عندما لا تفرض الاشتراكية بالقوة …. تصير طريقة حياة (1)

 


 

شوقي بدري
12 May, 2021

 

 

 

بسبب السهر الكثير عندما انهمك في القراءة او الكتابة وانسي نفسي وربما لأسباب كثيرة منها تلوث العين عن طريق الدعك او التعرض لبكتيريا او جراثيم كنت اراجع الطبيب وفي احدي المرات وقبل عقود قرر الطبيب اجراء عملية بسيطة لازالة كرة صغيرة داخل الجفن . كل شئ يسير ببساطة وود غير مصطنع وكلمات حلوة للتطمين بعد شرح ِالمستقبل القريب والبعيد . يحس المريض الذي لا يدفع للعملية بأنه صاحب المستشفى وأن الاخصائي اجيرلراحته . هذه هى التربية الاشتراكية التي نجحت في السويد واسكندنافية، وفشلت فشلا زريعا في شرق اوربا.
ونحن من زغب الحواصل كنا نشاهد المظاهرات بسقوط الاستعمار والبوليس الذي لم يكن جادا في تفريق المظاهرات بل مراقبتها . . كان والدي ابراهيم بدري يتكلم كل الوقت عن الاشتراكية القضاء على التفرقة الشوفينية العدالة الاحتماعية ومحاربة الفقر والمرض الخ . كبرنا فليلا وصار الشيوعيون ابطالنا . كان مدرسينا في المدرسة الاولية امثال الاستاذ نوري موسى نوري يتكلمون عن الاشتراكية ونهلنا في الثانوية من اساتذة شيوعيين واشتراكيين امثال العم محمد بدري ، الجاك عامر ، محمد سعيد معروف، الطيب ميرغني شكاك ، حسن التاج الخ ذهبنا الى شرق اوربا ونحن نحمل افكارا تعظم الشيوعية الاشتراكية وكنا نفكر في انهاء الدراسة والعودة الى السودان لبناء الاشتراكية . صدمنا ووجدنا خوف المواطن من رؤية البوليس ، الفساد ،السرقة والدعارة المقنعة . تواجدت طبقة تعيش خيرا من الآخرين ، وهم الشيوعيون ومن تحالف معهم .
اردت أن اعرف نوعا آخر من الاشتراكية ذهبت الى النمسا القريبة ، وجد رائحة الاشتراكية في دولة عدم الانحياز ولكن لمست خشونة المان النمسا وهم
مواطني هتلر . تحدثت مع المهاجرين اليوغوسلاف الذين اشتكوا من معاملة النمساويين القاسية والتفرقة الخ .
في سنة 1967 ذهبت الى السويد واندهشت . وجدت الشرطة هاشة وباشة في تعاملها حتى مع السكارى الذين يشبعهم البوليس صفعا وشتما ويلقون بهم في سيارات لأخدهم لمعتقلات للسكارى في شرق اوربا . تناقشت مع طلبة الجامعة السويدية من بنات واولاد وجدت أنهم على عكس طلبة شرق اوربا يحاولون دائما الالمام بما يحدث في العالم يغتنون الكتب بالرغم من ارتفاع اسعارها . وفي شرق اوربا تطرح باسعار زهيدة ولا تجد المشتري . يناصرون الفيتناميين والكوبيين في نضالهم ، يعرفون الكثير عن العالم افريقيا ، امريكا اللاتينية لا يهتمون بالأشياء المادية بهوس على عكس طلاب شرق اوربا الذين لا يهمهم سوى بضائع الغرب وملابس الغرب، موسيقى الغرب .
في نهاية السنة الماضية احسست بنفس الاعراض في عيني اليمنى الا انها هذه المرة كانت خارج الجفن وتزاد مع الايام وتلفت النظر خاصة الاطفال . قال لي طبيبي بعد أن تأسف كثيرا بانني لن اجد العلاج مباشرة بسبب الكرونا ولكن بعد انقضاء ستة اشهر يمكن ان اراجعه لانها مشكلة يمكن أن تنتظر.... حالة باردة.
