لجنة التمكين ليست، دستورياً، مفوضية الفساد فتبينوا يا ذوي الألباب   

 


 

 

(إذا كنت تقرأ نص تكوين لجنة التمكين مثل الذي بيدي فستجده أشار إلى أنها نشأت عملاً بالمادة ٨-١٥ بينما الصحيح هو ٧-١٥ إلا أذا جرى التصحيح في نسخ لاحقة)

يخلط الكثيرون خلطاً له ما يبرره ربما بين تكوين لجنة تفكيك الإنقاذ (المادة ٧-١٥ من الوثيقة الدستورية) وبين تكوين المفوضيات المستقلة (الفصل ١٢ المادة ٣٨ من نفس الوثيقة). فالمادة ٧-١٥، التي بمقتضاها صدر قرار مجلس الوزراء في نوفمبر ٢٠١٩ بتكوين اللجنة في إطار مهام الفترة الانتقالية تقرأ:

تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو ١٩٨٩وبناء دولة المؤسسات القانون.

وجاء في المادة ٣٨-٥ ب من الوثيقة الدستورية تكوين مفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة.

والخلط بين المادتين جائز بقرينة "استرداد الأموال المنهوبة" التي ما عتى عليه الإنقاذيون بالطبع وليس حصرياً. أما الخلط بين التمكين ومحاربة الفساد فلا يجوز. فالفساد يقع في الفترة الانتقالية. بل لا أعرف طوفان فساد وقع في بلدنا مثل الفساد الذي وقع في هذه الفترة الانتقالية لو صدقنا منابر الثورة المضادة. فعندي أن عبارة "الأموال المنهوبة" تَزَيد في الصياغة في بلد لا توفي صياغة الفكرة، حتى القانونية، وتكفي. وعليه فلا يتحجج بمفوضية مكافحة الفساد واسترداد الأموال بأنها المقصودة بالتمكين، أو تغني غناءها، إلا غير الفطن.

فلم أمل التكرار أن الإنقاذ ليست نظاماً فاسداً. فالفساد يقع في أحسن عائلات النظم. خلافاً لذلك فالإنقاذ نظام الفساد هو "كاره ولعب كباره وصغاره" في قولنا الشعبي بمعنى أنه مما بُني علي فساد وأكل أموالهم بينهم بالباطل. فالفساد، إذا جئنا للغة الكرة، حالة تسلل بينما لعب الإنقاذ "دافوري". فالتسلل مروق من القواعد المقررة صفارة الحكم له بالمرصاد. وقد لا يراها القانون. وتقوم الشمطة. ولكن الدافوري (في لغتنا السياسية) تجنيب للقواعد بالمرة واللعب كما اتفق لك.

ولن يقع في الخلط بين لجنة التمكين ومفوضية الفساد من قرأ "سلطات وصلاحيات اللجنة". والقراءة ليست من العادات الفاشية في أنكرنا صوتاً فيكفيه السماع. ومتى قرأنا عرفنا أن كل ما يثار حول اللجنة في تجاوز صلاحياتها كذب ضار، أو جهل بها. فلها صفة التقاضي فتلغي الوظيفة الحكومية بأصنافها وتنهى خدمات من حصل على الوظيفة بغير استحقاق،وتحل المنظمات الربحية وغير الربحية التي أنشئت قبل الثورة، وتمارس صلاحيات وسلطات مجلس الوزراء فيما اتصل بقانون الشركات، ولها سلطات نيابية، وتتخذ إجراءات قانونية ضد كل ذي كسب غير مشروع، ولها حق الاطلاع على الحسابات وحجزها. إلخ. ليس من شكوى "يصرخون" والدمدمة لم ترد في صلاحيات اللجنة.

وهذه سلطات وصلاحيات اللجنة من قانونها ليقرأها المنكر ويناقش على ضوئها لا ارتجالاً مغرضاً.


المادة “5”: سلطات وصلاحيات اللجنة المادة “5”: سلطات وصلاحيات اللجنة

1. يكون للجنة شخصية اعتبارية وصفة في التقاضي بالإضافة لما يلي من سلطات وصلاحيات:

أ. إلغاء اي وظيفة في أي جهاز حكومي أو مفوضية أو مؤسسة أو هيئة أو شركة قطاع عام أو أي من الأجهزة الحكومية أو مؤسسات الخدمة المدنية.

