بابكر فيصل: هذا رأي في الحركة الإسلامية في السودان، معظم قيادات الحركات المتطرفة في المنطقة خرجت من عباءة الإخوان المسلمين ولا توجد تجربة إسلامية سياسية ديمقراطية
الأُستاذ بابكر فيصل في جزئه الأخير من حواره مع سودانايل:
• لابُدَ من فرزِ واضح بين الحزب السياسي، والمكون الطائفي
• التجمع الإتحادي مليء بالأشقاء الذين ينتمون للطريقة الختمية، ولم نقم كتجمع إتحادي من أجل وحدة عاطفية...ونحن لا نرفض الوحدة
• نحن نسعى وسنسعى مع كل القوى الإتحادية للوحدة ومعركتنا ليست مع أطراف إتحادية
• لكي نفهم الممارسات السياسية التي قامت بها الحركة الإسلامية في السودان، علينا قراءة منهجهم وأفكارهم، التي إستمدوا منها تلك الممارسات
• نحن نستخدم منتجات الحداثة، لكن نرفض العقل الذي أنتجها، وهو العقل العلمي
الجزء الرابع والأخير- وفيه يتحدث الأُستاذ بابكر فيصل عن الأزمة الإتحادية، بالإضافة الي محور عن الإسلام السياسي في ظل الواقع السوداني.
خاص - سودانايل
أجري الحوار: أمجد شرف الدين المكي
كولورادو – الولايات المتحدة الأمريكية
o الإتحاديون
س- أين حزب الأزهري، يحي الفضلي، مبارك زروق، الحاج مضوي، والشريف حسين؟ ما كان يعرف بإلاتحادي الديمقراطي حتى وقت ليس بالبعيد أصبح مجموعة أحزاب اتحادية متفرقة ومشتتة وكلٌ يغني على ليلاه! والغريب أنهم جميعاً اتحاديون، وكل يري أنه على صواب. في الوقت نفسه -هناك أعداد إتحادية ليست بالقليلة، يُعَرِفون أنفسهم - بأنهم يجلسون على الرصيف - ولا يَعِرفون إلى أي حزب اتحادي هم منتمون ...ألا تكفي هذه الفرقة؟
تاريخياً- هو الحزب السياسي الذي قاد الحركة الوطنية. وإستطاع أن يحصد بأغلبية كاسحة وفي سابقة لم تتكرر في تاريخ الانتخابات والبرلمانات السودانية، عند قيام أول انتخابات في البلاد، حينما فاز الحزب الوطني الاتحادي بالأغلبية، وشكل حكومته منفرداً.
كغيره من الأحزاب، نشأ الحزب الاتحادي في ظل واقع سوداني، مليء بالتناقضات وغير مستقر، وأيضاً في ظل العلاقة مع الطائفة التي صاحبته في مرحلة لاحقة واصبحت في عملية شدِ وجذب بينهما وإلى يومنا هذا. فوق ذلك، بالتدقيق والتمحيص، والنظر في الحقائق الواقعية، وبعد تجربة طويلة جداً - إتضح جلياً، أنه لابُدَ من فرزِ واضح بين الحزب السياسي، والمكون الطائفي داخل هذا الحزب. بصورة عامة، الطرق الصوفية كانت ومازالت موجودة داخل الحزب السياسي، ومكون أصيل من مكوناته، وداعمةً له أيضاً، بمختلف أسمائها. لكن في اللحظة التي تتدخل فيها هذه الطائفة على القرار السياسي للحزب، وتجعل الممارسة السياسية حِكر على الطائفة فإنها تُقعِدْ دور الحزب السياسي، وفي نفس الوقت تُضعف الدور المنوط بها، وهو الدور الإجتماعي والديني. هذه الحقيقة ما هي إلا نتيجة لقراءة تاريخ إمتد لأكثر من ستين عاماً. وأثبتت التجربة بما لا يدع مجالاً للشك، أن تدخل الطائفة في القرار السياسي الحزبي، أدى لإنحراف المسار وأخل وأقعد الحزب في قراراته وبنيته السياسية. لأن بنية الحزب السياسي تختلف عن الطائفة، حيث أن الوراثة هي ما تقوم عليه الأخيرة. بمعنى آخر، تقوم الطائفة على العلاقة البيولوجية بين الأب والابن الوريث (ولا عيب في هذا) إلا أن العلاقة الحزبية سياسياً تقوم على الإنتخاب الحُر المباشر، من القاعدة إلى القمة. إذا، هذان المكونان (الطائفي والسياسي) مختلفان تماماً عن بعضهما البعض. ولا يمكن للحزب السياسي أن يسير وفق التركيبة الطائفية. ولابد من حدوث تمييز واضح بين هذين الكيانين. وهو لا يعني إبعاد هذه القوى المؤثرة. والتي وكما ذكرت، لها دور ديني إرشادي مهم، بأن تقدم الحكمة والمشورة والإرشاد. هذه هي الصورة العامة.
