اذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جوعانا

 


 

 

بشفافية -
تداول كثيف وتفاعل كبير، وجدته حكاية عالم الفلك الدكتور أنور أحمد عثمان، عن طلبه من مطعم بالخرطوم (نصف طلب فول)، عقب ارتفاع سعر طلب الفول إلى أكثر من 500 جنيه، و تردي الأوضاع المعيشية في السودان، د. أنور روى الحكاية على صفحته بفيسبوك، قائلا من عادتي ومنذ زمن بعيد الافطار مبكراَ جدا بعد الصحيان مباشرة، فدخلت المطعم وطلبت فول، أخبرني الكاشير بأن الطلب ب550 جنيه، أخبرته بأني أريد (نصف طلب فقط)، ضحك الكاشير وقال لي (نص طلب كيف)، الطلب ياعمي كمشتين بس، قلت له خلاص يا ابني أديني كمشة واحدة ورغيفة واحدة بتكفيني وأنا ما باكل كتير، فازدادت ضحكة الكاشير ووافق على نص الطلب معلقا (والله شغال هنا 10 سنوات مافي واحد جاء قال عايز نص طلب)..انتهت الحكاية من حيث بدأت رواية الجوع القادم،
وليس من المستبعد على طريقة د. أنور اياها، بل المتوقع جدا في ظل كل المؤشرات الدالة على قرب وقوع مجاعة طاحنة، أن يشتري أحدهم رغيفة ضبلانة بخمسين جنيها، ويذهب الى أحد المطاعم، لا ليطلب نص طلب، وانما ليستطيع أكل الرغيفة على رائحة الشواء المنبعثة من مطبخ المطعم، تماما كما في حكاية كتاب المطالعة الابتدائية.. الشاهد أن الناس قد بلغت أقصى وأقسى درجات الرهق والتعب والنصب من هذه المعاناة التي لا تنقضي، وكانت هذه المعاناة المتطاولة واحدة من أهم وأبرز محفزات الثورة على النظام البائد، وواهم من يظن أن معاش الناس ليس بالأهمية التي تضعه على رأس وصدارة الأجندة ، وقديما قال شيخنا العبيد ود بدر (أكان ما عجينى منو البجينى)، ومن المأثور عن سيدنا علي كرم الله وجهه أنه قال عجبت لرجل لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه، ولم يذهب أهل السودان بعيدا من هذه الحكم حين اختزلوا علم الاقتصاد كله في قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الحال عندهم معافى، والعكس صحيح، ومن الاستحالة أن تبقى أحوال البلاد على ما هي عليه اليوم بعد الانقلاب،
تسير بذات الوتيرة وبذات السياسات والممارسات، فثورة الجياع آتية لا ريب، وستنضم حشودهم الحاشدة الى مليونيات الشباب الثائر، وستزداد احتشادا بجموع المحبطين والعاطلين، ولن تخيفهم أو تثنيهم قوة بالغا ما بلغت حتى اسقاط الانقلاب، وهذا ما يذكر بحكاية الغنماية مع الكلب التي تصلح تماما لوصف هذا الحال، حيث أن الطبيعي أن يخيف الكلب الغنماية واذا حدث العكس فأخافت الغنماية الكلب فلا شك أن أمرا غير طبيعي قد حدث فانقلبت معه الآية،
ولهذا كان طبيعياً أن يندهش الكلب في القصة المعروفة ويتساءل باستغراب (الغنماية دي جنت ولا شنو) حينما إستأسدت عليه ذات يوم وطردته من (الكوشة) وهو الذي إعتاد على طردها كلما سبقته الى هناك، ولكن حين إستبد الجوع بالغنماية وبدأ شبح الموت جوعا يلوح أمامها، لم تجد بدا غير أن تتأسى ببيت المتنبيء (واذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا)، وهكذا أقدمت تلك الغنماية على فعلها الاستثنائي ذاك بكل إقدام وجسارة ولسان حالها يقول (موت موت حياة حياة). فالأمر قد جاءها في (تولا) العزيزة وفرض عليها أن تقاتل حتى آخر رمق، أما الكلب الذي لم تكن له (غبينة) وبالتالي لم تكن به حاجة لخوض القتال فقد آثر الهروب ولاذ بالسؤال الذي سارت بذكره الركبان (الغنماية دي جنت ولا شنو)..
الجريدة

 

آراء