تم تحويلي الى اخصائي كان لطيفا ومستعدا بكل المعلومات . بدا المقابلة والتي كان فيها مسترخيا ويتكلم بحميمية ويرتدي ملابس عادية يبدو فيها كطالب جامعة فقير . طلب مني أن اتذكر الرقم 64 وعلى شاشة كبيرة كانت هنالك صورة ملونة لعين . وعرفت انه يوجد 16 مساما أو فتحة في كل جفن مهمتها هى القيام بعملية تشحيم للعين كل الوقت حتى لا تجف . ولهذا عندي 64 مشحمة . قد تنسد احداها لاسباب عديدة الا انها تواصل افراز الزيت الذي لا يستطيع الخروج بسبب الانسداد ولهذا تتكون تلك القربة . العملية بسيطة لا تأخذ وقتا طلب مني استخدام قطرة وبعض المرهم الي ميعاد العملية الجراحية . طالبوني بدفع مئة كرونة . صندوق السجائر يساوي 70 كرونة . لبيس هنالك شعور في الدنيا اثمن من الامن. والاشتراكية الحقيقية تعطي هذا الاحساس الجميل ، الانسان لا يتخوف من اصابته واسرت بمرض او مصاريف الدراسة الخ .فالملوك قد هجروا قصورهم عند الشعور بالخطر.
سألت عن مواعيد العملية قال لي بكل تواضع ...... انا الذي يمسك بالسكين ولكن السيدات في مكتب الاستقبال هن من يحددن لى المواعيد وما يجب أن اقوم به . سيعطونك المواعيد عن طريق الايميل او خطاب عادي . وسيتصلون بالصيدلية للتحصل على القطرة والمرهم في اى صيدلية في السويد ، ويمكن ان تتحصل عليهما في طريقك الى المنزل .
السيدتان في الاستقبال كانتا في طريقهما لتناول الطعام . بكل بساطة اعادا فتح المكتب وقاما بالاتصال بالصيدلية عن طريق الكمبيوتر .
ذهبت الى مواعيد العملية بوقت كافي . قدمت نفسي لسيدات الاستقبال وتأكدن من انني اضع القناع على وجهى . وأنا في الانتظار اتى اجنبي قصير القامة يرتدي نفس ملابس المستشفى التي يرتديها كل من يعمل في المستشفيات ولا تميز احدا عن الآخر ، يمنع لبس خاتم الزواج الساعة الاكمام الطويلة او اى اضافات عطور او مكياج . كان سيدات المكتب ينادينه ب ديونيسيو ،، وهذا اسم محبوب في الدول اللاتينية خاصة لاتين امريكا ، كان هو يمازحهن ويتكلم عن ،، الوجبة الاولي ،، ودلوه على مريض يجلس على كرسي متحرك . وبعد عشرين دقيقة عاد ديونيسيو المرح لدحرجة سيدة تجلس عى كرسي متحرك آخر ، وهو لايزال بشوشا ضاحكا . وبعد نصف ساعة كانت الشحنة الثالثة وجدت نفسي اسير خلف ديونيسيو وهو يدفع سيدة ثالثة تجلس على كرسي متحرك . عاد لنا ديونيسيو بغطاء الشعر واكياس بلاستيكية لغطاء الاحذية قبل دخول غرفة العمليات . لم تستطع السيدة العجوز من ارتداعها بسبب كبر سنها . وجدت ديونيسيو يجلس امامها ويساعدها في لبس غطاء الحذاء ، ثم دفع بها الى غرفة العمليات . عادت السيدة واحدى عينيها مغطاة بعصابة ، ودينيسيو لا يزال يلاطفها . قام بتسليمها لسائق عربة اجرة تدفع له الدولة في هذه الاحوال يكفي تسجيل رقم المريض .
عندما دفعني ،،عامل ،، التوصيل الى غرفة العمليات لم يكن فيها جراحا او ممرضة . وعندما بدا ديونيسيو يسألني عن حالى وقيامي بكل الخطوات التي طلبها منى في مقابلتنا الأولى . تذكرت انه الجراح الذي قابلني في المرة الاولي وانه سيجري لي العملية و انه ليس بعامل نقل المرضى .