وهناك نقطة لا بد من إجلائها في هذا الخصوص وهى محاولة البعض رمينا زورا بإستعداء الطريقة الختمية ورموزها، وهذا كلام تجافيه حقائق الواقع حيث أن التجمع الإتحادي مليء بالأشقاء الذين ينتمون للطريقة الختمية، ووجودهم كثيف على كافة المستويات (القاعدة والقيادة)، ذلك لأننا لا نخلط بين التوجه الديني للعضو والتوجه السياسي، نحن نحترم رموز الطريقة الختمية وجميع الطرق الصوفية ونقدر لهم دورهم المهم في الحفاظ على النسيج الإجتماعي والديني في السودان، وهو دور متعاظم خصوصا مع المهددات الكبيرة التي تواجه السلم والتماسك المجتمعي.
بالنسبة لنا كتجمع إتحادي، تكويننا بدأ منذ دخول الحزب ومشاركته النظام السابق. نحن عبارة عن فصائل وأحزاب إتحادية كثيرة رفضت مشاركة النظم الديكتاتورية، وتوافقت هذه الفصائل جميعاً، على أن هذه المشاركة تعتبر ضد موقف الحزب. وضد دستور الحزب. وضد مبادئ وقيم الحزب الديمقراطية! عليه واصلنا في معارضتنا ومقارعة النظام، والتي كانت منذ اليوم الأول لحكم نظام الإنقاذ. عموماً وفي خلال الثلاثين عاماً الماضية، كانت هناك طليعة إتحادية عريضة، مستنيرة مثقفة، تتكون من قوى طلابية وشبابية واعية. كانت هذه المجموعة الإتحادية تعمل في صمت، وتجرد حقيقيين. وقد أظهرت ثورة ديسمبر حجم هذه القوى الإتحادية الكبيرة وبشهادة الجميع من غير الإتحاديين. كما ذكرت كقوة حقيقية على الأرض والشارع، قادت مع غيرها من القوى هذه الثورة الكبيرة.
وكما تحدثت في إحدي أجزاء هذا الحوار من قبل، لابد من العمل بمبدأ "تقوية الأحزاب". نحن في التجمع الإتحادي - مشروعنا وهدفنا هو: مشروع إعادة بناء، من القواعد - ولا نتطلع للوحدة العاطفية! بمعنى أن نرفع شعارات عاطفية للوحدة ومن غير وجود عمل، وحدوي ومؤسسي. نحن نتطلع لوحدة حقيقية تنبع من القواعد، عبر المؤتمرات القاعدية، لإيصالنا إلى إنتخابات حقيقية، تنتخب قيادة الحزب. هذا من جانب، من جانب اخر، المجتمع السوداني، حدث فيه تحول إجتماعي كبير في الثلاثين عاماً الماضية. ولا يستطيع أي شخص التنبؤ وقياس الأوزان الحقيقية للمجتمع. أعني لا أحد يمكنه أن يقول بأن الأحزاب قد إنتهت، أو ليس لها وجود. في الوقت نفسه، لا يمكن القول بأن الطائفة قد تلاشت وإنتهت أيضاً، أو أنها قد تشكلت بشكل جديد رمزياً. والشاهد في هذا الموضوع، عدم قيام إنتخابات حقيقية ديمقراطية توضح الحجم الطبيعي والحقيقي سواء الحزبي أو الطائفي والمجتمعي في السودان. نحن ظللنا طوال ثلاثين عاماً نعيش في ديكتاتورية همشت القوى الإجتماعية المختلفة، والتي بدورها أثرت على بينة الأحزاب في شكلها، وقواعدها. بل حتى علي مستويات أسسها التي قامت عليها. لكن من المؤكد أن هذه الثورة، أعطت مؤشرات. كالشباب مثلاً، والذين أصبحوا أهم عامل في القوى المجتمعية السودانية ولا يمكن تجاهلهم وإبعادهم. وهم يمثلون أكثر من ستين بالمائة من تركيبة المجتمع السوداني (بحكم العمر). وهؤلاء بالطبيعة لديهم أحلامهم، وطموحاتهم