السودان القديم إلى مثواه الأخير !.وبترس الشمالية يكتمل قمر الثورة بدرا
عز الدين صغيرون
30 January, 2022
30 January, 2022
استمعت إلى أحد أئمة المساجد ممن ينتمون إلى ما يسمى برجال الدين أو الدعاة أو شيء من هذا القبيل وهو يتحدث عن الضائقة المعيشية وغلاء الأسعار وندرة السلع، وبصوت يتهدج بما يقارب البكاء قال لمستمعيه أنه يوصي الحاكم بتقوى الله وأن يستعيد في حكمه النهج النبوي، وبالعودة للإسلام. مؤكداً له بأن ليس لهذه الضائقة والمعاناة والتشاكس والخلافات من حلٍّ سوى بالعودة إلى الإسلام ونهجه النبوي.
يقول هذا في الوقت الذي قام ترس لجان مقاومة الشمالية بضبط الآف الرؤوس من المواشي (جمال وأبقار وخراف) المهربة بعلم الحكومة إلى مصر وآلاف بما يقارب ملايين الأطنان من السلع الاستهلاكية والنقدية من سمسم وفول وطحنية ودكوة، وسكر قنقوليز وكركدي، وتقوم مصر فقط بتعبئة هذه السلع وإعادة تصديرها للخارج بماركة إنتاج مصرية والقطن، علما بأن القطن الذي يتم تهريبه بعد شراءه بالجنيهات السودانية المزورة، ويتم كبسه في مصر ثم يعاد تصديره إلى السعودية لتباع البالة فيها بـ(450 ريالاً). كما ضبطوا أكثر من شاحنتين قادمة من مصر محملة بمليارات الجنيهات السودانية المزورة مهربة للداخل، وبالطبع ليتم شراء الموارد السودانية بها وتهريبها إلى مصر. وليس ذلك بعلم الحكومة فقط بل وبالإشراف على هذه العمليات الإجرامية التي تقود مرتكبها إلى حبل المشنقة بتهم الخيانة العظمى، والتخابر والتنسيق مع العدو لمحاربة الدولة ونهب مواردها والإضرار بمصالح شعبها وتقويض الاقتصاد والتهريب.
والشاهد على مشاركة السلطة الحاكمة ليس أنها متهمة بالتقصير في مهامها فقط، بل وبالمشاركة في تلك العمليات التخريبية، أن ترس لجان الجابرية أوقف شاحنة مصرية في طريقها للسودان تصحبها سيارة قوة من الدعم السريع بقيادة ضابط، حاول تمريرها بدون تفتيش، زاعماً بأنها تحمل عتاداً عسكرياً ولما رفض فرسان الترس مرورها دون تفتيش هدد بأنه سيأتي بقوة، فردوا عليه أن يأتي بما يشاء من قوة.
ومن الشواهد أن صاحب كافتيريا اكتشف أن أحد السائقين المصريين يحمل كمية من النقود السودانية المزورة فأبلغ أفراد ترس المقاومة الذي اكتشفوا أنه يحمل الملايين منها، فطلب من الترس أن يخلوا سبيله ليعود إلى مصر. وفي واقعة أخرى، لا تقل غرابة اكتشف بنك الخرطوم بولاية دارفور في مدينة نيالا ملايين الجنيهات المزورة التي تمت بها عمليات شراء الماشية من دارفور وكردفان دون أن يثير ذلك أي ضجة في الأوساط الرسمية !!.
وعودة إلى الدجال المرتزق الديني باسم الإسلام، ثمة سؤال يأخذ بخناقه:
- إزاء هذه الوقائع – وهي متداولة ومشاهدة صوت وصورة – التي تكشف لكل من له مثقال عقل وذرة من ضمير، سبب هذا الضيق في رزق عباد الله من أمة السودانيين، ألم تكشف له وهو الذي يبشر الناس بأن ضيق المعيشة وحل الخلاف بين الحكومة الانقلابية وبين الشعب ستتم بتطبيق شرع الله.
إزاء هذه الوقائع ، ألم يعنِ له ذلك أي شيء ؟. ألم يجد في الدين الإسلامي الذي نصب نفسه متحدثاً باسمه، ما يمكن أن يصف به هذه الأعمال؟. ألم يجد في سيرة رسولنا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، ما يمكن أن يقتدي به حكامنا الانقلابيين من قوله الشريف "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته؟".
وأخيراً ما علاقة النهج النبوي الشريف بهذا القتل والتعذيب والإذلال وهذا التآمر والتخريب المتعمد لاقتصاد السودان وتجويع الشعب؟.
لأكثر من (30) عاماً درجنا على سماع مثل هذا الكلام الفارغ من أي معنى من اللصوص والقتلة، وادعاءهم بأن ما يفعلونه هو حكم الإسلام وتطبيق شريعته، ومع كل هتاف من هذه الهتافات الكاذبة يزداد نهب موارد البلاد، ويزداد الناس فقراً وتجويعاً وبؤساً.