الم يكن هنالك اخصائي تخدير محضر عمليات مساعد جراحة وكل الهيلمانه . لم يأخذ الامر اكثر من ربع الساعة ، وكانت العصابة قد غطت عيني اليسري . وبدأت عملية الشرح . وكيف أن القربة التي كانت على عيني قد تم فتحها ولكنها مثل رحم المرأة بعد الولادة تحتاج لوقت كافي لتتقلص ثم تعود لحجمها الطبيعي .والامر سيأخذ ثلاثة اشهر واستخدم فيها مرهما خاصا وعلى ممارسة ،، المكمدات ،، الباردة بكيس من البازلاء المجمدة كما في الرسالة التي ارسلت الى . قلت له انني لم اشتري كيس البازلاء ،، البسلة ،، المجمدة. لأن ما موجود في الرسالة يختلف تماما عن كلمة البازلاء وهى ،، ايرتر ،، مكتوبة بطريق غريبة . وادخلني هذا في مشادة مع ابني عثمان رجل الكمبيوتر والذي يساعدني في ،، نكت ،، كل المعلومات ابنتي نضيفة البيطرية وطليقتي باربرو التي قضت كل عمرها في المستشفيات فشلن . وكنت اصر أن ما مكتوب في الرسالة يجب أن يكون صحيحا . وعندما عرضت الرسالة على دينيسيو والذي في السويد لا يتقدم اسمه ابدا بدكتور بروفسر مدير امير او وزير . صار ديونيسيو فرحا كالطفل واراد أن يصور الرسالة ازداد فرحا عندما تنازلت له عن الرسالة . كان يقول الآن ساسخر من سيدات المكتب فكم قرعنني لانني كتبت في عجالة ولم يستطعن قراءة كلماتي . وهن يتصيدن غلطاتي . سأسخر منهن لفترة طويلة .أشكرك كثيرا على هذه الخدمة .
قبل وداعي سألني ديونيسيو كيف حضرت الى المستشفي وهل هنالك من ينتظرني لاخذي الى المنزل لانه لا يحق لي القيادة ، ويمكن أن يساعدني المكتب في استدعاء سيارة اجرة الخ . فرح عندما عرف انني استخدم البص . اصحاب المعاشات يتحصلون على بطاقة تسمح لهم باستخدام كل البصات والقطارات في المدينة بدون مقابل فهنالك من اصحاب المعاشات الذين قد لا يستطيعون تحمل مصاريف تنقلهم . هذه الحقوق تتوفر حتى لا يصيرون معزولين وهم من قدم الكثير للمجتمع من قبل .
احد زملاء تشيكوسلوفاكية ومن كبار الشيوعيين عمل جراحا في المستشفى الجامعي في السويد كان يشتكي لى بمرارة انهم عملوا لساعات متواصلة في عملية جراحية . وبعد العملية هرعوا الى قاعة الطعام حيث تتوفر القهوة الشاي والشطائر والكيك الا انهم اضطروا بالرغم من جوعهم الشديد لأن القاعة كانت مشغولة بمجموعة من الفراشات ، وكن يتجاذبن الحديث بتؤدة ويحتسين القهوة ويأكلن الشطائر والكيك . ابدى الزعيم الشيوعي تأففه من ألانتظار . قال له البروفسر يجب أن ننتظر رفيقاتنا في العمل . غضب الزميل الشيوعي لتشبيهه بالفراشات وهو من حملة الشهادات الرفيعة . رد البروفسر الذي لم يقبله الرفيق ... انهن شريكاتنا في العمل هل تستطيع انت ان تجري عملية جراحية بدون جهدهن واجتهادهن بالرغم من انهن لا يتلقين المرتب الذي نتقاضاه .نفس الرفيق الشيوعي كان يبدي ضيقة بسبب تبسط البروفسيرات والاخصائيين في اضاعة الكثير من الوقت لشرح المرض والعملية باسهاب لمريض لا يفهم الكثير عن الطب . وكان يعتبر هذا ،، فراغ ،، . نفس الزميل الشيوعي افترق دربنا بعد أن سمعته يتكلم عن العبيد الجنوبيين ... ما عندهم هم غير السرقة والسكر . وقتها كان يمسك بكأس من الويسكي . الاشتراكية لا تفرض عن طريق القرارات والمؤتمرات . انها التربية .
عندما تبدا العطلة المدرسية التي تقارب الثلاثة شهور يتحصل كل تلميذ بلغ الثانية عشر على كرت لاستخدام المواصلات كل فترة الصيف بدون مقابل . وهذا الكرت يصل التلميذ في منزله بدون أن يطلبه . الغرض أن يستمتع التلميذ بالقدرة على التنقل الى الملاهي البلاج المنتزهات . الغرض أن لا يحس قطاع من المجتمع انه مهمش او منعزل بسب دخل الاسرة . كما لا توجد مدارس خاصة والجميع يذهبون الى نفس المدارس والجميع يتحصلون على اكل على مستوى عالي وفي المدارس الاعدادية يقدم الطعام طباخون محترفون وكانهم في فندق فاخر . وهنالك اربعة انواع من الطعام والاكل في شكل بوفيه يأخذ الطالب ما يريد. وهذا تطبيق جيد للاشتراكية . في مدينة مالمو تمتلك البلدية ثلث الشقق وفي السويد يمتلك اغلبية السكان مساكنهم . وعندما تبدأ الشركات في بناء المجمعات السكنية تقوم البلدية في بناء مساكنها بجانبها حتى لا تكون الاحياء جزرا مترفة ومنعزلة . وتلزم البلدية الشركات بترك ما يعادل 20 الى 30 % من الشقق حتى تقوم بتأجيرها لمن تجده مناسبا حتى لا يتم ابعاد الاجانب او التصرف عن طريق المحسوبية والفساد الخ .