وتطلعاتهم لبناء مستقبلهم، ورؤى مختلفة والتي سوف تتصادم مع البني الحزبية القديمة التي تقوم على السيطرة والوراثة. عليه لإستيعاب مثل هذه المكونات الكبيرة من المجتمع السوداني، ولكي تعبر عنهم وعن آمالهم، لابد من وجود رؤية مختلفة تضمن تطلعاتهم وأفكارهم. أُكرر - لم نقم كتجمع إتحادي من أجل وحدة عاطفية. ودعني أذكر مثلاً هنا، الناطق الرسمي بإسم النظام الدكتاتوري السابق، كان ينتمي لأحد التيارات الإتحادية. هل يُعقلْ أن نتوحد معه؟ لأنه فقط إتحادي بالإسم؟ وعندما نرفض ذلك يتم دمغنا بأننا رافضين للوحدة؟ هذا بالطبع ضد المنطق، وضد الأفكار والمبادئ التي أتت بها الثورة. نحن مع القوى التي كان لها دور كبير في التغيير. نحن مع الشرفاء من الإتحاديين وهم الأغلبية. هؤلاء الذين وقفوا فيه الموقف الصحيح.
لذلك موضوع الوحدة الإتحادية، يحتاج لتفكير كبير وعميق. نحن لا نرفض الوحدة، كما يشاع عنا وكما يقال بأننا منغلقون وأبوابنا مؤصدة، وأننا مصابون بحالة نشوة بسبب وجودنا في المشهد الحالي والذي صنعته الثورة. هذا كلام غير صحيح. نحن نسعى وسنسعى مع كل القوى الإتحادية للوحدة. ولدينا تواصل مع المكونات الإتحادية الأخرى على مختلف المستويات. فقط وفقاً للمبادئ التي ذكرتها لك. وهي: (مبدأ علاقة الطائفة بالحزب، مبدأ الديمقراطية الحزبية، مبدأ استيعاب القوى الإجتماعية الجديدة، ومبدأ خلق تحالفات مستقبلية تستوعب الواقع على الأرض، وغير ذلك). وفي رؤيتي وتقديري الخاص، وقد يشاركني أيضاً فيه الكثيرين. أن السودان سيحكم في الفترات القادمة عن طريق تحالفات سياسية عريضة. عليه وجود حزب سياسي قوي هو من سيقود مثل هذه التحالفات. لذا علينا تعزيز وجودنا في هذه التكتلات المستقبلية عن طريق وجود حزب سياسي قوي يستطيع أن يقود. من هذا المنطلق، وبالفعل قمنا ونقوم الآن بعمليات مراجعة كبيرة لأفكارنا وشعاراتنا ونهجنا لاستحداث برامجنا التي سينتجها المؤتمر العام عبر القطاعات المهنية والفئوية والجغرافية. والهدف من جميع هذه المؤتمرات بنهاية إنعقادها، هو إخراج برنامج من جميع هذه القطاعات لكي يتبناها الحزب وكل في موقعه، كبرنامج عام مجاز يُقدَم للشعب السوداني. وحينها لكل حادثِ حديث. ولولا جائحة الكورونا كان من المفترض إنجاز مؤتمرنا العام في فبراير الماضي من هذا العام.
o الوحدة
س- من خلال حديثك، أرى أن هناك اتصالات بينكم وبين فصائل إتحادية اخرى. هل تعني أن الوحدة متاحة، شريطة وحدة نوعية، إن جاز التعبير، ووفقاً للمبادئ التي ذكرتها أعلاه؟
التواصل لم ينقطع أصلاً بين جميع الكيانات الإتحادية. نحن على تواصل دوماً. لكن هذا التواصل لا يعني أننا موافقون على الأساليب القديمة التي ذكرتها لك. نحن على تواصل وتشاو، ودائماً ما نطرح رؤيتنا التي ذكرتها أعلاه، ودائماً ما نأمل ونطالب التيارات الأُخري بأن تقدم رؤاها وتناقشنا أو تحاورنا في رؤيتنا، والتي أرى أنها الرؤية السليمة لبناء حركة سياسية صلبة وقوية في المستقبل.
