السودان.. دعوات غامضة للوفاق الوطني
بابكر فيصل بابكر
13 August, 2021
13 August, 2021
بابكر فيصل بابكر
رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الإتحادي
انتشرت في الساحة السياسية مؤخرا دعوات عدة لتحقيق وفاق وطني شامل يقول أصحابها إنه السبيل الوحيد لاستقرار ونجاح المرحلة الانتقالية التي جاءت في أعقاب ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بالنظام الدكتاتوري لجماعة الإخوان المسلمين بعدما سيطرت على دفة الحكم في البلاد لثلاثين عاما بعد استيلائها على السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو 1989.
اتسمت هذه الدعوات بالغموض والتعميم وعدم الغوص في التفاصيل التي تتعلق بالقوى السياسية التي يجب أن يضمها هذا الوفاق الشامل، وقد زاد من الريبة التي تحيط بهذه الدعوات أن بعضها نادى بعدم استثناء حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في ظل دكتاتورية الإخوان) من الوفاق الوطني، مع العلم بأن هذا الحزب تم حله ومُنع من ممارسة نشاطه بأمر الثورة والقانون.
كذلك تطالب بعض الأصوات الداعية للوفاق بأن يكون التيار الإسلاموي العريض جزءا من هذا الوفاق الشامل المنشود، لكنها لا تعطي تعريفا محددا لماهية هذا التيار الإسلاموي، ولكن ما يُفهم من مطلبهم أنهم يقصدون مكونات أخرى داخل الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين) مثل حزب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن، وغيرها من الفصائل التي ميزت مواقفها نوعا ما عن حزب المؤتمر الوطني المحلول في فترات لاحقة لسيطرة الجماعة على مقاليد الحكم.
في البدء نقول، وكما ظللنا نقول دوما، إنه لا يوجد شخص عاقل يرفض أي عملية تنادي بالوفاق المفضي إلى استقرار الحكم في بلد مضطرب مثل السودان عانى من ويلات الحروب والقمع والاستبداد وأضاع فرصا ذهبية لتحقيق التنمية والنهوض، ولكن قبل الحديث عن الوفاق لا بد من الحديث المفصل والدقيق عن طبيعة هذا الوفاق والقوى المعنية به، حتى لا تتحول الدعوة إلى "حصان طروادة" لهزيمة شعارات الثورة.
الحُجة التي يستند إليها دعاة الوفاق الغامض هي أن الإسلامويين ليسوا سواء في تحمل المسؤولية عن الجرائم والدمار الذي حاق بالوطن من جراء السياسات التي تبناها نظام الإخوان المسلمين، وبالتالي فإنهم يدعون إلى محاسبة الأفراد الذين أفسدوا وارتكبوا الجرائم، دون مساءلة المنظومة التي ينتمون إليها عن تلك التجاوزات.
وبهذا المنطق فإنهم يطالبون بضم حزبي المؤتمر الشعبي والإصلاح الآن وغيرها من فصائل الجماعة لعملية الوفاق، متناسين أن الجرائم التي ارتكبت في حق الملايين من أبناء وبنات الوطن لم تتم بصفة فردية كما يدَّعون، بل كانت سياسة معلنة وتوجها راسخا وبرنامجا متفقا عليه داخل الجماعة، وأن الأفراد الذين ارتكبوا تلك الفظائع إنما كانوا مجرد أدوات للتنفيذ، وهو الأمر الذي يضع الوزر الأكبر على المنظومة، وليس الفرد.
إن الأفراد الذين قاموا بدق المسمار في رأس الشهيد الدكتور علي فضل، والذين اغتصبوا العميد محمد أحمد الريح في زنازين بيوت الاشباح، والذين أغرقوا عشرات المجندين قسرا من الأطفال القاصرين في مياه النيل الأزرق، والذين أهانوا وعذبوا الشيوخ وكبار السن من السياسيين في المعتقلات، إنما كانوا ينفذون خطط المنظومة، ولم يقوموا بتلك الأفعال بدوافعهم الشخصية ورغبتهم في التنكيل بالناس فحسب.
