قصة قصيرة، مزعجة بعض الشيء لطولها وربما لرتابتها
البراق النذير الوراق
7 November, 2021
7 November, 2021
في نهايات شهر يونيو من العام 2012، انطلقت تظاهرات كانت محدودة مقارنة بالعام 2013 وما بعده، ونشط النظام حينها في حملة اعتقالات عبر الترصد والتتبع والمداهمات للناشطين الحزبيين وغير الحزبيين، وكان من ضمن من اعتقلهم النظام شقيقي نادر. بعد أيام من الاعتقال دعت مجموعة من أسر المعتقلين لوقفة احتجاجية أمام جهاز الأمن، فذهبنا للوقوف على مقربة من البوابة الرئيسية أمام المركز الطبي الحديث، رغم معرفتنا بأن جهاز الأمن لن يستجيب لهذا النوع من النشاطات وسيقابلها بالبطش والضرب والمزيد من الاعتقالات خاصة وأن النظام كان قد بدأ في استعادة سيطرته كاملة مكملة على السلطة في أعقاب وصول اتفاقية نيفاشا لمحطة استقلال جنوب السودان.
قبل الموعد المحدد كان جمع من أسر المعتقلين وأصدقائهم وعدد من الثائرات والثائرين الذين يوفون بكل ميقات ومكيال ضد النظام، قد تجمعوا وقوفاً في انتظار إشارة معينة للهتاف والتحرك نحو بوابة جهاز الأمن.. وبسذاجة معلومة كنا نذهب بعيداً عن بعضنا البعض وكأن لا رابط بيننا أو سابق معرفة وخطة.
توقفت جانباً بسيارتي الصغيرة المكعكعة*، وبالصدفة اخترت مكاناً في الخلف قليلاً حيث كان يجلس على مقربة مني بائع " رصيد" بسيط المظهر.. وبسبب وقفتي تلك، استطعت بعد دقائق أن انتبه إلى أن هذا البائع لم يكن مجرد باحث عن الرزق في ذلك المكان الموحش في ذاك الزمان الأوحش، حيث كانت مكالماته المتكررة وبعض الكلمات التي تصل لأذني كلما حاول أن يقدم تقريره الاستخباري على سماعة هاتفه الصغير، كافية لكي أتثبت أنه مصدر لجهاز الأمن. تحركت من مكاني بعد دقائق ورحت أهمس في أذن من أعرف من النساء والشباب الذين كان بعضهم قد تنبه قبلي لنظرات الأمنجي الكسول بائع الرصيد الذي يجلس على مقعد مهترئ ويقف في صف المجرمين، وبدأوا أيضاً في الهمس لمن يعرفونهم لتفعيل (الخطة ب).
قررت الجموع التحرك قليلاً مبتعدة عن هذا المكان الذي بدأ يضج بحركة غير اعتيادية، ومع تحرك بعض البكاسي من على البُعد، تأكدنا أن الحصار آت، وأنه ليس أمامنا سوى لحظات قبل أن نلحق أخواتنا وإخواننا داخل الزنازين الباردة المتجمدة في عز الصيف، ولهذا يجب أن نغادر جميعاً والآن.
