حزب الأمة سباحة في أمواج متلاطمة
زين العابدين صالح عبد الرحمن
19 February, 2022
19 February, 2022
أن الأزمة التي تضرب الساحة السياسية في البلاد، تحتاج إلي قراءة جديدة، تحتاج لأدوات جديدة لكي يحدث أختراق ليس في الأزمة، و لكن في العقل الذي يدير الأزمة، حيث بدأت تخرج العديد من المواثيق و البيانات السياسية، تهدف إلي أن تقدم سياقات جديدة محملة بالمقترحات، لكن هذا الكم من هذه المبادرات السياسية تحتاج إلي منابر متعددة يدور فيها الحوار، فالحوار هو الأداة التي تستطيع أن تخلق بيئة جديدة بهدف إعادة الثقة بين المكونات السياسية، و يجب أيضا أن تخرج بعض القوى السياسية من نرجسيتها و تقمص شخصية الأستاذ الذي يجب أن يستمع إليه الكل و ينفذوا لما يقول، هذا السلوك ربما يكون يتوافق مع الثقافة الشمولية لكنه لا يتوافق مع ساحة تتطاير فيها شعارات الديمقراطية، يصبح فيها الكل يجب أن يستمع للأخر لكي يستمع إليه الأخرين، فالسياسة لا تقبل الجمود بل المرونة التي لا تفقد الكل المباديء العامة لعملية التحول الديمقراطي.
يعد حزب الأمة القومي من الأحزاب التاريخية، و لدى قيادته الخبرة السياسية التي تجعلهم يستطيعون تفهم المرحلة التاريخية التي يمر بالسودان في عملية انتقال من الشمولية إلي الديمقراطية، و هي مرحلة تحتاج لكثير من الصبر و طول النفس، لذلك قدم الحزب مبادرته أطلق عليها (خارطة الطريق) و قبل أيام أردفها رئيس الحزب اللواء فضل الله برمة ناصر بخطاب تضمن نقاط جديدة، و هي تحتاج لقراءة لمعرفة المغذى منها، في ساحة بدأت تغلق فيها نوافذ الاتصال بعد اعتماد الكل شعار الاءات الثلاث.
من أهم خطاب اللواء برمة مطالبة "قوى الحرية المركزي) تقييم شفاف للتجربة السابقة حيث قال في خطابه و في اللقاء الذي أجرته معه قناة ( الجزيرة) حيث قال " على قوى الحرية و التغيير أن تجري تقييما شفافا للفترة التي حكمت فيها. و على المكون العسكري الاعتراف بفشل الانقلاب. و طلب الجماهير حكم مدني خالص" أن التقييم مسألة ضرورية لمعرفة أسباب الفشل، و آهمال مكونات المؤسسات التي تساعد على عملية التحول الديمقراطي، و أيضا التقييم ضروري للانتقال مرحلة المستقبل. و مطالبته للبرهان بفشل الانقلاب و تسليم السلطة للمدنيين. فالسؤال هل الخيارات التي ذكرها البرهان في اللقاء الذي أجراه معه القمان أحمد رئيس الهيئة القومية للإذاعة و التلفزيون. و حددها في الانتخابات – التوافق الوطني – انتخابات لرئيس الجمهورية إذا كان اتفق على أن يكون النظام رئاسي. هي رد لمطالبة برمة؟ و لمتابعتي لتصريحات اللواء برمة و مؤتمره الصحفي، أن البرهان أراد أن يرد على اللواء برمة و خاصة مطالبته للتنازل للمدنيين، و بين البرهان يمكن أن يتم ذلك عبر الخيارات الثلاث التي طرحها.
قال رئيس حزب الأمة في اللقاء الذي أجرته معه قناة ( الجزيرة) "أن الوضع في السودان في خطر، و يتطلب حوارا بين القوى السياسية بهدف البحث عن حل للأزمة السياسية. و قال برمة من الخطأ الحديث أن الوثيقة الدستورية قد انتهت، هي تعتبر بمثابة الدستور الذي يجب الرجوع إليه، و يمكن تطويرها و تعديلها لما يناسب عملية التحول الديمقراطي في البلاد. و قال أن شعارات الآءات الثلاث المرفوعة لا تخدم قضية الحل السياسي الذي يجب أن يصل للتوافق الوطني كل هذا يأتي عبر الحوار." حديث برمة هنا يخالف البيان السياسي الذي أصدره المكتب السياسي للحزب أنه يتفق مع شعار الاءات الثلاثة. و قال صديق الصادق نائب رئيس الحزب لجريدة ( الانتباهة) يمكن ألتنازل عن الشعار إذا أوقفت السلطة الحاكمة القمع الذي يمارس ضد الجماهير. لكن الدكتورة مريم المهدي لها رؤية أخرى في قضية الوثيقة الدستورية قالت مريم المهدي في اللقاء مع قناة ( سودانية 24) برنامج ( دائرة الحدث) الذي شاركها في البرنامج كل من صالح محمود عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي و على عسكوري رئيس حزب العدالة الاجتماعي." أن انقلاب 25 أكتوبر قد اسقط الوثيقة الدستورية" و هذا القول يتعارض مع حديث رئيس الحزب. و بالتالي تحتاج قيادات حزب الأمة توحيد خطابها حول الوثيقة الدستورية و قضية الحوار الوطني. الغريب في الأمر أن الدكتورة مريم تعتقد دور المجتمع الدولي مهم لتسهيل الحل للأزمة. لكن المجتمع الدولي يقر بالوثيقة الدستورية لأنها هي التي تكسب القوى المدنية الشرعية، و حق الشراكة التي يضغط بها قيادة الانقلاب.