الدكتور محمد محجوب عثمان طيب الله ثراه تعرض لانهيار الرئة وهو في زيارة ابنته في براغ بعد أن تحصل على اقامة كلاجئ سياسي في السويد . ارسل السويديون طائرة اسعاف بطبيب وممرضة لاحضاره الى السويد . وهذا حق محفوظ لكل من يقيم في السويد . وجد كل الاهتمام والرعاية . البروفسر الذي كان من المفروض أن يجري العملية في مستشفي جامعة لوند الجامعية والذي يستمتع بسمعة عالمية حضر ليعتذر لمحمد محجوب طيب الله ثراه وافهمه بأنه لن يقوم بالعملية لانه ذاهب لاجتماع مهم في ستوكهولم . ولكن بروفسر آخر سيقوم بالعملية . عند السؤال .... هل هو بروفسر جيد ؟ كان الرد انت محظوظ هذا البروفسر خيرمني بمراحل ...... في بلادي يسعى الكثيرون لتحطيم من يعمل معهم في نفس المجال ...... عندما اعود في المساء لاحضر الى زيارتك . في الخامسة مساء وانا انظر من شباك غرفة محمد محجوب الذي افاق من التخدير . كان البروفسر يقوم بربط داجته القديمة ويأتى للاطمئنان على حاله محمد محجوب قبل الذهاب الى منزله . في جامعة لوند تكون الدراجات القديمة ملكا للبروفسيرات والدراجات الجميلة بسرعات عديدة ملكا للطلاب . والجميع يتنقلون بالدراجة .
بعد الحرب العالمية تخلص السويديون من الالقاب التهليل للمدير الوزير وحتى رجال ونساء العائلة المالكة . توقف مخاطبة الآخرين بصفة الجمع الممارسة في دول شرق اوربا الشيوعية واصرار الجميع على القاب التبجيل من بروفسر رئيس مدير الخ حتى ولو كان المخاطب يدير دكانا صغيرا لبيع البطاطس يخاطبون بالسيد المدير وبصيغة الجمع . وعدم الالتزام بهذا يعني أن المدير او الرئيس قد يرفض ان يقوم بخدمتك . الكثير من طلبة الدكتوراة السودانيين يجدون رسالة من البروفسر لمقابلته ويلفت نظرهم لكي يخاطبونه باسمه الاول بدون القاب ، لأن الالقاب لا تستخدم في السويد. وهذه الاشياء لم تأتي بقرارات فوقية بل كانت طريقة حياة يتقبلها الجميع . الادارة واتخاذ القرار عملية اشتراكية يشارك فيها الجميع خاصة ممثل النقابة . لم يعد هنالك ازياء خاصة في المدارس والمعاهد . اتجه الناس لارتداء ابسط الملابس .ويعلمون اطفالهم الابتعاد من الفخفخة الافتخار بمظهرهم وملابسهم .
احد الأبناء السودانيين في الصيف الماضي ذكر لى أن احد العرب قد طلب من رئيسهم في العمل أن يسمح له بالخروج مبكرا في الغد لانه سيذهب لمقابلة مسؤول سكن في شركة لمعاينة شقة ينافسه عليها آخرين، ويحتاج للذهاب الى مسكنه للاستحمام وارتداء بذلة الخ .. رفض الرئيس طلبه نصحه بالذهاب مباشرة بملابس العمل لمقابلة مسؤول الشركة وهذا سيرفع فرصه للفوز بالشقة . في السويد يقدس العمل والاوفرول وملابس العمل يتنقل بها العمال بثقة وفخر في كل مكان ، وكأنها وسام شرف . وتحصل العربي على الشقة مباشرة .