ألم يعلم بعد بأن هذه الشعارات المتهافتة والخطب الجوفاء لم تعد عملة معتمدة في الشارع بعد أن تم كشف زيفها وتزويرها ليأتي بعد ثورة اقتلعت الحاكم الذي كان يقود طابور الدجل الفاشل والتزييف والكذب والفساد والعهر الأخلاقي والسياسي المشؤوم، ليسعى وراء طرحها في السوق للتداول مرة أخرى، وبنفس الخطاب واللغة والمفردات ؟!!. ألهذه الدرجة أفلس خطاب الدجل، وإلى هذا المستوى بلغ افتقاره للخيال ليكذب، ويطلق كذبة "مبلوعة" على الأقل ؟!.
لقد كشف ترس مقاومة الشمالية عري شعارات الإسلامويين، ومن تبعهم يحاول استئناف مسيرتهم الخاسئة (الخايسة) من عسكرهم والمرتزقة المسلحين وغير المسلحين، وكشف كيف أن البلد مفتوحة على مصراعيها لكل لص ومجرم يفعل فيها، وبها، ما يشاء بالتواطؤ مع من يحكمونها بلا شرعية غير السلاح الذي يدفع ثمنه الشعب ذات الذي يُقتل به.
لم يمض على إغلاق ترس الشمالية سوى أسابيع لم تكمل الشهر فإذا بالرخاء يعم وتنفرج أزمات معايش الناس، ورأى الناس بأعينهم كيف انخفضت أسعار السلع التي لامست سماء الاستحالة من اللحمة والسكر والزيوت والخضروات بأنواعها. لنجد أنفسنا أمام حالة شاذة واستثنائية بين الدول:
- مزارعون، بدل أن يتفرغوا للانتاج يقومون بحماية الأمن الاقتصادي ومكافحة تهريب موارد الدولة للخارج، ويضبطون أوراق النقد الوطنية المزورة الداخلة للسوق المحلية !.
- وقوات أمن وجيش ودعم سريع وشرطة، يقومون بحراسة عصابات التهريب يسهلون لها الدخول والخروج !!.
- سلطة حاكمة توعز للصوص أو مشتبه بهم في سرقة أموال تنمية الشرق (متى يُفتح هذا الملف بالمناسبة؟) بإغلاق الميناء الوحيد بالبلاد، فتضيق معايش الناس. ومزارعون يغلقون طريق التهريب للخارج فتنفرج أزمة معايش الناس !!!.
ما حاجتنا بالحكومة إذن، وفيم نحتاجها ؟؟!.
إذا كانت الحكومة تكتفي بتوجيه سلاح الدولة لقتل المتظاهرين السلميين في المدن بينما تقوم لجان المقاومة بحراسة الحدود ومكافحة تهريب موارد البلد، وتتسبب في فك ضائقة معاش الشعب ورخاءهم، فمن منهما أولى بحكم هذا البلد ؟.
من يقتلون شعبها ليحكموا عنوة، أم من يسعون لحماية مواردها ورخاء معيشة أهلها؟.
هل يذكر الناس كيف أدار الشباب "جمهورية الاعتصام" أمام القيادة العامة؟. هل يذكرون الروحية وسمة العلاقات فيه بين مختلف مكونات الشعوب السودانية؟. هل يذكرون كيف كانت تتم إدارته وتنظيمه وقوانينه غير المكتوبة إلا في صدور وعقول جماهير شعب الاعتصام بكل محبة وسعة صدر ورقي لا يليق إلا بهم؟.
واليوم ألا تكفي لجان المقاومة، وهي تبلي اقتصادياً وأمنياً وسياسياً وأخلاقياً على هذا النحو، هذا البلاء .. الحسن جداً ... لتحكم ؟؟؟!.
أما أنا فأقول، وأقسم بالله وأُشْهِدهُ : أنها لجديرة بالحكم.
:::::::::::::::::::::::::::
خلاصة القول:
لقد طويت صفحة السودان القديم الذي كنا نعرفه منذ ما قبل الاستقلال إلى غير رجعة، وأطل فجر سودان جديد، تُفتتح الآن صفحاته واضحة المعالم والحروف.
الآن بدأت تتشكل الدولة السودانية الجديدة، وكل الشواهد تؤكد ذلك وتدل عليه. وقد يجد البعض أنفسهم في حيرة. قد يتششك البعض، وقد يصيب الدوار آخرين. وقد يجد البعض صعوبة في استيعاب الحقيقة ويميل لإنكارها، وقد يجد البعض أنفسهم في منحدر موقف وجودي حرج فيقاتل الدولة الجديدة، ولكن بعضهم سيحاول الانخراط في مسارها.
ولكنها ستمضي، ونشهد ما كان البعض يظنه أطغاث أحلام، وضرباً من جنوح الخيال، ونحن نشهد ميلادها المبارك الآن.
عاش السودان حراً مستقلاً.
والله أكبر، والعزة للسودان.
izzeddin9@gmail.com