o مواصلة في الوحدة
س- هل تعني أن الكيانات الإتحادية الأُخرى ولكي تناقشكم، يجب عليها الإقرار بمبدأ رؤيتكم في التجمع الإتحادي؟ أليس هذا نوع من التعجيز؟ خصوصاً أن هناك بعض التذمر من التيارات الإتحادية الأُخرى تجاهكم؟
لم أقل هذا. أنا ذكرت رؤيتنا للوحدة في ظل ما نراه صحيحاً كتجمع إتحادي. ولا أستطيع أن أقول إنها شروط بقدر ما هي رؤية للتشاور للوصول إلى مفهوم وآلية للوحدة. بالطبع، إذا قبلت الكيانات الأُخرى تلك المبادئ وتشاورت معنا فيها. نحن في التجمع الإتحادي أيضاً وفي الفترة السابقة وإلى اليوم منهمكين في أعمال البناء الداخلي الحزبي. لكن تواصلنا مع الكيانات الاتحادية مازال قائماً. وحتى على مستوي إعلامنا - هناك توجيهات أُصدرناها بعدم التعرض للمكونات الاتحادية الأخرى بأي شيء سلبي لأن معركتنا أصلاً ليست مع أطراف إتحادية. نحن معتركنا الحقيقي هو تفكيك النظام السابق وإنجاز التحول الديمقراطي. وكتجمع إتحادي تصل إلينا الرسائل من مكونات اتحادية عديدة، ونقوم بالرد عليها في إطار رؤيتنا التي ذكرتها لك. نحن منفتحون في إطار طرحنا هذا، ومتقبلون للتحاور حول أية رؤية أُخرى.
o سرقة مشروع التجمع الإتحادي
س- هناك إتهامات لقيادات التجمع الإتحادي الحالية - بأنهم قد سرقوا مشروع التجمع الإتحادي المعد مسبقاً- ما هو رأيكم؟
هذا الكلام متداول وهو من غير أي أساس. نحن من قمنا بطرح فكرة التجمع وكتبنا جميع مواثيقه وسعينا لتجميع مختلف فصائله بعمل دؤوب ومثابر إستمر لسنوات، وعندما كنا نراهن عليه كان الآخرون يراهنون على فصائلهم الصغيرة وآثروا عدم الدخول في مخاطرة تفقدهم مراكزهم في تلك الفصائل ذلك لأن مستقبل التجمع لم يكن مضمونا بالنسبة لهم، وعندما برز التجمع من خلال دوره في الثورة وتصدره للمشهد أصبحوا يتباكون على ما فاتهم وكان متاحا لهم. نحن لا نلتفت لهذه الأصوات ونمضي في حشمة ووقار للعمل الجدي على الأرض، وكما ذكرت لك قبل قليل نحن نعمل على عقد مؤتمراتنا القاعدية، والتي أنجزنا فيها أكثر من أربعين بالمائة، في ظل هذه الظروف الصحية والاقتصادية. وأكبر دليل على هذه الافتراءات هي الحشود والجماهير التي أنجزت مؤتمراتها وعلى امتداد الرقعة الجغرافية في البلاد. أذا كان هذا الادعاء صائب، لما وجدنا القبول والحراك من قبل فئات كثيرة وكبيرة وانضمامها للتجمع الإتحادي. هذا بالإضافة إلى أن معظم القيادات الحالية للتجمع الإتحادي ليس لديهم أطماع شخصية لمناصب أو ما شابه ذلك..