بهدوء مشوب بالحذر ذهبت كما آخرين مثلي، نحو سيارتي الصغيرة لوحدي بالطبع- وفق الفكرة الساذجة الراسخة بأن الأمنجية يصدقون أننا غرباء عن بعضنا- لانتقل إلى مكان آخر وأتوقف من جديد، ووقتها سارت أمامي على طول شارع المطار مجموعات ممن قرروا التفرق كي يتجمعوا من جديد، ثم أدرت المفتاح فتهاديت بالوديعة على الطريق، ونظري وقتها يجول بترقب لدراسة الخيارات المتاحة من أجل تكملة باقي اليوم.. سرت ببطء حتى وصلت المدخل الأول الفرعي لشارع المطار بالاتجاه المعاكس لوسط الخرطوم، وهو المدخل الذي تقع على جانب منه السفارة الإيطالية، وفور دخولي بالسيارة لهذا المدخل يميناً، مر بجانبي كالقذيفة أحد بكاسي الأمن وبه حوالي تسعة يزيدون أو ينقصون من الأمنجية الغلاظ الطبع والوجوه وهم يرتدون زياً مدنياً، وما هي إلا ثوان حتى احتجزت سيارتهم مجموعة من الشباب كانوا بمحاذاة بوابة السفارة الإيطالية من الجانب الآخر للطريق، وعلى خطوات منهم إلى الأمام كانت مجموعة من النساء قد تقدمن، أذكر منهن أمل هباني وهادية حسب الله وندى أحمد عبدالقادر وأخريات لا تسعفني الذاكرة لذكرهن. احتجزت السيارة مجموعة الشباب واشتبك معهم من بها في محاولة للزج بهم جميعاً في البوكس، فعادت مجموعة النساء من هناك وهن يهتفن" خلوهن.. كلاب.. أمنجية.. الخ.. وفي ذات الوقت تحرك جندي الشرطة الذي يجلس قبالة المعركة في حراسة بوابة السفارة، الذي بدا وكأنه يهم بمساعدة ما في اتجاه ما.. عندما وصلت لمكان المعركة توقفت بالسيارة وقادني تفكيري إلى فكرة بسيطة ولكنها كانت كل ما أستطيع فعله وقتها أو ذاك ما ساقني إليه ظني وحيلتي، وهي الوقوف بالسيارة في وسط الطريق، والنزول بوجه مستغرب ومندهش لما يحدث - كمواطن صالح عابر- مع فتح باب السائق على مصراعيه كي أغلق الطريق أمام السيارات ليشاهد الجميع هذا الاختطاف المعلن، فربما يحدث الفأل وتنقلب المعركة لمصلحتنا بزيادة عدد الجماهير.. على أن الأمنجية تداركوا أمرهم سريعاً واكتفوا بخطف أحد الشباب وترك الآخرين- كانوا بالإجمال حوالي أربعة – ثم خبطوا بانزعاج وازعاج على جسد السيارة للسائق كي يفر بسرعة قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه من تجمهر وربما تدور معركة أكبر منهم كثرة وشجاعة. بعد فرار البوكس في الشارع الترابي المقابل للسفارة، تجمعنا للاطمئنان على حال الشباب ولسؤالهم عن الشاب الذي تعرض للخطف واسمه وتفاصيل أكثر عنه، وما هي إلا دقائق حتى بدأنا في التفرق كي نذهب لما ينتظرنا في المجهول.
كل السرد أعلاه لا تكمن أهميته في حكاية أصبحت من التاريخ، ولكن الأهمية تكمن فيما كان يحدث على الطريق الذي أغلقته متعمداً بسيارتي.. ببساطة كان الطريق حين التفت عائداً خالياً إلا من سيارات نقل الركاب التي لم تستطع ومع الازدحام أن تأخذ الطريق الجانبي للعبور، وهذه أيضاً ليست المشكلة الوحيدة التي أدخلت فيّ إحباطاً، بل المشكلة أن كل من بداخل الحافلات بمن فيهم السائق والكمساري، ومن هو معلق على الباب الخارجي، جميعهم كان في حالة مشاهدة فضولية لما يحدث على الأرض مع تسمر كل منهم في موقعه، مع صمت مطبق إلا من أصوات منبهات السيارات وهي تتعالى طلباً لفتح الطريق.. لم يجرؤ أحد على مجرد النزول أو السؤال عما كان يحدث هنا قبل قليل، لم يحدث هذا لا من باب الإشفاق، ولا حتى من باب حب الاستطلاع.
تذكرت هذه القصة التي مرت عليها قرابة العشرة سنوات، حينما شاهدت على (فيس بوك)، فيديو قصير لثائرات وثوار يقومون بوضع المتاريس لإغلاق الشوارع، وهناك على طرف الطريق تسير سيارات جيئة وذهاباً تحاول تفادي الترس.. على أن العبرة هنا ليست في السيارات أو فيما يروم من هم بداخلها في هذا التوقيت من اليوم فحسب، فربما بعضهم ذاهب لمستشفى أو لغرض اجتماعي قاهر أو لجلب احتياجات منزلية لأطفال أو غير ذلك، وبعضهم قد يكون رافضاً لفكرة المتاريس ذاتها، ولاءاتها، ولكن العبرة، أن الشباب الثائر من الجنسين، لم يكترث لحركة السيارات هذه، فكأنها تسير ضمن مشهد لبرنامج تلفزيوني على شاشة ضخمة لكنه غير جدير بالمشاهدة. هذا وقد رصدت بعض الدروس التي تعلمتها من هذا المشهد المتشابه في ذاكرتي بين أمس يونيو/يوليو 2012 وحاضر نوفمبر 2021.