في محطة أخرى قال اللواء برمة "أن استمرار إزالة التمكين و تفكيك بنية الحزب الواحد لصالح الوطن إلتزام ثوري و دستوري و سياسي لابد من الوفاء به." معلوم أن تفكيك بنية الدولة الشمولية و الحزب الواحد لمصلحة التعددية مسألة ضرورية و مهمة في عملية التحول الديمقراطي. لكن الخلاف يصبح في الوسائل المستخدمة في عملية التفكيك. باعتبار الوسائل هي التي تحدد إذا كانت عملية التفكيك تتم لكي ترسي قيما ديمقراطية أم تستخدم ذات أدوات الدولة الشمولية، و هي عملية حدثت فيها أخطاء و لم تنتقد من قبل حزب الأمة، الأمر الذي يطرح تساؤل إذا كان الهدف منها التشفي أم إقامة قيم العدالة. و غياب محكمة الاستئناف و عدم تكوينها، و التأكد من فاعليتها يبين غياب الحس الديمقراطي عند السلطة التي كانت حاكمة.
ينتقل اللواء برمة لنقطة أخرى و يقول "المناخ السياسي مأزوم و معقد لا يساعد لحل المشكل لذلك نحن مدنيين و عسكريين يجب علينا العمل تعيئة البيئة من أجل الوصول لحل و لذلك يجب علينا جميعا نتوافق و رفض الخلافات و زرع الثقة بين جميع الأطراف. اقصد أن ظروف الفترة الانتقالية تتطلب أن يكون هناك من التوافق بين الجميع. يتطلب الارتفاع عن كل خلاف و وضع مصلحة السودان فوق كل شيء." أن الارتفاع إلي مصلحة الوطن يتطلب من القوى السياسية انتقال نظرها من السلطة لعملية التحول الديمقراطي، و كل ما كانت المصلحة أدنى يغيب الوطن، أن الخلافات بين القوى السياسية هي قضية المحاصصات و إبدال الولاءات بولاءات جديدة بعيدا عن القوانين و اللوائح. فالوطن الآن غير مطروح في الخطابات السياسية المتداولة في الساحة السياسية، حتى الصراع الدائر مع المكون العسكري و مطالبته بتسليم السلطة و كل مجموعة تريد أن يسلموها السلطة باعتبارها هي القوى الثورية وحدها. لذلك تصبح عملية التوافق الوطني مسألة ضرورية.
أعترفت مريم المهدي في برنامج ( دائرة الحدث - سودانية 24) "هناك مشاكل حقيقية في قوى الحرية و التغيير تتمثل في الإقصاء و عدم قبول الأخرى و الهيمنة و مشكلة اتخاذ القرار، لكن الديمقراطية تعالج بمزيد من الديمقراطية. و كانت الشراكة قائمة بين جانبي الشراكة كل خائف من الأخر" هذا اعترف يساعد أيضا على الحل لآن البعض لا يعترف بهذه الأشياء. حتى عندما قدم رئيس الوزراء مبادرته التي شخص فيها الأزمة و الصراع الدائر بين مكونات السلطة، سارعت ( قوى الحرية المركزي) و حاولت أن تحتضن مبادرة رئيس الوزراء و تشكلها بتصورها بذات عقليات الأزمة، و كان الهدف من توسيع دائرة المشاركة أن تسحب كل القوى الواقفة في السياج لداخل المسرح السياسي لكي تكون رصيدا للديمقراطية، لكن عقلية السلطة أرادت عكس ذلك، و السلطة صراع لا يستطيع المرء أن يتنبأ بالأدوات التي يمكن أن تستخدم فيه.
ننتقل إلي المحطة الأخيرة و التي يطالب فيها اللواء برمة ناصر "توسيع دائرة المشاركة، و دستور انتقالي يضع أولا في الاعتبار لمطالب الشعب و مهام الانتقال، مرجعيته الوثيقة الدستورية و اتفاق جوبا، و قانون يمنع المؤتمر الوطني و أحزاب السدنة من خوض الانتخابات الأولى لما حققوا لأنفسهم من امتيازات غير مشروعة." أجد هنا أن اللواء برمة بعد ما صعد بالجميع لمرتبة الوطن، لكنه ينزل لدواعي مصالح حزبية، كان المنصوص في الوثيقة الدستورية عدم مشاركة المؤتمر الوطني، و يريد سعادة اللواء إضافة أحزاب السدنة غير المعرفة، لكن المقصود منها منع كل الأحزاب التي تسيطر عليها قيادات من حزب الأمة الذين كانوا مشاركين في الإنقاذ بأن لا يشاركوا في الانتخابات القادمة، و منع الاتحادي الأصل ( الميرغني) لمصلحة التجمع الاتحادي. هنا نسأل ما هو المقصود بالإقصاء؟ لماذا القوى السياسية التاريخية و الحديثة مرعوبة جدا من الانتخابات القادمة، لدرجة تريد أن تمنع بعض الأحزاب من المشاركة بقانون. اعتقد أن ثلاثة عقود من الحكم الشمولي قد أحدثت اختلالات كبيرة في عملية الوعي السياسي بالديمقراطية و مطلوباتها. دائما السيد الصادق المهدي كان يضرب مثالا بالذي حصل في جنوب أفريقيا " الحقيقة و التسامح" الذي جاء به نيلسون مانديلا لكي يضمن الاستقرار لوطنه و ديمومة الديمقراطة.
نشر في جريدة إيلاف الخرطوم
zainsalih@hotmail.com