المجد للشعب، سيبقي .. والترس، صاحي .. والثورة مستمرّة .. والنصر أكيد!

 


 

فيصل الباقر
4 December, 2021

 

جرس أوّل وأخير :
"A luta continua, vitória é certa"
"الثورة مستمرّة، والنصر أكيد"
جرس ثاني :
وطنٌ سعيد .. والشعب حُر.. وطن التعدُّد والتنوُّع .. والتقدُّم والسلام .. حرية التعبيرعبير .. تفتح شهيتّك للكلام .. النهر، ما بستأذن الصخرة المرور .. جهراً يمُر نحو المصب .. أمواجو تلهث من بعيد ..أكتب نشيد "راسخ" جديد .. الشمس تشهد .. وبرضو أستار الظلام ((محجوب شريف))

-1-
- حيّةً ("A luta continua, vitória é certa") ظلّت العبارة الثورية، والمُلهِمة - وراسخة في أصلها - الثابت الجذور- في اللغة البرتغالية، بمثلما بقيت، مُتّقدة وموحية، في فروعها - الممتدّة والمتوزّعة - في كل القارّات، وبكل اللغات، وفي أفئدة الملاييين من الثائرات والثوار في العالم الرحيب، من الناطقين والناطقات بلغة الثورة، وتُقابلها في اللغة العربية عبارة ((الثورة مستمرة، والنصرأكيد))!.

-2-
هي ذاتها، العبارة المفتاحية والرئيسة، في شعارات الثورة العالمية الحديثة، وقد جسّدتها نضالات الشعوب الأفريقية، في منطقة (أفريقيا الجنوبية)، وتحديداً في موزمبيق، ثُمّ أنغولا، فيما يُعرف بـ(حروب الاستقلال) من الاستعمار البرتغالي البغيض، في ستّينات، وسبعينات القرن المنصرم. وفي حين أنّ الثورة في موزمبيق وأنغولا، اتّخذت طريق (الكفاح المسلّح)، أُسلوباً نافذاً وأداة رافعة، لتحقيق الهدف، اعتمدت الثورة السودانية - في نسختها الديسمبرية – كما في نسختي أكتوبر 1994، وأبريل 1985، (النضال السلمي) وسيلة مجرّبة سودانياً، فيما بقيت الشعارات المحفّزة لمواصلة مشوار التغييروالتثويرساطعة، مع الاحتفاظ لكل تجربة ببصمتها وخصوصيتها التاريخية وأمزجتها النضالية.

-3-
بلا أدني شك، ستبقي هذه العبارة الموحية، والخلّاقة، والمحفّزة، هي الشعار الأُممي الذي يعتدُّ به، ويسيرعلي هديه ثُوّار ديسمبر 2018 المجيدة، ليستكملوا به طريقهم الطويل - وغير المفروش بالورود والرياحين- نحو الهدف الأسمي، بتحقيق النصر المؤزّر، و"الأكيد"، واستكمال مهام الثورة الديسمبرية الظافرة، والوصول بها لنهاياتها السعيدة، المرجوّة، والمُنتظرة.

-4-
كيف لا، وقد جسّدت الجماهير الشعبية السودانية، في الشارع العريض - أكثر من مرّة - ثقتها في قدراتها، وإمكانياتها، وطاقاتها الثورية المتجددة، وفي إيمانها بسلاحها المجرّب (السلمية) - "سلميّة ...سلميّة... ضد الحرامية" - معلنة علي رؤوس الاشهاد، أنّها ماضية في طريق المقاومة السلمية لإنقلاب 25 أكتوبر 2021، وتابعه "اتفاق" 21 نوفمبر 2021، الذي كرّس – وبلا مواربة – للإنقلاب العسكري المفضوح، والذي تمّ تصميمه، وجاء تنفيذه، في هذه اللحظة التاريخيّة الحرجة، ليقطع الطريق المؤدّي لاستكمال الثورة، ويفتح باباً - ولو ضيّقاً - للردّة، التي أكّدت الجماهير الشعبية في مواكبها ومظاهراتها المستمرّة، والمتصاعدة منذ اليوم الأوّل للإنقلاب، علي أنّها مستحيلة !.