o محور إفتراضي
س- إذا لم تتم الوحدة؟ ألن تستفيد من ذلك أحزاب أُخرى؟ خصوصاً ونحن نرى الآن قيام أحزاب جديدة في الساحة السياسية السودانية، قريبة أو بعيدة فكراً من الوسط السياسي السوداني. ومعظمنا شهد وعاصر التجربة الانتخابية في الديمقراطية الثالثة ووجود أكثر من مرشح إتحادي في دائرة واحدة. هذا من جانب. في جانب آخر - إذا تمت الوحدة؟ هل ستنعكس الخلافات الإرثية داخل الوحدة مرة أخرى؟ وهل سيتم تصنيف داخلي بأن هؤلاء ينتمون لجماعة كذا، وكذا كما كان في السابق في داخل المنظومة المُوحدة؟ وعندها أعتقد بأن يتكرر نفس المشهد الإتحادي في سابق عهده. والتي ستكون قشه ومهدد تقسم ظهر الوحدة. وأعتقد أن هذه المرة ستكون النتائج مزعجة في ظل التغيرات الكبيرة السياسية التي حدثت في الفترة الأخيرة؟ كيف ترى هذا الأمر؟
الحزب الوطني الإتحادي في تكوينه الأول الأساسي، لم يكن حزباً بمعنى الحزب. كان أقرب إلى ما يوصف ب umbrella أي المظلة. والتي كانت عبارة عن ستة أحزاب، تم توحيدها وكونت الحزب الوطني الإتحادي. فظل دائماً يحمل في أحشائه هذا التنوع والإختلاف، لأنه لم ينشأ أصلاً كحزب واحد، بل نشأته أقرب إلى التنظيم التحالفي. هذه السمة ظلت ملازمة له طوال تاريخه. وبالرغم من أنه يمثل تحالف وسط عريض، إلا أن دائماً وبداخله، تكتلات وتباينات وأجنحة. بالرغم من هذا، حينما يكون موحداً، دائماً ما يكتسح الإنتخابات، كالذي حدث في عامي 1954 و1968 حيث نال الأغلبية فيهما. أعتقد في ظل الوضع الحالي والجديد، هذه الصورة مختلفة. واختلفت أيضاً في إنتخابات العام 1986. لأن الأحزاب المؤثرة التي كانت موجودة في الساحة السياسية السودانية حينها، كانت عبارة عن ثلاثة أو أربعة أحزاب. وهي الإتحاديين، الأُمة، والجبهة الإسلامية. والحزب الشيوعي الذي نال ثلاثة مقاعد فيها. الآن توجد كتل وتحالفات. والتي تتطلب وجود أحزاب قوية، مؤثرة ومؤسسية. لذا الأولوية في المرحلة الحالية، هي تقوية الأحزاب داخلياً. لابد من وجودك كحزب قوي to lead- لكي تقود، في مثل هذه التحالفات، كما هو الحال في تحالف قوي الحرية والتغيير، بأن تكون فاعلاً ومؤثراً فيها. أُكرر وأقول بأن موضوع الوحدة الإتحادية موضوع مهم، وهو بالطبع سيزيد من تأثير قوة هذا الدفع، إلا أن الوحدة وكما ذكرت لابد من قيامها وفقا لرؤى سليمة تدفع في إتجاه العمل المؤسسي، وليس وحدة تقوم على العاطفة.
o علاقة التجمع الإتحادي مع المؤتمر السوداني وحزب الأُمة
س- هل هناك خلاف بين التجمع الاتحادي وحزب المؤتمر السوداني
بالعكس، نحن نعتقد أن حزب المؤتمر السوداني، حزب ذو أفكار قريبة منا وتوجد به مكونات شبابية كثيرة. وهو من أكثر الأحزاب انسجاماً معنا داخل قوى الحرية والتغيير. ولدينا معهم تواصل وتنسيق مستمر.
س- ماذا عن حزب الأُمة؟
نفس الشيء. حزب الأُمة وفي إطار علاقاتنا معه كتجمع إتحادي في قوى الحرية والتغيير، والتي ظلت علاقة ثابتة ومنذ حياة الإمام الراحل السيد الصادق المهدي. وظللنا طوال مراحل التفاوض ننسق معهم، وحتى الحكومة الأخيرة وتشكيلها ظللنا معهم في جلسات تشاور وتنسيق مستمر. لا يوجد أي خلاف بيننا وبين حزب الأُمة.