إن جريمة فصل عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية لا لشيء سوى أنهم لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين كانت سياسة حزبية مرسومة بدقة، ولم تكن مجرد فعل شخصي أو فردي، وترتب عليها تشريد وحرمان آلاف الأسر من مصدر رزقهم بين عشية وضحاها، فضلاً عن موت المئات من أربابها بالغبن والذبحة الصدرية من جراء الظلم الكبير الذي وقع عليهم دون أن يرتكبوا أي جريرة.
ولا شك أن جرائم نظام حكم جماعة الإخوان لم تبدأ بعد انفصال المؤتمر الشعبي وبقية الفصائل الإخوانية عن حزب المؤتمر الوطني المحلول، بل بدأت منذ اليوم الأول للاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب العسكري (30 يونيو 1989) وتحت مرأى ومسمع جميع قيادات الجماعة، بمن فيهم زعيمها الراحل الدكتور حسن الترابي، واستمرت لمدة 10 سنوات قبل أن تقع الخلافات داخل التنظيم، ويتخذ كل فصيل موقفه الخاص.
ويعلم السودانيون أن العشر سنوات الأولى من حكم الجماعة كانت الأسوأ بين جميع حقب ومراحل حكم النظام الإخواني من حيث القهر والظلم والقتل والتنكيل، وقد تمت ممارسة هذه الأمور باتفاق تام بين قيادات الإخوان بمن فيهم زعيم المؤتمر الشعبي، ورئيس حركة الإصلاح الآن، وغيرهم من رموز الجماعة التي يدعو البعض لضمهم للوفاق الوطني ضربة لازب.
ومع ذلك فإن الثورة السودانية العظيمة لم تنتهج أسلوب التشفي والانتقام العشوائي مع مختلف الأطياف الإخوانية، وإلا لكانوا سُحلوا في الشوارع كما حدث مع أفراد الطبقة الحاكمة في ليبيا، بل تعاملت معهم وفقا للأخلاق والأعراف والقوانين، ولم يتم حل وحظر أحزابهم (سوى المؤتمر الوطني)، فهم الآن يتمتعون بكل ثمار التغيير في مجال الحريات العامة، ويمارسون نشاطهم الفكري والسياسي بحرية كاملة دون أي عسف أو تضييق أو إرهاب من الحكومة الانتقالية.
ولا يمكن الخوض في أي حديث عن الوفاق الوطني يشمل الأحزاب والفصائل الإخوانية دون أن يفي هؤلاء بعدد من المطالب يأتي في مقدمتها الاعتذار الواضح للشعب السوداني عن العسف والبطش الذي مارسته الجماعة بحق المواطنين، والجرائم التي ارتكبتها خلال 30 عاما من الحكم، التي دفع السودانيون ثمنها غاليا من المهج والأرواح والدماء.
كذلك يجب عليهم المساعدة في كشف تفاصيل الجرائم والإدلاء بالشهادات التي تساعد على الوصول للحقائق في العديد من الملفات التي تطلبها العدالة والتحقيقات، بالإضافة إلى إجراء مراجعات علنية تطال العديد من المبادئ والمرتكزات التي ينهض عليها بنيان الجماعة الفكري، والتي تسببت في تشييد دولة الاستبداد والفساد والحروب الأهلية والعزلة عن العالم.
ومن المهم أيضا أن تتوقف جميع أطياف الجماعة فورا عن وضع العراقيل أمام الحكومة الانتقالية، وأن يعوا جيدا أن السعي لاختراق العملية السياسية عبر بوابة القبائل وبعض الحركات المسلحة لن يجدي في عودتهم المجانية لساحة العمل السياسي، بل يجب عليهم أن يدفعوا ثمن هذه العودة عبر الوفاء باستحقاقاتها المطلوبة.
يتوجب على الذين يطلقون دعوة الوفاق الوطني أن يكونوا أكثر جرأة ووضوحا في طرحهم، وأن يخوضوا في تفاصيل ومرامي دعوتهم عبر تسمية وتحديد الجهات التي يتطلعون لضمها لعملية الوفاق، والإعلان عن ذلك بكل شفافية لجماهير الشعب السوداني، صاحبة الكلمة الأخيرة، والقول الفصل في هذا الأمر .