عندما انهار الكثير من المنازل بسبب الزلزال في القرب التاسع عشر ، أخذ احد الايطال الاثرياء كل ماله ووضعه على ،، بنك ،، او طاولة طويلة ، ومن هنا اتت كلمة بنك . وكان يقرض الايطاليين المال لاعادة بناء مساكنهم . كان يقرض المال فقط لمن تكون اياديهم خشنة ويرتدون ملابس العمل . وكان هذا بداية ... بانك اوف ايتالي .... الذي صار بانك اوف اميريكا .
السويد ليست بالجنة او النعيم ، وبما أن من يحكم ويقرر هم من البشر فهنالك اخطاء تفرقة وعنجهية من البعض وليس ضد الاجانب فقط ، بل أن السويديين في مكاتب العمل الضمان الاجتماعي او الضمان الصحي قد يقسون اكثر على السويدي لأنه قد ولد في السويد لم يحتاج لتعلم لغة اجنية وتوفرت له كل الامكانيات ليكون ناجحا وغير محتاج لمساعدة .
ان اسوأ شعور عند البشر هو الاحساس بأن الانسان غريب في وطنه . وبعد كارثة الانقاذ صارت الاغلبية من السودانيين يحسون أنهم مستبعدين او مهمشين . فالمطاعم الفاخرة المقاهي المولات واماكن الترفيه لا دخل لهم بها . حتى من تلقى تعليما جامعيا لا يسمح له مرتبه بالتفكير دخول الكثير من المتاجر او السيوبر ماركت في بلده ومكان ميلاده . وليس غريبا أن البعض يجنح الى الجريمة التخريب او الاضرا بالآخرين . ولهذا ندعو للاشتراكية التي جعلت الجميع في السويد يحسون أن مكتب الضرائب التعليم المستشفيات والسفارات خلقت لخدمتهم لانهم اصحاب الحق الذي لا ينازعهم فيه احد .
قبل ثلاثة سنوات احسست بالم في ساقي اليسرى ولم اهتم ولكن لاحظت ان مقدرتي على السيطرة على خطواتي لم تعد متزنة . ذهبت الى المستشفي ووجدت عناية كان يمكن ان تجعلني احس بأنني مالك المستشفي والموجودين من موظفين . بعد تمحيص ودراسة صور الاشعة نادوا على شخص باسم ،، علي ،، ولم يكن هنالك لقب دكتور بروفسر الخ. على كان يبدو كعربي او ايراني . اتى ببساطة وكان واضحا من لهجته انه مولود في السويد او من حضر وهو صغير خاصة بعد موجة خميني وهروب الايرانيين في نهاية السبعينات .ولو كان قد نشأ في وطنه وصار بروفسيرا لما وسعته الدنيا ولتعامل مع الجميع بغطرسة والا لما اهتموا به واحترموه فالتواضع بضاعة مردودة في بلادنا .
عندما يقع الانسان تحت رحمة الاطباء من الشرق الاوسط شرق اوربا والمسلمين من افغان باكستان وبعض الافارقة يكره الانسان الدنيا . لانهم لا يستطيعون التخلص من عقدة انهم شئ خاص ويحتاجون لممارسة التعالي، وبما انهم لا يستطيعون ممارسة امراضهم على السويديين فيمارسون هذا على الاجانب . ولحسن الحظ يمتع السودانيون بسمعة رائعة .

احتدم النقاش عن عظم ،،فيبيولا ،، وهو العظم الرفيع على طول الساق . واخيرا قرر البروفسر على ارسالي الى اخصائي في الاشعة . كانت سيدة متقدمة في العمر عاملتني كابن عمها الذي اتى لزيارتها . وحتى قبل تعرضي لاشعة كانت تقول لى وهو متأسفة وكأنها السبب في اصابتي عندما كنت العب كره القدم ..... انا متأكدة ان هنالك كسر في الفيبيولا ، ولكن الاشعة ستخبرنا بالحقيقة . وضح أن هنالك كسر وقرروا اجراء عملية . اعطوني مطهرات اسفنجة للحمام واشياء كثيرة لاستخدامها قبل الحضور للعملية وخطوات للصوم وما يجب أن امتنع عنه من تدخين شرب قهوة الخ قبل الحضور الخ .قبل الحضور في الصباح للعملية اتصلوا بي ليخبروني أن محموعة من الاخصائيين قد درسوا صور الاشعة وأن الكسر قد التأم لانني انتظرت لستة اسابيع ، ولا داعي للعملية .
