احتلال الجنجويد للسودان وحديث السلطات الانقلابية عن السيادة الوطنية 

 


 

 

مفهوم السيادة، يتجسد في الاستقلال الوطني للدولة، وكذا مساراتها مع دول العالم والكيانات السياسية الأخرى التي تشكل النظام الدولي. والسيادة بهذا المعنى إذن، هي سلطة الدولة على أراضيها ومواطنيها، وسيادة الدولة في استقلال قرارها عن أي هيمنة أو سيطرة خارجية.

وبالمعنى أعلاه للسيادة، نسأل عن السودان وسيادته، سيما في ظل الأدوار التي لعبتها القوى الأجنبية للإتيان بانقلاب 25 أكتوبر 2021، ووجود ميليشيا الجنجويد ضمن القوات النظامية!!

في خبر تناقلته وسائل الاعلام السودانية يوم 27 يناير 2022، أبلغ وزير خارجية السلطات الانقلابية في السودان، المدعو علي الصادق، مجلس السيادة، بوجود أنشطة لبعثات دبلوماسية في الخرطوم تنتهك سيادة السودان.

ولم يكشف مجلس السيادة عن هذه البعثات وطبيعة الأنشطة المعنية، وذلك في ظل مقاطعة غير معلنة لدول الاتحاد الأوروبي للحكم العسكري.

وتجئ هذه التصريحات بعد يوم  من حشد شعبي تجمع أمام مقر بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم “يونيتامس” رفضا لتدخل البعثة فيما اسماه المتظاهرون “السيادة الوطنية” كما طالبوا برحيل رئيس البعثة الألماني فولكر بيرتس.

وعقد مجلس سيادة الانقلابي عبدالفتاح البرهان، الخميس 27 يناير 2022، اجتماعا بالقصر الرئاسي بحث حزمة من الملفات على الساحة.

وقالت عضو مجلس السيادة والمتحدثة باسمه سلمى عبد الجبار المبارك، في تصريح صحفي؛ إن “المجلس استمع إلى إفادة من وزير الخارجية المكلف حول العلاقات الخارجية وأنشطة بعض البعثات الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم والمخالفة للأعراف الدبلوماسية والمنتهكة لسيادة البلاد".

عزيزي القارئ..

أعلاه هو الخبر الذي تناقلته وسائل الاعلام عن مجلس سيادة الانقلابيين، ويبدو من الخبر ان الانقلابيين، لهم تعريفا خاصا "للسيادة". فطبقا لهذا التعريف المعوج، فإن الدول التي ترفض الاعتراف والتعامل مع السلطات الانقلابية، تعتبر بعثاتها الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم في نظرها، ممارسا لأنشطة مخالفة للأعراف الدبلوماسية وتنتهك سيادة البلاد.

ما حدث من احتلال للقوات المصرية للأراضي السودانية في مثلث الحلايب، ومن احتلال إثيوبي على القرى والبلدات السودانية في "الفشقة"، يؤشر بوضوح الى توزع السيادة السودانية، فثمة من احتفل سراً بالاحتلال المصري، وثمة منْ انتفض ضده بالعلن، وربما ثمة من نسق مع المعتدين فكانت ردود الأفعال متباينة.

هذا المشهد عكس الخصومات الداخلية في وطن غابت عنه السيادة الكاملة وتوزعت بين الجماعات والدول، فاستبيحت ارضه ونهبت ثرواته وفُقدت كرامة شعبه.

يقال، إذا لم تستح فأفعل ما تشاء. فمجلس سيادة البرهان الذي جاء بانقلاب عسكري هندسته قوى أجنبية معروفة للشعب السوداني، في انتهاك صارخ لسيادة السودان، لا يستحي وهو يتحدث عن انتهاك بعض البعثات الدبلوماسية المقيمة في الخرطوم لهذه السيادة.

السيادة الوطنية تعني ان هناك قانون واحد يحكم المجتمع والدولة، ولا يسمح لسيادات متعددة ان تفرض وجودها لان ذاك يتناقض مع هيبة الدول.. وحينما ترى احتلالا مصريا لجزء من الأراضي السودانية، فهناك سيادات متعددة متنافسة..

** وعندما يتم تأسيس جيش اجنبي (مليشيا الجنجويد)، على أرض السودان باسم القوات النظامية، يحق لنا  ان نبكي على السيادة، ونسأل مجلس السيادة الانقلابي.. أين السيادة؟

** وحينما تكون مصالح وامتيازات فئوية تمنح لهذه المجموعة الميليشياوية أو تلك مع اهمال مصلحة الشعب السوداني، نعلم انه لا جدوى من حديث السيادة..

** وعندما يكون خطاب السلطات الانقلابية، متعدد، ومواقف مختلفة تجاه قضية معينة واحدة، يدلنا هذا على التدخلات السافرة في السيادة الوطنية..

 ** وعندما تكون هناك مجاميع مسلحة خارجة عن سلطة الدولة وتهدد وجودها، بل تعرض سمعتها للخطر ولا تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، فهذا يعني ان على السودانيين إعادة حساباتهم في مفهوم السيادة..

** وعندما يتلقى رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، أوامره من مخابرات دولة أجنبية "جارة"، فالحديث عن السيادة الوطنية يعد ضربا من العبث والهراء..

** وعندما تقتل السلطات الانقلابية، أبناء الشعب السوداني الأبي بكل أنواع الأسلحة، فالحديث عن السيادة الوطنية، يعد مجرد اسهال اعلامي للتسويق المحلي..

الدول تتعامل مع الدول الأخرى باعتبارها وحدة واحدة ذات هدف واحد وموقف واحد وقرار واحد وسيادة واحدة. أما اذا ما كانت هناك جهات متعددة تمتلك القرار والسلطة والسيادة في حالة السودان، فلا غرابة ان يكون الحديث عن السيادة الوطنية، مثارا للسخرية والضحك عند أبناء شعبنا الثائر.

وليس من العجب والحال هكذا في سودان الانقلاب إذن، ان تستدعي دولة الامارات قائد الانقلاب صباحا، وتستدعيه القاهرة مساءا، وتعطيه إسرائيل ساعتين للاتصال بها.

مجلس سيادة الانقلاب في السودان، غير مؤهل اطلاقا للحديث عن السيادة الوطنية، لطالما جاء بإرادة أجنبية -(الإمارات ومصر والسعودية)، وهذا الكلام ليس ادعاءات أو تهمة، انما حقيقة باعتراف الدول الثلاث نفسها.

أما عن أجنبية كثير من مكونات (ميليشيا الجنجويد) الإرهابي، فلا يمكن نكرانها رغم انهم حاولوا مرارا وتكرارا نفي هذه الحقيقة المرة.


bresh2@msn.com

 

آراء