الحرة ،،،،
رئيس المكتب التنفيذي للتجمع الإتحادي
انتشرت في الساحة السياسية مؤخرا دعوات عدة لتحقيق وفاق وطني شامل يقول أصحابها إنه السبيل الوحيد لاستقرار ونجاح المرحلة الانتقالية التي جاءت في أعقاب ثورة ديسمبر 2018، التي أطاحت بالنظام الدكتاتوري لجماعة الإخوان المسلمين بعدما سيطرت على دفة الحكم في البلاد لثلاثين عاما بعد استيلائها على السلطة عبر انقلاب عسكري في يونيو 1989.
اتسمت هذه الدعوات بالغموض والتعميم وعدم الغوص في التفاصيل التي تتعلق بالقوى السياسية التي يجب أن يضمها هذا الوفاق الشامل، وقد زاد من الريبة التي تحيط بهذه الدعوات أن بعضها نادى بعدم استثناء حزب المؤتمر الوطني (الحزب الحاكم في ظل دكتاتورية الإخوان) من الوفاق الوطني، مع العلم بأن هذا الحزب تم حله ومُنع من ممارسة نشاطه بأمر الثورة والقانون.
كذلك تطالب بعض الأصوات الداعية للوفاق بأن يكون التيار الإسلاموي العريض جزءا من هذا الوفاق الشامل المنشود، لكنها لا تعطي تعريفا محددا لماهية هذا التيار الإسلاموي، ولكن ما يُفهم من مطلبهم أنهم يقصدون مكونات أخرى داخل الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين) مثل حزب المؤتمر الشعبي وحركة الإصلاح الآن، وغيرها من الفصائل التي ميزت مواقفها نوعا ما عن حزب المؤتمر الوطني المحلول في فترات لاحقة لسيطرة الجماعة على مقاليد الحكم.
في البدء نقول، وكما ظللنا نقول دوما، إنه لا يوجد شخص عاقل يرفض أي عملية تنادي بالوفاق المفضي إلى استقرار الحكم في بلد مضطرب مثل السودان عانى من ويلات الحروب والقمع والاستبداد وأضاع فرصا ذهبية لتحقيق التنمية والنهوض، ولكن قبل الحديث عن الوفاق لا بد من الحديث المفصل والدقيق عن طبيعة هذا الوفاق والقوى المعنية به، حتى لا تتحول الدعوة إلى "حصان طروادة" لهزيمة شعارات الثورة.
الحُجة التي يستند إليها دعاة الوفاق الغامض هي أن الإسلامويين ليسوا سواء في تحمل المسؤولية عن الجرائم والدمار الذي حاق بالوطن من جراء السياسات التي تبناها نظام الإخوان المسلمين، وبالتالي فإنهم يدعون إلى محاسبة الأفراد الذين أفسدوا وارتكبوا الجرائم، دون مساءلة المنظومة التي ينتمون إليها عن تلك التجاوزات.
وبهذا المنطق فإنهم يطالبون بضم حزبي المؤتمر الشعبي والإصلاح الآن وغيرها من فصائل الجماعة لعملية الوفاق، متناسين أن الجرائم التي ارتكبت في حق الملايين من أبناء وبنات الوطن لم تتم بصفة فردية كما يدَّعون، بل كانت سياسة معلنة وتوجها راسخا وبرنامجا متفقا عليه داخل الجماعة، وأن الأفراد الذين ارتكبوا تلك الفظائع إنما كانوا مجرد أدوات للتنفيذ، وهو الأمر الذي يضع الوزر الأكبر على المنظومة، وليس الفرد.
إن الأفراد الذين قاموا بدق المسمار في رأس الشهيد الدكتور علي فضل، والذين اغتصبوا العميد محمد أحمد الريح في زنازين بيوت الاشباح، والذين أغرقوا عشرات المجندين قسرا من الأطفال القاصرين في مياه النيل الأزرق، والذين أهانوا وعذبوا الشيوخ وكبار السن من السياسيين في المعتقلات، إنما كانوا ينفذون خطط المنظومة، ولم يقوموا بتلك الأفعال بدوافعهم الشخصية ورغبتهم في التنكيل بالناس فحسب.