الدرس الأول: تفكير هؤلاء الشباب وإبداعهم وقدرتهم على التخليق وبعث الأفكار في ثوب جديد، غادر محطات عديدة في طريق الثورة السودانية مرة واحدة وإلى الأبد،
الدرس الثاني: هناك دائماً وأبداً من لا يكترثون حتى في أحلك الأوقات وأصعب الظروف، وهناك من يكترثون ولا يفعلون، وهناك من يكترثون قولاً وفعلاً دون اكتراث لمن لا يكترثون
الدرس الثالث: أن من انضم لركب المقاومة زاد بما لا يقاس عدداً وبسالة وإقداماً، وما استقر في الأرحام أكثر
الدرس الرابع: أن أبقى طوال حياتي مؤمناً أن قطار الثورة سيخلف ورائه وعلى الرصيف من لا يملكون ثمن التذكرة، أو من لا يرغبون في دفع التكلفة أو من تخلف عن عمد أو لكبر وعجرفة زائفة، وهؤلاء سيشاهدون على الدوام ما يحدث من على نوافذ الحافلات ذات المحطات سهلة الوصول، أو من خلف زجاج سيارات تتأفف عجلاتها وتنكمش على ذاتها من قسوة المتاريس ومن شدة الضغط و" تهديد السلامة".
الدرس الخامس: أن قطار الثورة لن ينتظر أحداً مهما خف أو ثقل وزنه وحجمه، وأن مقاعده ستظل تشغر وتمتلئ إلى أن يصل محطته الأخيرة، لكن من سيصل إلى هذه المحطة هو من لن يغادره القطار مطلقاً إلا للانطلاق من جديد نحو وجهة ومكان مختلف وفي زمن آخر.
الدرس الأخير: النساء هن الأشجع مهما أدّعى داعي غير ذلك، والشهامة ليست مرتبطة بالرجولة، ولا من الضروري أن يكون من خلف الترس رجال كي لا يُشال.
_____________________
* تقول العرب تَكَعْكَعَ أي هاب وتراجع بعد ما أَقدمَ، وهو وصف يناسب حالي وحال سيارتي وقتها
//////////////////////
قبل الموعد المحدد كان جمع من أسر المعتقلين وأصدقائهم وعدد من الثائرات والثائرين الذين يوفون بكل ميقات ومكيال ضد النظام، قد تجمعوا وقوفاً في انتظار إشارة معينة للهتاف والتحرك نحو بوابة جهاز الأمن.. وبسذاجة معلومة كنا نذهب بعيداً عن بعضنا البعض وكأن لا رابط بيننا أو سابق معرفة وخطة.
توقفت جانباً بسيارتي الصغيرة المكعكعة*، وبالصدفة اخترت مكاناً في الخلف قليلاً حيث كان يجلس على مقربة مني بائع " رصيد" بسيط المظهر.. وبسبب وقفتي تلك، استطعت بعد دقائق أن انتبه إلى أن هذا البائع لم يكن مجرد باحث عن الرزق في ذلك المكان الموحش في ذاك الزمان الأوحش، حيث كانت مكالماته المتكررة وبعض الكلمات التي تصل لأذني كلما حاول أن يقدم تقريره الاستخباري على سماعة هاتفه الصغير، كافية لكي أتثبت أنه مصدر لجهاز الأمن. تحركت من مكاني بعد دقائق ورحت أهمس في أذن من أعرف من النساء والشباب الذين كان بعضهم قد تنبه قبلي لنظرات الأمنجي الكسول بائع الرصيد الذي يجلس على مقعد مهترئ ويقف في صف المجرمين، وبدأوا أيضاً في الهمس لمن يعرفونهم لتفعيل (الخطة ب).