بعد حادثة كسر عظم الساق التوت قدمي وبعد يومين كانت متورمة لدرجة انه عندما اضغط على مكان الورم يأخذ الأمردقائق لتعود القدم لشكلها الطبيعي . قابلني دكتور شاب طويل القامة بجسم رياضي . ساعدني في نزع الجورب ووضع قدمي على حجرة وبدا في تقليبها والتحسس بتؤدة وطول بال وكأن قدمي عزيز عليه . وافهني أنه لا يوجد كسر وكل مااحتاجه هو لف القدم بشريط ضاغط لفترة اسبوعين وستعود القدم الى حالتها الطبيعى . وتوجد جوارب في الصيدلية تقوم بهذه المهمة ببساطة .
. وكفى الله المؤمنين القتال.
قبل هذه الحادثة شعرت فجأة بالم فظيع قمت بالاتصال بالازعاف في وقت وجيز حضر الازعاف ورجلان لطيفان تمكنا بسرعة من التأكيد بأن الالم صادرمن تحرك عصوة في الكلية . ، الا ان الامر في بدايته ، ولكن بعد قليل سيكون الالم من القوة لجعلى عندما تتحرك الحصوة وسأتقيأ بدون ارادتي . ووقتها يمكن أن اتصل بالازعاف الذي سيكون جاهزا لنقلي الى المستشفى .وستقرر المستشفى ما هو الواجب عمله .
في المستشفى وجدت حقيقة ما يعرف بملائكة الرحمة ، بشر يحسون بألم المريض وكان الالم في جسمهم ، الاهتمام والرحمة . بعد يوم في المستشفى خرجت الحصوة الصغيرة عن طريق الليزر . بعد فترة اعادوني للكشف وكان البروفسر الذي يبدو كرجل خمسيني خجول يشرح لى أن الحصوة قد خرجت وانه لا توجد مضاعفات الخ . حاولت ان اعرف منه ما يجب على ان اقوم به من اكل شرب طريقة حياة، لاتجنب الالم الفظيع الذي عشته ؟ اكتفى البروفسر يقول بخجل .... لا استطيع اجابتك فانا جاهل بهذه الامور انا اخصائي الاشعة . يجب أن تنتظر الاخصائي في مرض الكلى . واعاد اعتذاره وكأنه مدان لي بمال لم يستطع دفعه .
اذكر في الثمانينات أن الاخ ابراهيم مجذوب مالك تعرض لانسداد في القناة اللعابية وكانت تصدر منه اصوات مزعجة كل الوقت وكأنه يريد أن يخرج عظما يسد حلقه. بعد اجراء العملية صار ابراهيم الذي كان مدرسا في المدارس الثانوية واشتهر بالكف الصاموتي كما كان يقول تلميذه الدكتور محمد محجوب عثمان في الصراخ طالبا حضور من يعطيه شربة ماء بدون ان يفكر ان عليه فقط الضغط على زر. اتى رجل ستيني كان مارا يرتدي بنطلونا من الجينز وروب العاملين في الحقل الطبي . سأل ابراهيم عن طلبه ذهب واحضر كوبا العصير . طلب ابراهيم كوبا آخر بطريقة امر عسكري ذهب الرجل واحضر كوبا جديدا , وبدأ في الدردشة مع ابراهيم ثم ذهب وعاد بدفتر وقلم وبدأ في رسم العملية مكان الانسداد في القناة اليسرى وما تم عمله على ما اذكر . وعرفنا انه ولا بد قد اطلع على فايل ابراهيم . ذلك الرجل كان رئيس قسم الجراحة . حاول ابراهيم الاعتذار لأنه لم يعرف انه طبيب الخ . قال الرجل .... انا اعمل هنا وانا احد العاملين لراحة المرضى وواجبي أن اساعد بكل الطرق وكل الوقت . المشكلة في الدول الشيوعية خاصة خارج الاتحاد السوفيتي كانت الانظمة الشيوعية قد فرضت عليهم بعد الاحتلال الروسي الذي خلف الاحتلال النازي . ولكن في اسكندنافية كان الشعب يركض الى الاشتراكية بدون تكميم الافواه السجون المعتقلات وجهاز قمع عبارة عن دولة خارج الدولة لا يحاسب وحكام يعيشون كأباطرة .
