في رثاء الزميل كمال الشيخ: من أهل الضمير المستتر وتقديره الوفاء لحزبه!.
حسن الجزولي
1 June, 2021
1 June, 2021
رحم الله الزميل المهندس كمال علي أحمد الشيخ، الذي غادرنا خفافاً، وهو أحد الذين تحق فيهم الذكرى والتذكر اللائقين في كل حين لمكانته وعطاءه وإخلاصه للعديد من الذين كان حولهم وكانوا حول حياته، وأولهم حزبه الشيوعي!.
التحق كمال باكراً بالحزب الشيوعي منذ مرحلة الدراسة الثانوية وعمله بالجباه الديمقراطية وقتذاك. وامتد إخلاصه وتفانيه عبر كافة مراحل حياته.
وكان الراحل المنتمي لقرية الرفاهيات بمحلية طابت غرب الحصاحيصا، قد تدرج في مراحله التعليمية منذ الأولية والمتوسطة بقريته تلك، والثانوية بمدرسة حنتوب، ثم معهد الكليات التكنولوجية لمدة سنة واحدة قبل أن يستمتع بمنحة أكاديمية من الحزب الشيوعي لدراسة الهندسة الالكترونية في الاتحاد السوفيتي سابقاً، ليعود متخصصاً في علوم الاتصال عبر الأقمار الصناعية، وكان من أوائل المتخصصين في هذا المجال الذي نبغ فيه وأظهر تميزاً ومعرفة جمة، في العديد من المواقع والمؤسسات التي عمل فيها، كمحاضر في معهد الارسال الاذاعي أولاً، وكبير مهندسي محطة الارسال بسوبا، وكذا في تلفزيون الجزيرة، كما ساهم في تأسيس كل من اذاعة وتلفزيون حلفا الجديدة وكسلا والقضارف الاقليمية، ثم مؤسساً لتلفزيون جبل مرة قبل أن يطاله الفصل من الخدمة لما يسمى بالصالح العام في سنة 1991، ومن سخريات القدر المضحكة أن يحال شخص مثله بكل هذه الامكانيات التأهيلية والانجازات للصالح العام وقطع أرزاقهم، في حين أنه وأمثاله كان من المؤمل أن تتوفر لهم الظروف التي تساهم في أن يبدعوا في مجال أصبح اليوم من ضروريات علوم الاعلام والاتصال الجماهيري!. يتم إبعادهم من مجالات رزقهم وفائدة البلد بدعاوي الصالح العام!. فيهاجر الشيخ إلى كندا عام 1993 كلاجئ سياسي ويعمل في شتي المجالات الهامشية تأميناً لحياة ورزق أسرته، ثم ينتقل إلى الرفيق الأعلى في الأول من ديسمبر 2019.
جمعتني الظروف بالراحل في إحدى زياراتي لكندا، وكانت مفاجأة لي بعد أن علمت بتخصصه في كل من "البث الاذاعي والتلفزيوني"، والذي لم تتم الاستفادة منه ومن تخصصه مطلقاً للأسف الشديد بعد فصله، لا في الدولة التي استجار بها ولا حتى في حدود الجهود التي كان يمكن أن يقدمها لفصائل التجمع الوطني الديمقراطي التي قدم لها مشروعاً مكتملاً لامكانية تأسيس إذاعة وتلفزيون معارض بقدرات تقنية متقدمة دون أي تكلفة مالية تذكر، إلا أن الأطراف المعنية وقتها في التجمع تجاهلت العرض!، أو حتى في نطاق حزبه الذي خاطبه في الشأن للاستفادة من المشروع الذي كان قد قدمه لأهل التجمع، ويبدو أن الحزب كان يمر وقتها بظروف متعددة لم تتح له الامكانية كي يتفرغ لمثل هذه المشاريع!.