-5-
النظرة الموضوعية، والفاحصة للـ(ماجري) في دهاليز وغُرف السلطة الإنقلابية المغلقة، وما يجري في "الشوارع التي لا تخون"، تؤكّد إصرار الشارع السوداني العريض، في العاصمة والاقاليم، علي مواصلة النضال واستدامته - عبر (التنظيم) الذي هو (أرقي أشكال الوعي) – والعمل، والحرص علي استمراريته، نحو استكمال الثورة، بشعاراتها المعروفة ((حرية ...سلام ...وعدالة))، وليس بمجرّد الإكتفاء، بإعادة الوضع لتحالفات ما قبل انقلاب (البرهان)، أو بجر الزمن لساعات قلائل للوراء، لما قبل مُنتصف ليلة يوم 25 أكتوبر 2021، والتي سمّتها الجماهير في هتافاتها "شراكة الدم"، ونادت بسقوطها !.

-6-
هذا، يعني، أنّ فرزاً مجتمعيّاً، وطبقيّاً، وبرنامجيّاً وسياسيّاً قد حدث - و للمزيد من الدقّة - دعونا نقول : بدأ يتشكّل، بصورة أكثر جذريّة، بين كتلتين، تاريخيّتين، معروفتين، في السودان الحديث، أو لنقل، بين من ينشدون ويتطلّعون لانجاز التغيير الثوري الشامل، ومن يريدون الابقاء علي "الوضع الراهن"، أو يعملون ويسعون للإكتفاء بمُجرّد "اصلاحات" و"مُعالجات" فوقية - هي بلا شك - ليست جوهرية، في طبيعة الحُكم، بهدف الاحتفاظ بهيمنة ومكتسبات القوي الطبقية التي تُسيطر علي مفاصل دولة الانقلاب، من عسكريين - "جنرالات" - يمثلون مصالح القيادات والرتب العليا في الجيش، ومعهم، في تحالفٍ مكشوف - نُظرائهم في قيادة الحركات المسلّحة "الشركاء"، المتحالفين معهم، من الذين ليست لديهم نظرية ثورية للتغيير، أو – رُبّما - كفروا بها، بعد احباطات كثيرة، رغم ترديدهم - وبكثرة – بين الفينة والأُخري، لعبارة (الكفاح المسلّح) !.

-7-
لقد ثبت - بما لا يترك مجالاً للشك - أنّ الكثيرين / من الانقلابيين القُدامي والجُدد منهم، أصبح همّهم – الوحيد – هو البقاء في السلطة، و"الاستوزار"، مُتنكّرين - للأسف - لتضحيات الجماهير الشعبية، في مناطقهم، ثُمّ، أصبحوا ضاربين بعرض الحائط، بصور ورفاة وجماجم وآلام وآمال مئات الآلاف - علي أقل تقدير- من مواطنيهم الصابرين والصامدين في معسكرات النزوح داخل الوطن، ومعسكرات اللجوء، في دول الجوار، ومناطق الشتات، والآلاف من الذين حصدت أرواحهم، الحروب، وعذّبتهم انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان، مُضافاً إلي هاتين المجموعتين،هناك، جماعة ثالثة، يُمثّلها أؤلئك المثقّفين - و"المُطبّلين" - الذين يروّجون في كتاباتهم وأحاديثهم المكرورة، لفكرة انتهاء عصر وأزمنة الثلاثي الخطير (الأيديولوجيات، والصراع الطبقي، والثورات)!.