الفنان برانكو المكدوني عاش في السويد لفترة طويلة وهو من مقاطعة ماكدونيا اجرى عملية جراحية في مستشفى المدينة الجامعى صرخ في وجه الطبيب الذي لم يبدي غضبا بل طيب خاطره واعتذر له . وبعد يوم وفي المرور الصباحي اكتشف ان من كان يصرخ في وجهه هو البروفسر . قفز برانكو من السرير وبدأ في الاعتذار ، وشرح للبروفسر انه لم يتعرف عليه لأن البروفسر في يوغوسلافيا يكون متبوعا دائما بمجموعة من الناس يضع على صدرة كمية من الاقلام الفاخرة . ضحك البروفسر وضحك من كانوا معه .
السيدة افا فيبيرق اشتراكية حقيقية . تعرفت بها عند التحاقها بجامعة لند وكنا وقتها منهمكين في النقاش السياسي محاربة الاميريالية القيمة الزائدة الثورة المستدامة الفضاء التام عالى الرأسمالية ألخ . افا كانت اشتراكية وانسانة تحب الجميع لم تكن توافق على افكاري .عشب معها لاكثر من عقدين لا ازال نادما على انفصالي عنها . لم تكن تعرف ،، النقة ،، او الشجار الا انها كانت تغضب عندما اشتري الطماطم في الشتاء لان سعره 8 دولارات للكيلو ، ويجب أن لا يسمح الانسان لنفسه بالاستمتاع بما لا يستطيع الجميع الحصول عليه .. عندما اشتريت سيارة ضخمة غالية كانت ترفض الجلوس فيها وتصر على اخذ الدراجة طيلة ايام السنة . حتى الاغنياء في السويد لا يشترون السيارات الفاخرة لانها تضر بالبيئة وتخرج لسانها لاصحاب الدخل البسيط .
افا كانت على رأس المجموعات التي اجبرت الحكومة على منع اعطاء درجات للاطفال الصغار في المدارس ، لان هذا يضع اسعارا على النشئ وهذا يؤثر على مبدا المساواة .. عندما صارت مدرسة اختارت مدرسة يهرب منها المدرسون لانها في منظقة كل سكانها من الاجانب . كانت تتصل بالشركات والمنظمات للتبرع لاستئجار مركبة كبيرة استئجار معدات واجرة هوتيل لأخذ طلابها الاجانب للتزحلق في النمسا كما تقوم به اغلب الاسر السويدية . قامت مع زميلتها بجمع مبلغا محترما لاطفال حى سوويتو المنكوب في جنوب افريقيا . تكفلا بدفع تذاكر سفرهما واقامتهما في جوهانسبرج في جنوب افريقيا في زمن النظام العنصري . هذه التربية الاشتراكية هى التي اخرجت السويد من التخلف الفقر والمرض الى الرفاهية . يمكن قوقلة شوقي بدري........ السويد من العبودية الى الرفاهية ....... حتى بعد الحرب العالمية كان الاجراء في القطاح الزراعي يعيشون كالارقاء يعطيهم اصحاب الاراض الزراعية من النبلاء مساكن باردة تمثل ارضا خصبة للسل ادمان الخمر والشقاء . لا يستلمون مالا بل تعمل الزوجة والاطفال ورب الاسرة ، يأخذون كل شئ من متجر الاقطاعي ويرث الابناء شقاء الوالدين .قامت الاشتراكية بتحريرهم بناء مساكن للعمال واعطاء الجميع فرصة للالتحاق بالجامعات بدعم للطلاب . وهذا ما كان متوفرا في السودان وما اعطى فرصة للكيزان لدخول الجامعات ، الا انهم اغلقوا الباب خلفهم .
التربية الاشتراكية جعلت ابنتي فاطمة بدري قبل عشرة سنوات تذهب مع زوجها الشاب الى غانا بعد دفع عشرة الف دولار لكل واحد منهم والسكن في بيت لرعاية الايتام لمدة 6 اشهر وخدمة الايتام . المنظمات تلزم المشاركين في التكفل بسفرهم واقامتهم ، حتى لا يكلفون مالا تحتاجه المنظمات . فاطمة كانت نائب رئيس منظمة انقذوا الاطفال في مدينتنا وهى في العشرين وكان مسكنها مفتوحا للاطفال ،، بدون اوراق ،، وكانت تقوم بتدريسهم في المساء .