قررت الجموع التحرك قليلاً مبتعدة عن هذا المكان الذي بدأ يضج بحركة غير اعتيادية، ومع تحرك بعض البكاسي من على البُعد، تأكدنا أن الحصار آت، وأنه ليس أمامنا سوى لحظات قبل أن نلحق أخواتنا وإخواننا داخل الزنازين الباردة المتجمدة في عز الصيف، ولهذا يجب أن نغادر جميعاً والآن.
بهدوء مشوب بالحذر ذهبت كما آخرين مثلي، نحو سيارتي الصغيرة لوحدي بالطبع- وفق الفكرة الساذجة الراسخة بأن الأمنجية يصدقون أننا غرباء عن بعضنا- لانتقل إلى مكان آخر وأتوقف من جديد، ووقتها سارت أمامي على طول شارع المطار مجموعات ممن قرروا التفرق كي يتجمعوا من جديد، ثم أدرت المفتاح فتهاديت بالوديعة على الطريق، ونظري وقتها يجول بترقب لدراسة الخيارات المتاحة من أجل تكملة باقي اليوم.. سرت ببطء حتى وصلت المدخل الأول الفرعي لشارع المطار بالاتجاه المعاكس لوسط الخرطوم، وهو المدخل الذي تقع على جانب منه السفارة الإيطالية، وفور دخولي بالسيارة لهذا المدخل يميناً، مر بجانبي كالقذيفة أحد بكاسي الأمن وبه حوالي تسعة يزيدون أو ينقصون من الأمنجية الغلاظ الطبع والوجوه وهم يرتدون زياً مدنياً، وما هي إلا ثوان حتى احتجزت سيارتهم مجموعة من الشباب كانوا بمحاذاة بوابة السفارة الإيطالية من الجانب الآخر للطريق، وعلى خطوات منهم إلى الأمام كانت مجموعة من النساء قد تقدمن، أذكر منهن أمل هباني وهادية حسب الله وندى أحمد عبدالقادر وأخريات لا تسعفني الذاكرة لذكرهن. احتجزت السيارة مجموعة الشباب واشتبك معهم من بها في محاولة للزج بهم جميعاً في البوكس، فعادت مجموعة النساء من هناك وهن يهتفن" خلوهن.. كلاب.. أمنجية.. الخ.. وفي ذات الوقت تحرك جندي الشرطة الذي يجلس قبالة المعركة في حراسة بوابة السفارة، الذي بدا وكأنه يهم بمساعدة ما في اتجاه ما.. عندما وصلت لمكان المعركة توقفت بالسيارة وقادني تفكيري إلى فكرة بسيطة ولكنها كانت كل ما أستطيع فعله وقتها أو ذاك ما ساقني إليه ظني وحيلتي، وهي الوقوف بالسيارة في وسط الطريق، والنزول بوجه مستغرب ومندهش لما يحدث - كمواطن صالح عابر- مع فتح باب السائق على مصراعيه كي أغلق الطريق أمام السيارات ليشاهد الجميع هذا الاختطاف المعلن، فربما يحدث الفأل وتنقلب المعركة لمصلحتنا بزيادة عدد الجماهير.. على أن الأمنجية تداركوا أمرهم سريعاً واكتفوا بخطف أحد الشباب وترك الآخرين- كانوا بالإجمال حوالي أربعة – ثم خبطوا بانزعاج وازعاج على جسد السيارة للسائق كي يفر بسرعة قبل أن يحدث ما لا يحمد عقباه من تجمهر وربما تدور معركة أكبر منهم كثرة وشجاعة. بعد فرار البوكس في الشارع الترابي المقابل للسفارة، تجمعنا للاطمئنان على حال الشباب ولسؤالهم عن الشاب الذي تعرض للخطف واسمه وتفاصيل أكثر عنه، وما هي إلا دقائق حتى بدأنا في التفرق كي نذهب لما ينتظرنا في المجهول.
