تَسْقُط بَسْ !!
عز الدين صغيرون
12 January, 2022
12 January, 2022
هذه المبادرات، الأممي منها والإقليمي والمحلي لن تقود إلى أي مكان، وستظل إلى ما يشاء الله حبراً على الأورق وأصوات تطاير كلماتها هواءً في أثير القنوات ومنصات التواصل ، لسبب بديهي وبسيط ظلت تتعاماه أعين المبادرين دائماً. وهو، أن المنصات التي تنطلق منها هذه المبادرات لمعالجة الأزمة، إما هي من أسباب وعوامل الأزمة، وبالتالي لا يمكنك أن تتوقع منها مبادرة تعالج الأزمة خارج إطار رؤيتها الأحادية، لتصب مخرجاتها النهائية لصالح تحقيق أهدافها. وإما هي منصات تنطلق منها المبادرات لتتوجه رسائلها إلى العناوين الخطأ.
ولكنها جميعاً لا تعالج جذور الأزمة، بل تتحاشى متعمدة مقاربتها لـ"ترقص خارج الحلبة".
وإذا كان الواحد منا يستطيع أن يتفهم دوافع بعض الأطراف الإقليمية لإضعاف الدولة السودانية، بما يحقق مصالحهم بضعفها وتفككها وتهلهل نسيجها السياسي والاجتماعي. أو يتفهم أطماع وأهداف الدول الكبرى المتحكمة في القرار الأممي، فإن ما يستعصي على الفهم بالفعل هو موقف الأطراف الداخلية، الذي يعتبر في منتهى عدم المسؤولية والأخلاق.
فكل المبادرات التي تطاير يميناً سواء من حزب الأمة، أو حتى – للسخرية – من المؤتمر الوطني، الذي أعلن رفضه لمبادرة الأمم المتحدة "غير المتوازنة" كما وصفها لأنها تقصيه من ترتيبات إنهاء المرحلة الانتقالية !!. أو تلك التي تأتي من اليسار. أو، حتى التي جاءت من الرباعية الدولية (الولايات المتحدة بريطانيا السعودية الإمارات). أو المبادرة التي جاءت من الأمم المتحدة، كلها لم تقارب أي منها، من قريب أو بعيد، السؤال: ما الذي يريده الثوار ؟.
(2)
ما الذي يريده من أسقطوا النظام الإسلاموي الفاشي ودفعوا في سبيل تحررهم من قبضته مئات القتلى والمختطفين والمغتصبون والجرحى؟.
ما يكشف عن صفاقة وعنجهية و"قوة عين" هذه المبادرات والمبادرين تجاوزها الإجابة على هذا السؤال، الذي يعتبر هو المفتاح الوحيد لحل الأزمة، وطرحهم بدلاً منه السؤال الذي "يفقع المرارة": ما الذي تريده القوى السياسية التي صنعت الأزمة؟!.
حسناً.
ما الذي يريده هؤلاء الشباب، وهم طليعة قوى الثورة الحية ؟.
- سؤال مثل هذا لا يمكن أن يخطر ببال أحد في تلك الكيانات الحزبية والطائفية، ففي ذاكرتهم الأبوية وبحكم الممارسة التاريخية الإجابة هي: أنهم أهل الشأن !.
- وكما لا يمكن أن يخطر بذهن أحد من قادة الجيش الذي ظل يمارس السياسة والحكم أكثر من نصف قرن من استقلال السودان !.
- وبديهي أن لا يتبادر إلى ذهن أحد، مجرد التفكير في الإجابة على هذا السؤال من حملة السلاح شبه الرسمي (الجنجويد) ، وغير الرسمي (الحركات المسلحة) ففوهة البندقية تنطق بالحق في الإجابة عنهم !.
يظنون هذا، ويتناسون بأنهم هم لا غيرهم سبب كل "البلاوي" التي ظلت تنهش منذ الاستقلال جسد الوطن. دون أن يدعوهم ذلك للتوقف في محطات الثورات والانتفاضات الشعبية لحظة، ليطرحوا على أنفسهم هذا السؤال، أو يمارسوا نقداً ذاتياً، أو لمراجعة أفكارهم ورؤاهم وأدائهم.
ولو أنهم حاولوا في أي مفصل تاريخي، أو أي مفترق طرق فتحته هذه الثورات والهبات، لأدركوا بأنهم مغتربون عن نبض أحلام شعوبهم وطموحات وأهداف ثوراتهم.
ولتيقنوا بأن "الوطن الجديد" هو سقف طموحات هؤلاء بعد أن كفروا بهذا الوطن المفروض عليهم كـ"أمر واقع".
تُرى هل يجرؤون على المغامرة بمشاركة شعوبهم حلم مثل هذا ؟.
(3)
لا أعلم.
ولكن لو أن الآباء في هذه المؤسسات سمحوا بضخ دماء الشباب الطازجة الفتية في شرايين هذه المؤسسات العجفاء لسرى حلم "الممكن" في مفاصلها.
تُرى هل يتذكرون وهم يطرحون المبادرة تلو المبادرة الشعار الأول: "تسقط بس" ؟.
هل قرأوا الجزم القاطع وصارم في "بس" هذه ؟.
هل استشعروا هدير الطوفان القادم فيها ؟.
لم يكن البشير ونظامه الإسلاموي الفاشي .. كانت الدولة هي المُنذرة بالسقوط !.
الدولة المتوارثة منذ ما قبل الاستقلال ...
الدولة التي سرقت أحلامهم.
اعلنوا كفرهم بها، وكانوا على استعداد ليقدموا أرواحهم قرباناً على مذبح الدولة التي يحلمون بها. وقد بروا بما عاهدوا أنفسهم عليه بنبل، ونكران ذات، وشجاعة أسطورية شهد لها العالم.
هذا ما يريده الشباب ويحلمون به وما يعملون من أجل تحقيقه بعناد وقوة راس. فماذا أنتم فاعلون يا من تمسكون بأطراف خيوط السلطة ؟.
أنصت إلى ما أسمع وأقرأ ما يُكتب فلا أرى سوى أنكم تعرضون عليهم مبادرات بضاعتكم البخسة بإعادة تدوير الواقع، وإعادة إنتاج ذات الدولة بكل تشوهاتها البنيوية وأمراضها.
تستبدلون شخصاً بشخص ووجهاً بوجه وتحسبون أن تحسنون صنعاً. ولستم وحدكم في هذا الضلال والعماء، بل وتمشي معكم المنظمة الدولية (ما الذي يعرفه أمينها العام عنا؟!) يدا بيد، ولذا تشابهت مبادرتكم:
" مجلس رئاسي وإعادة حمدوك"
هذه أبرز عناصر المبادرة الأممية. والأمين العام يدعو لاستقرار الأوضاع دون أن يحدد على أي وضع ينبغي أن تستقر الأوضاع ويهدأ الحراك !!.
izzeddin9@gmail.com