أذكر الراحل محجوب شريف وشخصي كنا مهمومين وقتها بإمكانية البحث عن الطرق والامكانيات السالكة، من أجل تأسيس إذاعة ناطقة باسم الحزب بهدف تطوير القدرات الاعلامية له والانعتاق من إثر إعتقال الطاقات في حدود التفكير التقليدية وجهود الحزب الاعلامية!. وقتها أذكر أن إحدى الرفيقات اللبنانيات التي التقيناها بمدينة لندن قد حدثتنا عن تجربة البث الاذاعي والتلفزوني للحزب الشيوعي اللبناني الذي ثابر في تأسيس هذا المرفق الاعلامي بالاشتراك مع كل من الرحابنة والمطربة فيروز وأحرز نجاحاً منقطع النظير ووعدتنا بتقديم تجربة الشيوعي اللبناني لاحقاً!.
أنفعل الراحل محجوب وأنا بمعلومات الرفيقة اللبنانية وأصرينا على إنجاح المشروع، وبإشراف وتوجيه الراحل كمال الذي وفر لنا مسودة مشروعه القديم في كيفية تأسيس الاذاعة والتلفزيون، بدأنا معاً ـ محجوب شريف وشخصي ـ في خطوات حاسمة نحو البحث عن أفضل السبل لتأسيس محطة للاذاعة والتلفزيون، إنضم للمشروع الزميل علي الكنين القيادي بالحزب الذي كان وقتها يشرف على شركة التنوير الاعلامية ليكون المشروع تحت إشراف الشركة، إلا أن ما عرقل المضي في تنفيذ المشروع هو أن "دار التنوير" نفسها لم تستمر طويلاً لأسباب مختلفة. رغم الجهود التي بذلها محجوب مستعيناً بخبرات الراحل المهندس كمال الشيخ، بالاتصال ببعض أعضاء الحزب والأصدقاء بالخارج والذين شرعوا في مد المشروع بالمعينات الأساسية من أجهزة متطورة لم تتم الاستفادة منها حتى الآن!، تم تعديل المشروع بواسطة الراحل كمال، لتكون الأولوية للاذاعة الحزبية أولاً، فقمت بالاتصال بالراحل إسماعيل طه، الاذاعي والاعلامي المخضرم وصاحب التجارب والخبرات الجمة في البث الاذاعي، فقدم لنا مسودة مشروع مكتمل من كافة النواحي التقنية والادارية ومطلوبات البناء الهندسي لغرفة البث الأساسية وهو مشروع متعلق بكيفية تأسيس إذاعة بإمكانيات محدودة وبسيطة ولكنها فعالة في نهاية الأمر، وقد بذل فيه كل من الراحلين إسماعيل وكمال جهوداً مقدرة تم إعدادها خصيصاً لمشروع الحزب الاعلامي!، على الفور تمت مخاطبة الهيئات القيادية المسؤولة بالحزب والتي منحتنا الضوء الأخضر في التنفيذ.
وهكذا شاء القدر اللعين أن يرحل محجوب شريف ويرحل معه كل من كمال الشيخ وإسماعيل طه اللذان أبديا اهتماماً فائقاً لمتابعة المشروع بالتوجيه وتقديم المشورة، وهكذا إلى جانب ظروف أخرى حالت دون الاستمرار في التنفيذ ـ وليس هنا مجال ذكرها! ـ توقف كل شئ بعد جهود حثيثة تابعها معنا عدد من خيرة أهل التخصص إلى جانب ناس الحيشان التلاتة " إذاعة، تلفزيون، مسرح"!.
تداعت هذه الخاطفات وأنا أكتب في تذكر إنسان جميل ومفيد من أهل الضمير المستتر، تواضعاً جماً وعدم تهافت للأضواء، لم ننتبه لامكانياته الكامنة فيه من أجل تطوير إعلامنا الحزبي، إلا في الفترة الأخيرة من حياته للأسف الشديد!.
له الرحمة والمغفرة
ـــــــــــــــــ
* كتب هذا الرثاء بمناسبة ليلة التأبين للراحل والتي أقامها فرع الحزب بمدينة هاملتون بكندا وشاءت الظروف الخارجة عن الارادة ألايتم تقديمها.
hassanelgizuli@yahoo.com