يقوم شباب اسكندنافية بتوفير المال وحرمان انفسهم للذهاب الى افريقيا جنوب امريكا للمساعدة في الحفاظ على البيئة بناء المساكن الخ . ماريا الفنانة والدة ابني الطيب قامت بارساله وهو في السابعة عشر الى قواتيمالا للمشاركة في بناء المدارس في الاحراش بين ثعابين الأناكوندا العملاقة ونمور الجاقوار . الرحلة كلفت 6 الف دولار تقاسمتها مع والدتها وشقيقتها . وكان المعسكر يضم شبابا من كندا وامريكا بينهم الاولاد والبنات . انها التربية اللبرالية او الاشتراكية .
الاشتراكية الحقيقية ليست مواكب ، مؤتمرات وتشنجات وجلسات مع زجاجات الخمر بملابس رثة وشعر اشعث اغبر . انها طريقة حياة يكتسبها النشئ عن طريق تربية الوالدين المدرسة والمجتمع . يتعلم النشي احترام العمل الانتاج المسؤولية الامانة الاحساس بألم الآخرين وشقاء وبوس الشعوب الفقيرة . المسؤولة الايطالية التي هاجمت ماكرون رئيس فرنسا قالت له انهم من يفقرون افريقيا لان فرنسا تسيطر على اقتصاد 14 دولة افريقية وحتى عملتهم تطبع في فرنسا وتحمل الختم الفرنسي . فرنسا تستورد اليورانيوم من النيجر عن طريق عمل الاطفال في المناجم و90 % من اهل النيجر لا يعرفون الكهرباء . وصرخت باعلى صوتها أن بعض الدول الاوربية هى من تفقر افريقيا .... لا تأتي هنا يا ماكرون وتحاضرنا ...... هذا هو صوت الاشتراكية الحقيقي . هذه هى الايديولجية التي تؤمن بحرية الرأي تبادل السلطة المساواة في الاجور للنساء والرجال فرض الضرائب على اصحاب الدخل العالي لدعم المجتمع المدني الذي يسير المجتمع وليس الحكومة . التربية الاشتراكية الحقيقية التي تخرج من رحم ارادة الشعب تجعل من المجتمع المدني والنشاط التطوعي هو الحاكم الفعلى في البلد . نفس مكاتب الدولة المدارس المستشفيات اماكن الترفيه، الملاعب ، الحدائق لا تختلف في اصغر الاشياء بين القرية والمدينة . وقد تكون اكثر تنظيما واجمل شكلا في القرى بسبب احساس الناس بالانتماء والحميمية اكثر من المدن الكبيرة.
التربية الاشتراكية كانت موجودة في طبيعة الشعب السوداني ولم يكن الفساد معروفا وكان الفاسد هو الشاذ الذي يؤكد القاعدة .
الاشتراكية هى من جعلت الحكومة الحالية في السويد تعرف بحكومة النساء فهن المسيطرات على كل الوزارات المهمة . ورئيسة فنلندة الدنمارك النرويج ايسلندة سيدات . واغلبية روساء الاحزاب السويدية من النساء اشهرهن الكنقولية الميلاد صابوني التي على مقدرة عالية من المقدرة على الافحام وكانت وزيرة وهى في العشرينات .
في السبعينات كان مرتب رئيس الوزراء الشخصية الخرافية العالمية اولوف بالما 1500 دولار قبل الضرائب ويسكن في شقة يدفع اجارا عاديا . صديقي ،،ميللا ،،اليوغوسلافي الذي كان صاحب محل للسندوتشات يقول مفتخرا لاهله في صربيا ان دخله ثلاثة اضعاف دخل رئيس الوزراء السويدي وهذه حقيقة وكانوا لا يصدقونه . لأن الرئيس ،، تيتو ،،الشيوعي والوزراء كانوا يعيشون كالاباطرة .
في التسعينات صار الاشتراكي بيرشون رئيسا للوزراء كان يفصله من مسكني عمارتان مرتبه كان حوالي 8 الف دولار قبل الضرائب التي هى عالية في السويد لا تقل فى العادة عن 35 % لاصحاب الدخل الادنى . بعد فترة من تسلمه لوظيفته قام سكان عمارته بتوقيع عريضة مطالبين بطرده بسبب كثرة الداخلين والخارجين في العمارة . رئيس الوزراء اولستين اتت مظاهرة لمسكنه في السبعينات خرج مناشدا المتظاهرين بسبب سياسة حكومته بسب الطاقة النووية للتظاهر امام مكتبه لأن التظاهر قد يعطي بقية السكان الحق في طردة من السكن .
شوقي

shawgibadri@hotmail.com

 

آراء