلّاد عارياً من الأخلاق والقِيَم الإنسانيّة والربّانيّة.
كثيرٌ من الذين ارتكبوا جرائم نظام الإنقاذ البائد، وأمروا بها أو وفّروا لها الفِقه اللازم لتصبح مُمارسة باسمِ الدولةِ والدِينِ مع الأسْبابِ التي جعلتها حالة دراسيّة لداءِ فُقْدان الإنسانيّة، يعيشون بيننا. الأسماء معروفة. الأوجه لم تتغير بعمليات جراحيّة. ويستطيع الضحايا التعرُّف عليهم.
على الدولة أنْ تكون الادعاء لإحقاقِ الحق العام، وتأتي بكل مَن ورد اسمه في ملف بيوت الأشباح ليصبح مُتهماً، ويطلب الادعاء من الضحايا ليمثلوا أمام القضاء كشهودِ إثبات. على الدولة السودانيّة أنْ تنظِّف نفسها وتتطهر من تلك الجرائم المُخزية حتى لا تتكرر باسمها وباسم أيّة سُلطة حاكِمة أخرى.
مسألة التصوير في ذات بيوت الأشباح التي جرت فيها تلك الجرائم لم تعُد هي القضيّة الأساسيّة. علينا أنْ نناقِش مسائل مثل، ثم ماذا بعد كشف حقائق الجرائم وبالأسماء في برنامج بيوت الأشباح؟ هل مِن تحرُك لجلبِ الذين ارتكبوا تلك الجرائم ليمثلوا أمام العدالة؟ الضحيّة موجود، وكذا الجلّاد، فلماذا لا يبدأ الحِساب؟ وكيف يكون الحِساب؟
النائب العام ومَن ينوب عنه لا يحتاج أنْ يصله ضحايا بيوت الأشباح ليتحرّك.. تستطيع النيابة العامة من داخلها أنْ تفتح ملفّات عديدة في مواجهة كل من ورد اسمه من الجلّادين والذين ارتكبوا تلك الجرائم.. لتبدأ مُحاسبة الجرائم والمُجرِمين.
مُحاسبة مُجرِمي بيوت الأشباح لا تحتاج لقوانين ثوريّة وإنّما لنيابة عامة تقوم بواجبها. إنّها جرائم خارج القانون.
تحياتي ومودتي للجميع.
عصام محجوب الماحي
2ابريل 2021؛ بوخارست - رومانيا

isammahgoub@gmail.com

 

آراء