كل السرد أعلاه لا تكمن أهميته في حكاية أصبحت من التاريخ، ولكن الأهمية تكمن فيما كان يحدث على الطريق الذي أغلقته متعمداً بسيارتي.. ببساطة كان الطريق حين التفت عائداً خالياً إلا من سيارات نقل الركاب التي لم تستطع ومع الازدحام أن تأخذ الطريق الجانبي للعبور، وهذه أيضاً ليست المشكلة الوحيدة التي أدخلت فيّ إحباطاً، بل المشكلة أن كل من بداخل الحافلات بمن فيهم السائق والكمساري، ومن هو معلق على الباب الخارجي، جميعهم كان في حالة مشاهدة فضولية لما يحدث على الأرض مع تسمر كل منهم في موقعه، مع صمت مطبق إلا من أصوات منبهات السيارات وهي تتعالى طلباً لفتح الطريق.. لم يجرؤ أحد على مجرد النزول أو السؤال عما كان يحدث هنا قبل قليل، لم يحدث هذا لا من باب الإشفاق، ولا حتى من باب حب الاستطلاع.
تذكرت هذه القصة التي مرت عليها قرابة العشرة سنوات، حينما شاهدت على (فيس بوك)، فيديو قصير لثائرات وثوار يقومون بوضع المتاريس لإغلاق الشوارع، وهناك على طرف الطريق تسير سيارات جيئة وذهاباً تحاول تفادي الترس.. على أن العبرة هنا ليست في السيارات أو فيما يروم من هم بداخلها في هذا التوقيت من اليوم فحسب، فربما بعضهم ذاهب لمستشفى أو لغرض اجتماعي قاهر أو لجلب احتياجات منزلية لأطفال أو غير ذلك، وبعضهم قد يكون رافضاً لفكرة المتاريس ذاتها، ولاءاتها، ولكن العبرة، أن الشباب الثائر من الجنسين، لم يكترث لحركة السيارات هذه، فكأنها تسير ضمن مشهد لبرنامج تلفزيوني على شاشة ضخمة لكنه غير جدير بالمشاهدة. هذا وقد رصدت بعض الدروس التي تعلمتها من هذا المشهد المتشابه في ذاكرتي بين أمس يونيو/يوليو 2012 وحاضر نوفمبر 2021.
الدرس الأول: تفكير هؤلاء الشباب وإبداعهم وقدرتهم على التخليق وبعث الأفكار في ثوب جديد، غادر محطات عديدة في طريق الثورة السودانية مرة واحدة وإلى الأبد،
الدرس الثاني: هناك دائماً وأبداً من لا يكترثون حتى في أحلك الأوقات وأصعب الظروف، وهناك من يكترثون ولا يفعلون، وهناك من يكترثون قولاً وفعلاً دون اكتراث لمن لا يكترثون
الدرس الثالث: أن من انضم لركب المقاومة زاد بما لا يقاس عدداً وبسالة وإقداماً، وما استقر في الأرحام أكثر
الدرس الرابع: أن أبقى طوال حياتي مؤمناً أن قطار الثورة سيخلف ورائه وعلى الرصيف من لا يملكون ثمن التذكرة، أو من لا يرغبون في دفع التكلفة أو من تخلف عن عمد أو لكبر وعجرفة زائفة، وهؤلاء سيشاهدون على الدوام ما يحدث من على نوافذ الحافلات ذات المحطات سهلة الوصول، أو من خلف زجاج سيارات تتأفف عجلاتها وتنكمش على ذاتها من قسوة المتاريس ومن شدة الضغط و" تهديد السلامة".
الدرس الخامس: أن قطار الثورة لن ينتظر أحداً مهما خف أو ثقل وزنه وحجمه، وأن مقاعده ستظل تشغر وتمتلئ إلى أن يصل محطته الأخيرة، لكن من سيصل إلى هذه المحطة هو من لن يغادره القطار مطلقاً إلا للانطلاق من جديد نحو وجهة ومكان مختلف وفي زمن آخر.
الدرس الأخير: النساء هن الأشجع مهما أدّعى داعي غير ذلك، والشهامة ليست مرتبطة بالرجولة، ولا من الضروري أن يكون من خلف الترس رجال كي لا يُشال.
_____________________
* تقول العرب تَكَعْكَعَ أي هاب وتراجع بعد ما أَقدمَ، وهو وصف يناسب حالي وحال سيارتي وقتها
//////////////////////