إن جريمة فصل عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية لا لشيء سوى أنهم لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين كانت سياسة حزبية مرسومة بدقة، ولم تكن مجرد فعل شخصي أو فردي، وترتب عليها تشريد وحرمان آلاف الأسر من مصدر رزقهم بين عشية وضحاها، فضلاً عن موت المئات من أربابها بالغبن والذبحة الصدرية من جراء الظلم الكبير الذي وقع عليهم دون أن يرتكبوا أي جريرة.
ولا شك أن جرائم نظام حكم جماعة الإخوان لم تبدأ بعد انفصال المؤتمر الشعبي وبقية الفصائل الإخوانية عن حزب المؤتمر الوطني المحلول، بل بدأت منذ اليوم الأول للاستيلاء على السلطة عبر الانقلاب العسكري (30 يونيو 1989) وتحت مرأى ومسمع جميع قيادات الجماعة، بمن فيهم زعيمها الراحل الدكتور حسن الترابي، واستمرت لمدة 10 سنوات قبل أن تقع الخلافات داخل التنظيم، ويتخذ كل فصيل موقفه الخاص.
ويعلم السودانيون أن العشر سنوات الأولى من حكم الجماعة كانت الأسوأ بين جميع حقب ومراحل حكم النظام الإخواني من حيث القهر والظلم والقتل والتنكيل، وقد تمت ممارسة هذه الأمور باتفاق تام بين قيادات الإخوان بمن فيهم زعيم المؤتمر الشعبي، ورئيس حركة الإصلاح الآن، وغيرهم من رموز الجماعة التي يدعو البعض لضمهم للوفاق الوطني ضربة لازب.
ومع ذلك فإن الثورة السودانية العظيمة لم تنتهج أسلوب التشفي والانتقام العشوائي مع مختلف الأطياف الإخوانية، وإلا لكانوا سُحلوا في الشوارع كما حدث مع أفراد الطبقة الحاكمة في ليبيا، بل تعاملت معهم وفقا للأخلاق والأعراف والقوانين، ولم يتم حل وحظر أحزابهم (سوى المؤتمر الوطني)، فهم الآن يتمتعون بكل ثمار التغيير في مجال الحريات العامة، ويمارسون نشاطهم الفكري والسياسي بحرية كاملة دون أي عسف أو تضييق أو إرهاب من الحكومة الانتقالية.
ولا يمكن الخوض في أي حديث عن الوفاق الوطني يشمل الأحزاب والفصائل الإخوانية دون أن يفي هؤلاء بعدد من المطالب يأتي في مقدمتها الاعتذار الواضح للشعب السوداني عن العسف والبطش الذي مارسته الجماعة بحق المواطنين، والجرائم التي ارتكبتها خلال 30 عاما من الحكم، التي دفع السودانيون ثمنها غاليا من المهج والأرواح والدماء.
كذلك يجب عليهم المساعدة في كشف تفاصيل الجرائم والإدلاء بالشهادات التي تساعد على الوصول للحقائق في العديد من الملفات التي تطلبها العدالة والتحقيقات، بالإضافة إلى إجراء مراجعات علنية تطال العديد من المبادئ والمرتكزات التي ينهض عليها بنيان الجماعة الفكري، والتي تسببت في تشييد دولة الاستبداد والفساد والحروب الأهلية والعزلة عن العالم.
ومن المهم أيضا أن تتوقف جميع أطياف الجماعة فورا عن وضع العراقيل أمام الحكومة الانتقالية، وأن يعوا جيدا أن السعي لاختراق العملية السياسية عبر بوابة القبائل وبعض الحركات المسلحة لن يجدي في عودتهم المجانية لساحة العمل السياسي، بل يجب عليهم أن يدفعوا ثمن هذه العودة عبر الوفاء باستحقاقاتها المطلوبة.
يتوجب على الذين يطلقون دعوة الوفاق الوطني أن يكونوا أكثر جرأة ووضوحا في طرحهم، وأن يخوضوا في تفاصيل ومرامي دعوتهم عبر تسمية وتحديد الجهات التي يتطلعون لضمها لعملية الوفاق، والإعلان عن ذلك بكل شفافية لجماهير الشعب السوداني، صاحبة الكلمة الأخيرة، والقول الفصل في هذا الأمر .
الحرة ،،،،