المحور الأخير - الإسلام السياسي
س- لماذا إهتمامك بالإسلام السياسي؟ البعض يعتبرك بأنك دائماً في حالة نقد وتعرية للإسلام السياسي، وعلى وجه الخصوص السوداني. بالإضافة إلى أن جل إهتمامك يصب في كشفهم وتعريتهم للرأي العام؟
هذا النوع من الإهتمام بالإسلام السياسي من ناحية كتابات وبحوث مهم جداً. ولكي تفهم الظاهرة والجهة التي حكمت السودان لمدة ثلاثين عاماً، لابد من النظر في هذه الأفكار التي تحرك هذه الجماعة. ومن أين أتت هذه الممارسات والأفعال السياسية والتي هي في الأصل، إنعكاس للمنهج التربوي والفكري الذي يقوم عليه الأفراد والذي يوجه المنظومات السياسية. لذا لا نستطيع فهم هذه الممارسات، قبل أن نفهم هذه الأفكار التي أتت بها ودعني أذكر لك مثالاً. لن تستطيع أن تفهم لماذا فرطت الحكومة بسهولة عن جنوب السودان، وأعني الحركة الإسلامية السودانية، حينما وُضِع الأمر من قبلهم في تعارض مع مفهوم الشريعة الإسلامية، إلا إذا قرأت مقولات سيد قطب، والذي يقول "وطن المسلم، ليست قطعة أرض، وإنما وطنه هو دار الإسلام" وأن جنسية المسلم هي عقيدته وهو يعني أن ليس هناك مفهوم للوطنية في إرث هذه الجماعات. وهو مفهوم غائب لديهم في فكرهم وممارساتهم. ومن السهولة بمكان أن يفرطوا في أي جزء من أرض الوطن. وهو ما حدث معهم، الأمر الذي أدى إلى إنفصال الجنوب. ومن السهولة بمكان أيضاً، إستجلاب حركات وشخصيات إرهابية، كأُسامة بن لادن وأيمن الظواهري وغيرهم، وفقاً لمفهوم الإخِوّة الإسلامية والأمة الإسلامية. وإذا لم تقرأ كتابات حسن البنا، لن تستطيع أن تفهم الطبيعة العنيفة، والقهر الذي يمارسونه ومارسوه على جميع فئات وأبناء الشعب السوداني، اللهم إلا من ينتمي إليهم. لأن منهجهم وفهمهم قائم على التعالي علي كل المجتمع، وأنهم أصحاب رسالة مختلفة، وأنهم الفئة التي تطبق شرع وقيم الإسلام على الأرض. وأنا دائماً ما أستشهِد في مقالاتي بأفكارهم وكتاباتهم. ومن بينها التي تقول " إذا الأُمة رفضت فكرهم، لابُد من تجريع (من تَجَرُعْ - أي تشرب) هذه الأُمة أفكارهم، كما يُجَرَعْ الإنسان السُّمْ". عليه جميع الممارسات العنيفة والإقصائية، والتفريط في أرض الوطن، لا تستطيع فهمه، إلا باطلاعك على مرتكزاتهم العقائدية والسياسية. والتي هي موجودة في كتاباتهم، مثل كتب حسن البنا، سيد قطب وحتى حسن الترابي نفسه. أما بالنسبة لي، فأنا مهتم بالكتابة منذ عقود، وأكتب بشكل منتظم. وأعتقد أن هذه الثورة السودانية العظيمة، هي عبارة عن تراكم وعي. ولا يوجد شيء يُكتَبْ ويذهب عبثاً. وكل ما يُكتب يترك أثرا. أنا وكثيرين غيري، وأُميز نفسي بأنني أقلهم، شاركوا في التوعية بخطورة الإسلام السياسي، ومنطلقاته طيلة الثلاثين عاماً الماضية عبر الكتابة. وأُضيف، مثل هذه الكتابات المتراكمة والمستمرة، بالإضافة إلى عوامل أُخرى، قد ساهمت بشكل أو بآخر في إنتاج هذه الثورة. بالتالي التركيز على مثل هذه الأفكار وفضحها - ضرورة! لأن المتضرر ليس فرد، بل ضرر على وطنِ بأكمله. وعلى أجيال قادمة وناشئة. خلاصة القول، لا تستطيع أن تصل إلى معرفة ممارساتهم البغيضة، إلا باطلاعك على مناهجهم، وأفكارهم.
o نماذج لتجارب إسلامية سياسية ذات توجهات ديمقراطية
س- هل توجد تجربة إسلامية سياسية ديمقراطية؟
لا يوجد! أنا متابع الآن لما يكتبه أحد أنجب تلاميذ الدكتور حسن الترابي، وهو المحبوب عبد السلام. والذي أقر بوضوح أن ظاهرة الإسلام السياسي، قد استنفدت أغراضها، وأنها أثبتت فشلها، ودليله على فشلها أنها في السودان قد إنقسمت إنقساماً رأسياً في العام 1992 - وقسمت البلاد بعدها.