ب .حل اي منظمة ربحية أو غير ربحية أو مؤسسة او هيئة او مفوضية انشئت قبل 11 ابريل

2019م وإنهاء خدمة كافة المسؤولين والموظفين والعاملين فيها .

ج. إنهاء خدمة اي شخص في أي جهاز حكومي أو بالخدمة المدنية حصل على الوظيفة العامة بسبب التمكين أو استخدام النفوذ أو الوظيفة العامة لأغراض التمكين.

د .نقل أي موظف بالخدمة العامة أو أي جهاز حكومي أو مفوضية أو مؤسسة أو هيئة أو شركة تابعة للدولة .

هـ .تعيين أي شخص أو أشخاص في أي هيئة أو مفوضية أو مؤسسة أو شركة أو إعفاء أي أعضاء بمجلس إدارة أو مدراء أو قيادات في تلك الجهات أو غيرها من مؤسسات الخدمة المدنية أو الأجهزة الحكومية ومن في حكمهم من شاغلي الوظائف.

و .طلب المعلومات والتقارير من مؤسسات الدولة و أجهزتها لأغراض تفكيك نظام الانقاذ ز .استدعاء أي شخص للإدلاء بأية معلومات أو تقديم أي بينات لأغراض تنفيذ هذا القانون.

ح .الاطلاع والحجز على حسابات الاشخاص والمؤسسات والشركات المصرفية لأغراض تفكيك نظام الانقاذ واتخاذ التدابير القانونية بشأنها .

‌ط .الاستعانة بمن تشاء لتقديم أي رأي أو مشورة .

‌ي .تفويض كل أو بعض صلاحياتها لمن تختاره من أعضاء اللجنة .

‌ك .اتخاذ أي إجراءات جنائية أو قانونية ضد أي شخص ومطالبته بالتعويض عن أي كسب غير مشروع بسبب الوظيفة أو طريقة الحصول عليها.

ل .وضع الخطط والبرنامج الكفيلة لتفعيل هذا القانون لتمام تفكيك النظام في كافة مؤسسات أو أجهزة الدولة واتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذها أو إنشاء أي كيان بديل وتحديد هياكله واختصاصاته.

2. تمارس اللجنة صلاحيات وسلطات مجلس الوزراء ووزير العدل المقررة بموجب المادة

22/3 من قانون الشركات لسنة 2015.

3. يكون للجنة صلاحيات وكيل النيابة المقررة في قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م.

لا أعرف دماثة سودانية في رقي مؤسسة تفكيك التمكين المجعولة لطي صفحة الماضي بتمكين مبدأ المساءلة (holding government officials accountable) في الحكم في السودان. وهذا ما لا تطيقه بيروقراطية الدولة المنتظرة حتى بين الثائرين. فمعلوم أن سبيل طاقم الحكومة كان وسيظل هو نهب الدولة ل"تكوين أنفسهم". جرى هذا في عهد عبود بما سميناه "الرأسمالية البروقراطية" في "الماركسية وقضايا الثورة السودانية" (١٩٦٧)، وفي عهد نميري، وخلال الإنقاذ. فطبقة البرجوازية الصغيرة شاخصة العيون أبداً لتغني وتصير في البرجوازية (الطبقة المرتاحة) عن طريق سلطانها في الدولة. وهذا الإثراء بالنفوذ الحكومي هو القاعدة في تكون البرجوازية في بلاد ما بعد الاستعمار. ونوه به إيمانويل والرشتاين. فالبرجوازية الصغيرة توظف شوكتها في الدولة لتثرى (transform power into wealth): سلطة للساق ولا مال للخناق. ولم يقبل شعبنا على ٣ مرات بهذه الخساسة. وانتهينا هذه المرة للجنة ترد الحكومة لوظائفها لا تفرخ أثرياء برغمنا وعلى حسابنا.

هل لجنة تفكيك التمكين بدعة في العالمين؟ لا. ونواصل.


IbrahimA@missouri.edu

 

آراء