-8-
مازال صُنّاع "اتفاق" عصر يوم الأحد 21 نوفمبر 2021، وحلفائهم، يروّجون لإتّفاق تكريس وشرعنة انقلاب 25 أكتوبر، ويمارسون لعبة التخفّي خلف الجُمل الفضفاضة، والعبارات المضللة، والأحاديث الرنّانة، والكلمات المفخّخة، فنجدهم مختلفين فيما بينهم في تسمية "الانقلاب" بين "تصحيح المسار" الانتقالي، علي حد قول وتعبير قائد الانقلاب البرهان، ومن أسموه "الخطوات الضرورية" التي فرضها (الوضع الراهن)، في تعبير جبريل إبراهيم، ومن آثروا (السلامة) بالوقوف في المنطقة الرمادية، مع التاييد التام للإنقلاب، كما اختلفوا في توصيف اتفاق 21 نوفمبر، بدءاً من العنوان الرئيس، فالعسكر يسمونه بحزمٍ تام (اتفاق سياسي) وآخرون من قادة الحركات المسلّحة المتماهين معهم، يُطلقون عليه - بصوتٍ مُنخفض وخجول - (اعلان سياسي)، أمّا الطرف الثاني في الاتفاق، وهو السيد حمدوك، فقد آثر أن يُضيف له كلمة (إطاري) - بينما تتكشّف كل يوم طبيعة الانقلاب، وأهداف الاتفاق ومقاصده، التي تعمل – ليل، نهار -علي تجميد اللحظة التاريخية الثورية، في محطّة "قف" بالعودة لوضع سلطة 24 أكتوبر 2021- وها قد تمخّض جبل (الانقلاب)، ليلد فأر (الاتفاق) المزموم، الذي مازال منقوصاً، ومتخفّياً، بل، وغامضاً، رغم ظهور علامات و(نبوءات) وجهته المعروفة للجميع !.

-9-
الحديث عن المصطلح السياسي (إطاري)، وما أدراكما إطاري، يقودنا للقول: من المعلوم أنّ عبارة (إطاري)، تُفهم في فقه السياسة، وعلومها الحديثة، وفي "إطار" وسياق علوم وفنون (المفاوضات) بأنّها تعبيرعن "اتفاق بين طرفين، يعترف ويُفيد، بأنّ الطرفين لم يتوصّلا إلي اتفاق نهائي، بشأن جميع المسائل ذات الصلة، بالعلاقة بينهما، ولكنّهما، توصّلا لـ(توافق)، بشأن مسائل كافية للمضي قدماً في العلاقة، مع مزيد من التفاصيل التي سيتم الاتفاق عليها في المستقبل" !.

-10-
هذا الكلام، المبني علي المجهول، إذا حاولنا تنزيله علي اتفاق ( 21 نوفمبر)، أو لنقل (اتفاق البرهان – حمدوك) يصبح في تقدير شباب وشابّات الثورة، ولجان المقاومة، وعدد من القوي الحيّة في المجتمع - وفي تقديري - من عينة الكلام "المغتغت" و"فاضي" و"خمج"، الذي رفضه الشاعر الراحل المقيم محمّد طه القدّال، في واحدةٍ من أروع قصائده التي يحفظها عن ظهر قلب الجيل "الراكب رأس"، وهو - بلا شك - من فصيلة "الكلام الني"، الذي حذّرمنه الشاعر الثائر محمد الحسن سالم (حمّيد)، قدّس الله سرّه، "سُكاتي، ولا الكلام الني" أو ما يسميه الكثيرون، في الشارع العريض، الكلام "الخارم، بارم"، وتعريفه في الفصحي الكلام "غير المفيد"، وبإختصار "الكلام الساكت" الذي "لا بيودّي ... ولا بجيب "، كما يقول أهلنا في السودان، في دارجيتهم البليغة، وقد تجاوز جيل الثورة الديسمبرية، مثل هذه "الكلامات"، وغادر محطة الانتظار، نحو تجسير الطريق الصحيح، نحوتحقيق الانتصار الأكيد.