وأضاف أيضاً بأن هذا أكبر دليل علي إنهيار هذه الظاهرة، ويعني ظاهرة الإسلام السياسي. وإستشهد المحبوب عبد السلام أيضاً بما حدث في فلسطين، عندما أتت حماس للسلطة، حيث إنقسمت القوى الفلسطينية السياسية بين حماس وفتح. النماذج الفاشلة كثيرة، حقيقة أنا لا أرى أي تجربة ناجحة ولا مستقبل لها. لأن أهم ما تحتويه من أفكار هو مفهوم "الضدية" وهو مفهوم ضد الدولة، والوطن، والدولة الحديثة بالإضافة إلى معارضتها بحكم منهجها المعارض للتطورات التي حدثت وأصابت العالم، وعلى رأسها منهج الديمقراطية. حيث لا يمكن لها أن تعيش بسلام في إطار نظام ديمقراطي. إلا وكما ذكرت من قبل حينما يقرون بأخطائهم، ووجود مراجعات فكرية جذرية تطال هذه الأفكار التي ظلت تسيطر عليهم منذ عقود في ممارساتهم العقائدية والسياسية. إذن الشاهد في الأمر الآن بأن لا وجود لها مستقبلي في المنطقة العربية والإسلامية.
o الإسلام السياسي وتفريخ الإرهاب
س- إذا لم يكن لها وجود في المستقبل السياسي، وأعني تنظيمات الإسلام السياسي. هل هذا يعني أن يكون وجودها في شكل جماعات إرهابية؟ في محاولة منها للانتقام والتشفي. وإثبات وجودها؟ هل تدعم دُولاً غربية وعربية مثل هذه الجماعات؟ وهل من الممكن أن نرى لهم جيوب متطرفة في السودان؟
إذا نظرت إلى معظم قيادات الحركات المتطرفة في المنطقة تجدهم قد خرجوا من عباءة الإخوان المسلمين. وأذكر مثالاً شكري مصطفى في مصر، والجماعة الإسلامية وحركات الجهاد الإسلامي. هؤلاء كانوا من منتسبي افكار جماعات الإخوان المسلمين. والذين تربوا مع غيرهم على أفكار سيد قطب وحسن البنا. بالرغم من عوامل أُخري أثرت في تركيبة هذه الجماعات المتطرفة، إلا أن المنبع الرئيسي لفكرهم أتي من سيد قطب، والذي جلبها بدوره من أبي الأعلى المودودي من باكستان، وهذا باب كبير وطويل ولا يسمح زمن هذا اللقاء به. هذه الحركات ليست بعيدة أيضاً من تنظيمات الإخوان المسلمين، وحتى ظاهرة الجهاد الأفغاني 1979 تمت بتنسيق واضح، بين الجماعات وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين وبين أجهزة مخابرات دولية وعالمية. والقيادات الأولى التي ذهبت لأفغانستان، كانت ذات إصول اخوانية مثل عبد الله عزام. وقد شاهدنا في السودان كيف تم إحتضان أسامة بن لادن، وغيره من قياداتهم كما ذكرت مسبقاً. أما عن حقيقة الواقع في المجتمع السوداني، فلا أستبعد بأن يقوموا بردود أفعال مضادة لإعاقة مسيرة التنمية والديمقراطية. إلا أن الشاهد في الأمر أيضاً في السودان، بأنهم دائماً ما كانوا عبارة عن جماعات محدودة ومعزولة. بالرغم من مشاهدتنا لها وتبنيها لأعمال عنف محدودة، ونتمنى ألا تتكرر مثل هذه الأحداث. وأتمنى أيضاً من قياداتهم، أن يراجعوا مبادئهم وأفكارهم التي قاموا عليها. لذا دائماً ما أُصر في كتاباتي عنهم، بأن يقوموا بمثل هذه المراجعات الجذرية. في مصر مثلاً الجماعة التي قتلت الرئيس السادات، قامت بمراجعات كبيرة جداً، داخل السجون وأقروا فيها بأنهم كانو مخطئين في قتله، ومنهم ناجح إبراهيم، بالرغم من إعتراض قلة منهم.
