البُرْهان اعْتقَلهم بالجُمْلة ويطْلِق سراحهم بالقطّاعي. لِماذا؟

 


 

 

ليس غريباً على البُرْهان أنْ يجدِّد في جرائمه النَتِنة في البشر بعد أنْ قتْل مَن قتَل في دارفور مُذ ارتدى كاكي الجيش ووضع على كل كتْفٍ نجمة مُلازِم، وإلى أنْ زيّن كل مِنْهُما بمقصٍ (سيفين متقاطعين) وصقر الجديان ونجمتين لرُتبةِ فريق أول في ظِلِّ حُكْمِ سفّاحِ العصْرِ المُشير عُمر البشير، فأبْعَد وليّ نعمته وخلفه لينافسه مع زملاء اللجنة الامنيّة لربيبهم البشير في القتلِ بدمٍ بارِدٍ بجريمة فضِّ اعتصام القيادة فجر يوم 3 يونيو 2019.
تارة يتلذّذ البُرْهان بقتْلِ وسجْن البشر بالجُمْلةِ، ومرّات (يقَزْقِز) بِهم بالقطّاعي عِندما يطْلِق سراحهم، وتلك خيارات إنسان غير سوي.
المُثير في الأمْر ِليس ما قام به البُرْهان وإنّما حمدوك، وبالأخصِّ ما يقوم به مُنْذ توقيعه اتِّفاقاً مع البُرْهان مساء يوم 21 نوفمبر 2021!
لِماذا لمْ يطلُب حمدوك زيارة المُعْتقلين، وبالأخصِّ الذين يُقال عنهم أنّهم جرى تعذيبهم وضربهم لحظة اعْتِقالهم فجر يوم 25 اكتوبر الماضي؟ عفواً، كلمة "يطْلُب" ليست في محلّها الصحيح ولا استعملها إلّا لتأكيد ضُعف واهْتِزاز حمدوك، والمُفْترض أنْ أستعمل عِبارة "لِماذا لمْ يذهب حمدوك لزيارة المُعْتقلين؟".
ما يغيظني حَقّاً، لِماذا لمْ يسأله أيّ صُحفي من الذين حاوروه هذا السؤال؟ حتْماً كان حمدوك سيتّجه لاسْتِدْرارِ العطْفِ بتلك الحركة التي اصبحت تميِّزه، وبخفْضِ صوته لدرجةِ الحشْرجةِ، وكان سيقول.... أيّ كلام. أيكون ذلك سبب عدم سؤاله؟
لا ريب أنّه بعد تعيين البُرْهان للقاضي عبد العزيز فتح الرحمن رئيساً للقضاء، أي بترقية مَن أدّى القَسم امام البشير نائباً لرئيس القضاء، وبالطبعِ في الطريق تعيين مُماثِل في منْصبِ النائبِ العامِ، وقبول حمدوك كل ذلك على جرعات، ربّما يتِم في حِزمة واحدة إطْلاق سراح المُعْتقلين بمَن فيهم قيادة الكيزان. أي نعم، الذين قبضت عليهم الثورة في جرائم مُحرّزة زماناً ومكاناً وأدوات جريمة، والشُرفاء الذين اعتقلهم البُرْهان بانقلابه في 25 اكتوبر 2021.
يبدو أنّ خالد سلك ومحمد سليمان الفكي ووجدي صالح وإبراهيم الشيخ وجعفر حسن ومَن معهم، انتقلوا من خانةِ مُعْتقلين إلى رهائن، ولن يُطْلق سراحهم إلّا في دُفْعةٍ واحدةٍ مع قادة النظام البائد الذين لمْ تصْدُر في حقهم احْكام قضائيّة نهائيّة. وحتّى إنْ أطْلِق سراح الابطال المُعْتقلين سياسيّاً من قادة الثورة، فسيعقب ذلك خروج قادة الكيزان ونظام الانقاذ من الحَبْسِ، ضِمْنِ ذات التسوية التي أسّس لها حمدوك مع البُرْهان.
حمدوك والبُرْهان ومَن معهما مِن حركات وأحزاب وشخصيّات سياسيّة انقلابيّة، يشكِّلون فريق عَدْو مُشْترك في سِباقِ تبادل راية التسوية وصولاً لميسِ الهِبوطِ الناعِمِ. وفي المِضْمار المُقابل، تجري المواكب المتواصِلة المُتَّصِلة لشباب الثورة فتسْتلِم وتسلِّم الراية من 30 أكتوبر و13 ثم 17 و25 نوفمبر، والمواكب لا زالت صبيّة في عزِّ شبابها ومن المؤكّد ستصل ميس انتصارها وتتوشّح دِرْع الثورة العظيمة، وعندها لا أدرى عن أي ثورة سيتحدّث حمدوك!؟
حمدوك مهّدَ الطريق ليتساوى قادة وفلول النظام السابق مع قادة الثورة أمام عدالة ذات النظام السابق الساقِطة. تبدَّد شعار الثورة الثلاثي حُريّة سلام وعدالة، الذي طالما تغنّى به حمدوك مُتحدِّثاً عن الثورةِ العظيمةِ.
باعتِقالِ قادة الثورة، فقدوا حريّاتهم كما كانوا يفقِدونها في ظل النظام البائد. والحركات التي وقَّعت معها حكومة الثورة سلام جوبا، طعنت الثورة في ظهرها ووضعت يدها مع قتلة أهل دارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة، وضحايا كل جرائم الإنقاذ في كل السودان لثلاثةِ عقودٍ من الزمانِ. فأي سلام تحقق والقتل مُسْتَمِرّ في دارفور بجبل مون، وخيانة دم الضحايا أصبح عنوناً لقادة حركات المصْلحة المُسلَّحة؟ وعن العدالة حدِّث فلا حرج والبُرْهان يضع على رأس أجْهِزتها نفس قيادتها التي عيّنها البشير، وعوضاً عن مُحاكمةِ المخلوع ومَن معه، ستحاكِم عدالة البُرْهان – حمدوك، قادة الثورة الذين تحمّلوا المسؤوليّة الجسيمة لتفكيك تمكين النظام السابق أو تطلِق سراح البشير وزُمْرته مع شرفاء الثورة الرهائن. فماذا تبقّى من تلك التعويذةِ الثُلاثيّةِ؟ وهل يعي حمدوك هذا الأمْر.. وهل يستوعب الوضع الذي أدْخل فيه الثورة؟
حمدوك، للأسفِ، في طريقهِ ليخْرُج من الأنْفُسِ، بَلْ لِتَعافَه النِفُوسِ!

عصام محجوب
بوخارست – رومانيا
26 نوفمبر 2021

isammahgoub@gmail.com

 

آراء