-11-
يقول السيد رئيس الوزراء، في واحدةٍ من تصريحاته الصحفية النادرة، "أنّ هذا الاتفاق السياسي، قادر علي فتح طريق الانتقال الديمقراطي في السودان"، وقالها بالحرف، وبعاميّةٍ سودانيّةٍ محضة، لا يشوبها غموض، كما يلي : "هذا الإعلان ("لو") مشينا فيهو بجديّة وصرامة، له القدرة علي فتح الطريق للتحوُّل الديمقراطي"!. ولا أدري عن أيّ تحوّلٍ ديمقراطي، يتحدّث السيد حمدوك!. وليسمح لي – رئيس الوزراء - أن أُحاججه باللغة العربية، التي يجيدها، ويفهم معانيها، لأعيده لاستخدامه حرف "لو" وهو كما يقول النُحاة، "حرف امتناع، لامتناع" ((أي امتناع الجواب، لامتناع الشرط)) كأن يقول أحدهم لصاحبه - ممازحاً - لإن حضرت، لاكلت "المحمّر والمقمّر"، بمعني أنّك لم تأكلهما، لأنّك لم تحضر!.

-12-
هذا الحرف - بالذات - يقول عنه أهل النحو والصرف هو "حرف، لا عمل له"، أي أنّه "شرط غير جازم"، وأترك للنحويين من "الخبراء الاستراتيجيين" الذين ظهروا فجأة، في شاشات تلفزيون السودان، وغالبية القنوات العربية، مواصلة البحث الاستراتيجي عن فؤائد ومضار الاستدلال بحرف "لو" !. ويبقي السؤال الموضوعي الذي يجب أن نوجّهه للسيّد رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك، هو كيف يضمن "الجدية" و"الصرامة"، وكيف "سيقيسها" مع العسكريين وحُلفائهم، الذين جرّبهم مرّات ومرّات، ولُدغ من جحرهم أكثر من مرّة؟!.

-13-
كل ما نخشاه، أن يُجبر السيّد حمدوك، علي "أكل الميّتة"، بدلاً عن "المحمّر والمقمّر"، إن أصرّ علي البقاء في "مُعتقل" الانقلابيين، وفي البال أنّ الكثيرين من الحادبين والحادبات علي بقاء الدكتور عبد الله حمدوك، في معسكر الثورة، باتوا يخشون عليه من "مُبارات الجداد " الإنقلابي، ولا داعي لتكملة باقي الجُملة، لانّها معروفة للجميع !.

-14-
لاحقاً، نسبت وكالة رويترز لـ(مصدر سوداني) قول حمدوك "إنّه رهن استمراره في منصبه، بتنفيذ الاتفاق السياسي مع الجيش، وبالتوافق بين القوي السياسية"!. ((المصدر - رويترز 1 ديسمبر 2021)) .. وما نعرفه عن (رويترز) أنّها مؤسسة صحفية مهنية ومحترفة ومُحترمة، ولا يُمكن أن تُغامر بمصداقيتها، بنقل أخبار ليست متأكّدة من صحّتها.. وعموماً، نترك - هذا الكلام - للايّام المقبلة، فهي كفيلة، بكشف ما يدور في الأضابير.. و"يا خبر الليلة، بفلوس، بكرة مجّان" !. ولن نتعجّل بالقول، أنّ هذا التصريح، فيه تلميح أو تلويح باللجوء لخيار اعلان الاستقالة، رُبّما، للقفزمن السفينة الغارقة.. ونختم بالقول، مهما حدث، وما سيحدث من سيناريوهات صناعة وترحيل الأزمات، لتكريس الواقع المرير: سيبقي المجد للشعب، الترِس صاحي ، والنصر أكيد!.

جرس قبل الأخير :
"ألقي الصحيفة كي يُخفّف رحله .. والزاد .. حتّي نعله ألقاها" /// "ولست بنحويّ يلوك لسانه.. ولكنّي سليقيٌّ، أقول فأُعرب" ((أبومروان النحوي عبد الملك بن طريف الأندلسي))

فيصل الباقر
faisal.elbagir@gmail.com

///////////////////////

 

آراء