o الأصالة والحداثة
س- هل يمكن أن تتصالح الحداثة مع الأصالة في السودان. هل بدأ التصالُح؟
هذا سؤال طويل ومعقد ويطول الحديث فيه. السودان الآن وكغيره من الدول في المحيط الإسلامي، دخل مرحلة الحداثة، عبر المنتجات والقشور المادية، ولم تدخله الحداثة عن طريق المنتج الفكري. نحن نستخدم منتجات الحداثة، لكن نرفض العقل الذي أنتجها. وهو العقل العلمي. وهذه ليست مشكلة سودانية، وإنما أزمة العالم الإسلامي بأجمعه. وإذا لم نفق من هذه السيطرة والفكر القديم، والذي سيطر على هذه المجتمعات لأكثر من سبعة قرون، والتي لديها أيضا جذورها في تاريخ الفكر الإسلامي. إذا لم تتم معالجة هذه الأفكار والتطور معها، سيكون السودان وكغيره من بقية الدول الرافضة للحداثة والعقل العلمي الآخر. هذا من جانب. من الجانب الآخر أري وأستطيع القول بأن الثورة التي حدثت مؤخراً في السودان، ستكون ثورة وعي كبير. ومثال ذلك ما حدث أبان أُولى أيام إنطلاقة الثورة، حينما قام جهاز أمن قوش بإعتقال أفراد كانوا محسوبين على اقليم دارفور. حينها خرج الثوار من كل جهات السودان وبصوت جماهيري واحد رددوا شعارهم الجميل "يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور". والتي أجابت بفهم ووعى عن مفهوم العنصرية وأزمتها. ما أود قوله إن التسامح والتنوع السوداني إنعكس جلياً في هذه الثورة. وأن أجمل سمات وصفات الشخصية السودانية ظهرت في هذه الثورة وفي هذا الواقع. وشاهدنا مظاهر عدم وجود تكتلات أو إثنيات أو أي مظاهر للتخريب في هذه الثورة والتي كما ذكرت ما هي إلا نتاج وعى وفكري ووطني متقدم من هؤلاء الثوار الذين قادوا هذه الثورة. وهو ما أعتبره مؤشر يمكن أن نصل فيه كسودانيين ومجتمع ككل عندما نصل إلى مجتمع ديمقراطي مدني، ووجود دستور شامل وعادل. السودان يمتلك من القدرات والمؤهلات والموارد البشرية والطبيعية، ما يمكنه من أن ينطلق إلى مصافِ الدول الكبيرة، مقارنةً بدول أُخري شبيهه لنا، لا تمتلك المؤهلات البشرية أو الطبيعية. هذا بالإضافة إلى وجود التنوع الإثني والثقافي الكبير والذي إذا ما تم توظيفه عن طريق دولة المواطنة بصورة عادلة وصحيحة، يمكن أن يكون لدينا إنطلاقة كبيرة مع بقية الأُمم الديمقراطية والمتقدمة التي ارتادت الحداثة. والسودان أزمته ليست دائماً في الموارد والطاقات، بل في الإستقرار السياسي وإدارته بطريقة مدنية عادلة وديمقراطية.
o كتب للنشر
س- هل سنرى كتب تنشر لك في القريب؟
نعم - لدي كتب فيها أجزاء أصبحت جاهزة للطباعة، والنشر. وأُخرى مازالت قيد الكتابة. ولدي كتاب أعمل فيه الآن وهو عبارة عن عمل توثيقي تفصيلي لمراحل هذه الثورة، والمشاركات التي تمت أبان فترة التفاوض، بالإضافة إلى تشكيل الحكومات الانتقالية وحتى هذه اللحظة، وأتمني أن ينال رضاء القراء، وأتمني أيضاً أن أجد الوقت الذي يسمح بأن يكتمل ويتم نشره.
خاتمة
" ومن بين الوفد العسكري بابكر فيصل، ممثل الإتحاديين. وهو رجل من الوزن الثقيل، ويوحي هدوءه ودماثة أخلاقه بالثقة والاطمئنان. إنه شكل من أشكال القوة الرزينة التي تنطوي على جدية ذات بال. وهو لا ينجرف أبداً إلى المغالاة المتطرفة، لكنه يعرف كيف يَعضّ بالنواجذ على المواقف الأساسية لمعسكره ولا يتزحزح عنها قيد أُنملة، وإن دفع به ذلك بعض الفوران". هذا ما قاله ووصف به الوسيط الأفريقي محمد الحسن ود لباد، في مفاوضات المجلس العسكري وقوي الحرية والتغيير، الأُستاذ بابكر فيصل. صحيفة سودانايل الإلكترونية، سعدت بهذا اللقاء طوال أجزائه الأربعة والتي تحدث إليها الأُستاذ بابكر بكل أريحية وشفافية، تعكس مدي الوعي والنضج السياسي والفكري، والرؤية الإستراتيجية التي يمتلكها. وكما وصفه أحد المتابعين بقوله " بابكر فيصل مفكر من الوزن الثقيل، ونحن في السودان فخورين به، ونعول عليه كثيراً".
أمجد شرف الدين المكي
خاص - سودانايل
كولورادو – الولايات المتحدة الأمريكية