ألم تكتشفوا سوى فساد مبارك أردول في دواوين الحكومة؟

 


 

 

قبل أيام، تداولات مواقع التواصل الاجتماعي رسالة بعثها مبارك أردول مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية لأصحاب شركات التعدين، يقول فيها: (لإخوة الأعزاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …توصلنا مع الإخوة أعضاء اللجنة إلى أن هنالك أهميةً قصوى لتوفير المبلغ المرصود لكل شركة وهو مليون جنيه سوداني لا غير، وأرجو أن تسلم إلى المكتب التنفيذي للأخ المهندس منصور صديق خلال (48) ساعة من الآن نسبةً لاستعجال الأخ الحاكم وسفره إلى دارفور)..
بعد التداول الكثيف على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإخبارية السودانية للرسالة المشار اليها. انبرت الأقلام من كل الاتجاهات، تهاجم مبارك أردول، وتعتبر رسالته تشبه رسائل الكيزان ودليل على فساد الرجل في عهد الثورة.
وانا لستُ هنا للدفاع عن فساد مبارك أردول أو تبرئته، لكن احتجاجي هو سياسة الكيل بمكيالين، التي راحت رائحتها تنبعث من أقلام الذين تناولوا الموضوع، وكأن ليس هناك مفسدين في الحكومة السودانية اطلاقا وان أردول هو من ادخل الفساد وعلم غيره كيف يفسدون!
إن كان هذه الأقلام التي تهاجم أردول، قد نست أو تناست فساد السودانيين في الدواوين الحكومية قبل وبعد الثورة، فإن هناك واقعاً يستطيع القاصي والداني تلمسه ورؤيته دون الحاجة إلى عدسة مكبرة، ذلك أن هذا الواقع لم تطو صفحته بعد، وان تداعياته طالت كل قطاعات الشعوب السودانية.
لا اعتقد ان تلك الأقلام ولدت مع فساد مبارك أردول، بل موجودة قبل وبعد الثورة، لكنها لم تتناول على سبيل المثال فساد:
1/شركات الجيش السوداني.
2/شركات قوات الدعم السريع (الجنجويد).
3/وزارة خارجية مريم الصادق المهدي.
4/مجلسا السيادة وشركاء الحكم الانتقالي.
5/التعيينات الاعتباطية في الدواوين الحكومية المختلفة التي لا تراعي المؤهلات.
6/ وولخ.
إذن، الفساد موجود في كل دواوين الحكومة دون استثناء، وكان من الأمانة ان تتناول تلك الأقلام الهائجة التي تدعي الطهارة والحرص على المال العام، هذا الموضوع بشفافية دون تدليس وانتقاء. أما وقد تركوا الكلام عن الفساد الكبير في الشركات التي يديرها الجيش والدعم السريع (الجنجويد) وولخ، والتركيز على فساد مبارك أردول إذا كانت رسالته ترتقي لدرجة فساد، فهذا يعني ان هناك ممارسة لسياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الأحداث والموقف منها.
في الممارسة والتطبيق، يسرح الفساد ويمرح، في حين تتدفق معلومات عن صفقات تقضم ما تبقى من محتويات الخزينة السودانية، لتبقى المساءلة إعلامية فقط ومرتبطة بالتناحر بين الخصوم السياسيين عندما ينعدم الوئام فيما بينهم. ولم يخضع أي مسؤول الى رقابة مالية تكشف بشفافية تطور وضعه المالي خلال وجوده في السلطة.
حتى لحظة كتابة هذه المقالة، لا يزال الفاسدون محميين لانعدام القدرة على كشف حساباتهم، مع ان مظاهر ثرائهم غير المبرر أوقح من خطابهم المتعالي وحقدهم على كل من يرفض الفساد ويشعرهم بأنه يعرفهم ويرفضهم.
الفساد مشكلة كبيرة ولا تقتصر فقط على السودان وحكوماته، لكن المشكلة في السودان هي ان الفساد يجد له حواضن اجتماعية وسياسية مُساندة، واقلام خرساء تخجل من تناوله، ليظهر كبار الفاسدين كأذكياء وشطار، يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويحاطون بأقربائهم الذين يُمجدونهم ويدعمونهم.
سودان اليوم الذي يفترض انه سودان الثورة، أصبح فيه الفساد حالة مؤسسية، وفي كل يوم تُفرخ أنظمة الفساد فاسدين يتحكمون بصناعة القرار السوداني، ويحاربون ويحاصرون ما تبقى من أشخاص نزيهين وشرفاء في أجهزة الدولة يعارضون أن تُدار بلدهم على أنها مزارع للفاسدين.
على الأقلام الهائجة الثائرة ضد مبارك أردول، إذا كانت فعلا حريصة على محاربة الفساد في السودان ان لا تمارس سياسة الكيل بمكيالين، بل الكشف عن كل حالات الفساد للرأي العام وتبليغ الجهات المختصة من أجل اتخاذ الإجراءات الرادعة، لأن استشراء الفساد يؤدي الى تعطيل فرص التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي وولخ.
وفي الختام -إذا كان مبارك أردول فاسدا، فهو فاسد صغير جدا بكل المقاييس مقارنةً بالمفسدين الكبار الذين سرقوا ويسرقون بشكل يومي، مليارات ومليارات الدولارات من أموال الشعب، ويعقدون صفقات مشبوهة بالمليارات أيضا، فلتستهدف الأقلام الحريصة على محاربة الفساد، هؤلاء المفسدون الكبار دون ممارسة سياسة الكيل بمكيالين.

bresh2@msn.com

 

آراء